قالت عدة مصادر إيرانية وعراقية إن زيارة من إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني، لبغداد، أدت إلى توقف هجمات الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق على القوات الأمريكية، ووصفت المصادر هذا بأنه علامة على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقاً.
المصادر أوضحت لوكالة رويترز، الأحد 18 فبراير/شباط 2024، أن قاآني التقى ممثلي عدة فصائل مسلحة في مطار بغداد يوم 29 يناير/كانون الثاني، بعد أقل من 48 ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في موقع البرج 22 العسكري بالأردن.
حيث قالت عشرة من المصادر إن قاآني، الذي قُتل سلفه في هجوم بطائرة مسيرة أمريكية بالقرب من المطار نفسه قبل أربع سنوات، أبلغ الفصائل أن سفك الدماء الأمريكية يخاطر بردٍّ أمريكي عنيف، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
ما الذي طلبه قاآني من الفصائل
أضافت المصادر أن قاآني أبلغ الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق، أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أمريكية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية أو حتى الانتقام المباشر من إيران.
بينما لم توافق إحدى الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظم الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق الأخرى وافقت. وفي اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب حزب الله المتحالفة مع إيران أنها ستعلق هجماتها.
منذ الرابع من فبراير/شباط، لم تقع هجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، مقارنة مع أكثر من 20 هجوماً في الأسبوعين السابقين لزيارة قاآني، في إطار موجة من أعمال العنف من قبل الفصائل رداً على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
فيما قال قيادي كبير بأحد الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق: "بدون تدخل قاآني المباشر، كان من المستحيل إقناع كتائب حزب الله بوقف عملياتها العسكرية لتهدئة التوتر".
لم يرد قاآني ولا فيلق القدس، وهي قوة تابعة للحرس الثوري الإيراني تعمل مع الفصائل المسلحة المتحالفة من لبنان إلى اليمن، حتى الآن على طلبات للتعليق. ولم يتسن الوصول إلى كتائب حزب الله وفصيل آخر للتعليق. ولم يرد البيت الأبيض ولا وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) أيضاً.
فيما أشارت وسائل إعلام عراقية إلى زيارة قاآني، لكن تفاصيل رسالته وتأثيرها في الحد من هجمات الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق لم ترد في تقارير قبل ذلك.
تحدثت رويترز بهذا الشأن مع ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومسؤول أمني عراقي كبير وثلاثة سياسيين شيعة عراقيين وأربعة مصادر في الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران وأربعة دبلوماسيين يركزون على الشأن العراقي.
استئناف المحادثات العراقية الأمريكية
يسلط النجاح الواضح لزيارة قاآني الضوء على النفوذ الذي تتمتع به طهران على الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق، والتي تعمل تارة على زيادة الضغط وتارة أخرى على تهدئة التوتر لخدمة هدفها المتمثل في إخراج القوات الأمريكية من العراق.
إذ قالت خمسة من المصادر إن الحكومة في بغداد، وهي حليف مشترك نادر لكل من طهران وواشنطن، تحاول منع تحول البلاد مرة أخرى إلى ساحة قتال للقوى الأجنبية وطلبت من إيران المساعدة في كبح جماح الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق بعد الهجوم في الأردن.
فيما قال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للشؤون الخارجية، لـ"رويترز""، رداً على سؤال لتأكيد زيارة قاآني وتأكيد طلب المساعدة في كبح جماح الفصائل المسلحة، إن السوداني "عمل مع كل الأطراف المعنية داخل وخارج العراق محذراً من أن أي تصعيد سيعمل على زعزعة أمن العراق والمنطقة".
بينما قال سياسي شيعي من الائتلاف الحاكم: "الهجوم جاء بطريقة خدمت مصلحة الحكومة العراقية". وفي أعقاب الهدوء الذي تلى ذلك، استؤنفت المحادثات في السادس من فبراير/شباط مع الولايات المتحدة حول إنهاء الوجود الأمريكي في العراق.
تفضل عدة أحزاب وفصائل مسلحة أخرى متحالفة مع إيران في العراق إجراء المحادثات بدلاً من شن هجمات لإنهاء وجود القوات الأمريكية. ولم تكن واشنطن مستعدة للتفاوض على تغيير وضعها العسكري في ظل الهجمات؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى تجرؤ إيران.
فيما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الوجود الأمريكي في العراق سيتحول إلى "علاقة أمنية ثنائية مستمرة"، ورفض التعليق على زيارة قاآني لبغداد وتواصله مع الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق.
إذ تؤكد الولايات المتحدة أن طهران تتمتع بمستوى عالٍ من السيطرة على ما تسميه "وكلاء" لإيران في المنطقة. وتقول طهران إنها قدمت التمويل والمشورة والتدريب للحلفاء، لكنهم يقررون العمليات بأنفسهم.
بينما اعترف مسؤول أمريكي آخر بدور إيران في الحد من الهجمات، لكنه قال إنه ليس واضحاً ما إذا كان الهدوء سيستمر. وقال مسؤول أمريكي كبير آخر: "نحتاج إلى رؤية مزيد من الجهد على الأرض" من قبل العراق للسيطرة على الفصائل، مشيراً إلى عدم تنفيذ سوى عدد محدود من الاعتقالات فقط بعد هجوم بقذائف الهاون في ديسمبر/كانون الأول على السفارة الأمريكية في بغداد.
لقاء قاآني مع الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق
قال المصدر الأمني العراقي الكبير إنه في الوقت الذي تستعد فيه إيران لردٍّ أمريكي على هجوم الأردن الذي نفذته الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق، جاءت زيارة قاآني سريعة، إذ لم يغادر المطار "لدواعٍ أمنية مشددة وخشية على سلامته".
أعقب الغارة التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عام 2020 خارج المطار، هجوم اتهمت واشنطن كتائب حزب الله أيضاً بشنه، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل متعاقد أمريكي وأثار في ذلك الوقت مخاوف من اندلاع حرب إقليمية. وإلى جانب سليماني، أسفرت الغارة التي شنت بطائرة مسيرة، عن مقتل زعيم كتائب حزب الله سابقاً أبو مهدي المهندس.
كما ذكرت تسعة مصادر أن كلاً من طهران وبغداد تريدان تجنب تصعيد مماثل هذه المرة. وذكر المصدر الأمني العراقي الكبير أن "الإيرانيين تعلموا الدرس من تصفية سليماني ولا يريدون تكرارها".
فيما قال مسؤول أمني إيراني كبير: "زيارة القائد قاآني كانت ناجحة ولكن ليست بشكل كامل، إذ لم توافق جميع الجماعات العراقية على تهدئة التصعيد". وقالت جماعة النجباء وهي جماعة صغيرة لكنها نشطة جداً، إنها ستواصل الهجمات، مشيرة إلى أن القوات الأمريكية لن تغادر أبداً إلا بالقوة.
ليس واضحاً إلى متى ستستمر الهدنة. وتوعدت جماعة تنطوي تحت لوائها عدة فصائل مسلحة باستئناف العمليات إثر قتل الولايات المتحدة القيادي الكبير في كتائب حزب الله، أبو باقر السعدي، في بغداد يوم السابع من فبراير/شباط.
كان السعدي أيضاً عضواً في قوات الحشد الشعبي، وهي جهة أمنية عراقية تضم في أغلبها فصائل شيعية مسلحة متحالفة مع إيران وحاربت تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، ما يسلط الضوء على مدى تداخل الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران مع الدولة العراقية.