تشهد مدينة القدس المحتلة تزايداً في الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسيين، لا سيما تصعيد سلطات الاحتلال من سياسة الهدم في القدس لمنازلهم والاستيلاء على أراضيهم، وتعتقل أكثر من 200 شاب فلسطيني فيها.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي من خلال إجراءاته فرض سياسة الأمر الواقع في المدينة المقدسة، ومحاولة حسم أمرها عاصمة له غير قابلة للتقسيم، من خلال سياسة تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم.
بهذا الخصوص، يرى مختصون من القدس، في حديث لـ"عربي بوست"، أن الاحتلال صعّد من عدوانه ضد المدينة المقدسة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مستغلاً الانشغال العالمي بما يجري في قطاع غزة.
تصاعد عمليات الهدم في القدس
من جانبه، قال الناشط والمختص بشؤون القدس، فخري أبو دياب، لـ"عربي بوست"، إن عمليات الهدم ارتفعت 10 أضعاف منذ بداية العام الحالي 2024، عما كانت عليه في ذات الفترة مع بداية العام الماضي 2023.
أبو دياب نفسه هُدم منزله ضمن حملة الهدم الإسرائيلية المتصاعدة في القدس المحتلة، وأوضح أن عمليات الهدم هذه "ارتفعت عشرة أضعاف"، إذ وصلت بحسب ما يعلنه الاحتلال إلى 216 منشأة ومنزلاً منذ السابع من أكتوبر، وهو رقم كبير مقارنة بالعام الذي سبقه الذي وصل في القدس إلى هدم 36 مبنى، بحسب بيانات نشرها الاتحاد الأوروبي.
علق على ذلك أبو دياب بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي يسارع الآن في تنفيذ عمليات الهدم بالمدينة المقدسة، وسط حربه على قطاع غزة.
وأضاف أن "إسرائيل تضع القدس الآن على مذبح فرض الأمر الواقع، وحسم ملفها، بحيث تنفذ مخطط التهجير بحق سكانها، وتجعل الغالبية من سكانها لصالح المستوطنين، فيما تحول الحياة فيها إلى مستحيلة بالنسبة للفلسطينيين".
أشار أبو دياب كذلك إلى أن سلطات الاحتلال أصدرت أوامر هدم بحق 218 منزلاً ومنشأة في أحياء مقدسية، خاصة القريبة من المسجد الأقصى، خلال يوم واحد هو الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2024، في محاولة للضغط على المقدسيين بهذه المنطقة بشكل كبير جداً لطردهم، والاستفراد بالمسجد الأقصى.
بشأن ذلك، نبّه إلى أن الاحتلال مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، "ازداد شراسة ضد المقدسيين، مستغلاً الانشغال العالمي، وكذلك استرضاء للمتطرفين، خاصة قبل الانتخابات المرتقبة لبلدية الاحتلال، من أجل الحصول على أصوات اليمين المتطرف".
وهدم الاحتلال قبل أيام عدة، منزل الناشط أبو دياب، الناطق باسم أهالي سلوان المهددة بيوتهم بالهدم، الذي يوضح أن بيته "تم بناؤه قبل قيام الاحتلال الإسرائيلي"، واصفاً ما يجري بأنه "عقاب جماعي للأهالي".
بدوره، أدان الاتحاد الأوروبي هدم منزل أبو دياب، معتبراً ذلك انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.
"صوت جرافات الاحتلال ما زال في أذني"، متحدثاً أبو دياب بحزن عن منزله الذي هدمه الاحتلال، وقال إن "ما يجري الآن هو محاولة لحسم ملف القدس، لذلك تتصاعد سياسة الهدم والاستيلاء على الأراضي من أجل تشريد المواطنين".
وقال: "يتعمد الاحتلال هدم المنازل والمنشآت، لإفقاد الناس الأمان الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي وحتى الروحي، إذ إن مسجد القعقاع في عين اللوزة قد يجري هدمه الشهر المقبل".
مسجد القعقاع أقيم عام 2012 في بلدة سلوان، بمساحة 110 أمتار مربعة، يؤدي فيه مئات الفلسطينيين في القدس الصلاة يومياً.
أصدر الاحتلال الإسرائيلي أوامر متكررة بهدم المسجد، لكنه لم ينفذ القرار حتى الآن، وسط تحذيرات المقدسيين من إمكانية قيامه بذلك في هذه الفترة التي يصعد فيها من سياسة الهدم في بلدة سلوان، التي تقول منظمة "إلعاد" الاستيطانية الإسرائيلية، إنها تريد تحويلها إلى منطقة يهودية تطلق عليها اسم "مدينة داود".
2000 حالة اعتقال في القدس منذ طوفان الأقصى
بينما يستهدف الاحتلال منازل الفلسطينيين، ويحاول جعل المدينة غير صالحة للعيش بالنسبة لهم، فإنه يستغل ما يسميه "قانون الطوارئ" من أجل اعتقال شبابها.
يأتي ذلك بحسب ما أكده رئيس نادي الأسير الفلسطيني في القدس المحتلة ناصر قوس، لـ"عربي بوست"، من أن "قوات الاحتلال نفذت 2000 حالة اعتقال لأبناء القدس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ثلث المعتقلين المقدسيين من فئة القاصرين، وبينهم نساء، بحسب قوس، الذي قال إن "هذه الاعتقالات تتم تحت بند التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث هناك مراقبة على حسابات أبناء القدس المحتلة، ويتم تتبعهم، وتنفيذ عمليات اعتقال ضدهم".
157 قراراً بالاعتقال الإداري لمقدسيين لم يعتقلهم الاحتلال بعد، بحسب قوس، الذي أضاف أن "إسرائيل فعّلت أمر سحب الإقامات من أحد الأسرى، الذي ما يزال يقبع في سجون الاحتلال، وهو ماجد الجعبة من سكان البلدة القديمة".
وأشار إلى سياسة الإبعادات التي تصدرها قوات الاحتلال بحق المقدسيين عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وهي بالعشرات.
وأوضح رئيس نادي الأسير الفلسطيني في القدس أن سلطات الاحتلال تستهدف كذلك أسرى محررين، من خلال مصادرة أموالهم، بحجة أنهم يتلقون رواتب من السلطة الفلسطينية، فيما فرضت غرامات على آخرين، بسبب زيادة في البناء لمساحات بيوتهم، أو محاولة بناء بيوت جديدة.
ضرب الاقتصاد في القدس المحتلة
من جهته، أفاد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بأن "إسرائيل تعمل على تهويد المدينة منذ احتلالها عام 1967، وهي الآن شبه مهوّدة بالكامل، وهناك قواطع استيطانية تحول دون أي ترابط ما بين المناطق والأحياء الفلسطينية".
أكد الحموري كذلك أنه "تصاعدت الهجمة بشكل كبير خلال الأشهر الأربع الماضية، على الوجود الديموغرافي في المدينة، من خلال إجراءات لها علاقة بالهدم وتدمير الاقتصاد".
حول تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس مع قرب شهر رمضان، حذر الحموري من أن "الاحتلال في كل عام يحاول اختلاق ذرائع وحجج من أجل من الاحتفال الفلسطيني بالقدس بأي مناسبة، خاصة شهر رمضان المبارك، سواء على الصعيد التجاري أو الاقتصادي".
أما فيما يتعلق بالمحال التجارية، فأشار إلى أن "هناك نحو 450 محلاً مغلقاً بالقدس، وقد يرتفع هذا العدد في الفترة المقبلة، خاصة أن الاحتلال وضع قيوداً على دخول المصلين للمسجد الأقصى، وهذه سيكون لها تبعات اقتصادية، في وقت ينتظر فيه التجار شهر رمضان لتعويض خسائرهم عن عام كامل".
تابع أن "المواطن المقدسي يعاني أثناء تنقله من منطقة الى أخرى خارج حدود المدينة، مثلاً من خلال نشر الحواجز العسكرية التي قد يضطر المواطن للانتظار عليها لمدة لا تقل عن 3 ساعات ذهاباً ومثلها إياباً، أي أن معظم ساعات نهاره تذهب بسبب الحواجز".
شدد على أن "هذا جزء من فرض الضغوطات والتبعات الاقتصادية على المواطنين الفلسطينيين في القدس".
عن الوضع الاقتصادي في القدس في هذه الفترة، قال: "ما نمر به هو من أصعب الظروف، خاصة أن السياحة متوقفة، ومنذ 5 أشهر هناك فنادق مغلقة بشكل كامل".
يشار إلى أن الاحتلال يستهدف منازل المقدسيين سنوياً بزعم "البناء غير المرخص"، ويضغط عليهم لدفعهم إلى الهجرة خارج المدينة المقدسة، مانعاً عنهم إصدار التراخيص من بلدياته.