تتمتع مصر، المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط بسواحل تمتد لأميال طويلة، ولطالما كانت منتجعاتها وجهةً مفضلةً للسياح، لكن المشكلات الاقتصادية الأخيرة في مصر تركت تأثيراً مزلزلاً على المجتمع، فبطول خليج العقبة المطل على البحر الأحمر، تحوّلت مدينة دهب -التي كانت منطقة صيد أسماك هادئة ذات يوم- إلى ملاذٍ للعاملين المتنقلين، أو ما يطلق عليهم الـ" فريلانسر"، من ميسوري الحال.
حيث ساهمت مياه مدينة دهب الفيروزية الدافئة، وروحها المعاصرة، في تحويلها من مدينة صغيرة إلى منتجع شهير للغطس، ما جعلها وجهة مثالية للباحثين عن فرص عمل، وكذلك للباحثين عن الاستمتاع، وذلك وفق ما قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقريرها، الجمعة 16 فبراير/شباط 2024.
إذ قالت ناتاليا، التي تغيّر أسلوب حياتها بسبب جائحة كوفيد-19، وتقطن في دهب الآن أثناء إعداد رسالة الدكتوراه: "لقد وقعت في غرام دهب".
المدن الساحلية المصرية وجهة للأجانب
ارتفع عدد العاملين المتنقلين بشكلٍ حاد أثناء الجائحة، عندما أجرت الشركات عملية الانتقال الضرورية إلى العمل عن بُعد، وتحرر العاملون من ذوي الياقات البيضاء من القيود الجغرافية فجأة. وخلال السنوات التالية، ساهم ارتفاع أسعار الإيجار وأزمة تكاليف المعيشة داخل العديد من الدول في هجرة المهنيين الشباب، وأصبح تبديل المدينة، أو حتى الدولة هو الخيار الأقل تكلفة بالنسبة لهم.
وبفضل سعر الصرف، تحظى مصر بجاذبية خاصة لأي شخص يتقاضى أجره بالدولار أو اليورو، الأمر الذي ينطبق على الأجانب الذين يمكنهم تقديم طلب للحصول على تصريح عمل، أو على المصريين الذين يعملون لحساب شركات دولية.
معاناة ملايين المصريين
في المقابل، فإن ملايين المصريين يعانون في ظل هذا الاقتصاد المنكوب؛ إذ يبلغ السعر الرسمي للدولار نحو 30 جنيهاً مصرياً، لكن النقص الحاد في العملات الأجنبية أدى إلى انتعاش السوق الموازي، الذي يصل سعر صرف الدولار فيه إلى 60 جنيهاً مصرياً.
وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم لما يقارب الـ30%، انخفضت معدلات معيشة غالبية سكان مصر، البالغ عددهم 105 ملايين نسمة بدرجةٍ حادة، ما دفع بالآلاف إلى خوض الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر صوب أوروبا. واعتباراً من عام 2020، أصبحت الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان تحتل المرتبة التاسعة كأكبر مصدر لطلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
بينما وجد العاملون المتنقلون -الذين يتقاضون أجورهم بالدولار- أن تلك الأوضاع الاقتصادية تُعد مثالية من أجل الاستمتاع بضوء الشمس طوال العام على شواطئها.
هجرة آلاف المصريين للخارج
يقول علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري: "ليست هناك أزمة بلا فائزين وخاسرين، ومن غير الدقيق أن نزعم أن الجميع يخسرون في الأزمة".
وبحسب البنك الدولي، أصبح نحو ثلث سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر الوطني في عام 2019، ويسكن غالبيتهم في المنطقة الواقعة بطول دلتا النيل المكتظ بالسكان، معتمدين على خدمات تتحمل فوق طاقتها.
ويقول الإدريسي إن ضعف الآفاق الاقتصادية دفع بالمزيد من الناس إلى مغادرة مصر، ولهذا يختار العديد منهم التغاضي عن عقبات الهجرة غير الشرعية.
حيث تغيّرت حياة سمير، على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022، وقد رفض استخدام اسمه الحقيقي؛ لأن السلطات الإيطالية تدرس طلب اللجوء الذي تقدّم به.
إذ اتصل به صديق من إيطاليا وأخبره بأمر حافلة تحمل مهاجرين ستغادر من الإسكندرية إلى السلوم، قرب الحدود الليبية. وقد سافرت الحافلة عبر مسارات جبلية لتفادي نقاط التفتيش على طريقها إلى السلوم. وهناك، دفع للمهربين مبلغ 40 ألف جنيه (أي ما يعادل 1,000 يورو)، قبل أن ينضم إلى مجموعة غالبيتها من النساء والأطفال.
وسمير هو واحد من بين 21,753 مصرياً وصلوا إلى أوروبا في عام 2022، حين أصبحت أعداد المصريين الواصلين إلى أوروبا أكثر من أعداد الذين يصلون من بلدان دمّرتها الحروب مثل سوريا وأفغانستان.