كشفت مجموعة من المصادر السياسية المصرية التي تواصل معها "عربي بوست" أن خفوت نبرة القاهرة تجاه المهاجرين هو انعكاس لارتياح مصر لما يمكن أن تقدمه دول الاتحاد الأوروبي من دعم، من الممكن أن يساعدها على تلبية احتياجاتها.
وتعيش مصر أزمة اقتصادية متصاعدة، تسببت في انهيار الجنيه أمام الدولار، في المقابل تتوقع القاهرة وصول دعم أوروبي قد يصل إلى 10 مليارات دولار تُقدم كمنح وليس قرضاً.
وأخيراً أكد نائب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة، آن سكوف، أن هناك مفاوضات جارية بين الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية لتحديد حجم الدعم الإضافي المقدَّم في إطار المراجعة النصفية للميزانية الأوروبية.
وأضاف المتحدث في تصريح سابق، أن الدعم الأوروبي يهدف إلى المساعدة في الظروف الاقتصادية الحالية التي تعانيها مصر، وأن هذا الدعم سيكون منحة وليس قرضاً.
تفاصيل اتفاق الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي
من جهته، كشف مصدر دبلوماسي لـ"عربي بوست"، على صلة بالمفاوضات الجارية بين مصر والاتحاد الأوروبي، أن المباحثات تتضمن التوافق على التعاون المشترك في مجموعة من الملفات الأمنية والعسكرية والحقوقية والاقتصادية والتنموية.
وأضاف المتحدث أن الهدف الرئيسي يتمثل في ضمان عدم تدفق الهجرة غير الشرعية من مصر إلى دول الاتحاد الأوروبي، سواء كان ذلك من خلال المصريين الساعين للهجرة، أو عبر دفع اللاجئين على الأراضي المصرية للهروب إلى الخارج.
وأكد المصدر لـ"عربي بوست" أن مصر والاتحاد الأوروبي اتفقا على تعزيز الحماية الأمنية للحدود البحرية، على أن يتولى الاتحاد الأوروبي مهمة تدريب الكوادر المصرية على كيفية مواجهة مراكب الهجرة غير الشرعية.
وأضاف المتحدث أن الاتحاد سيُقدم دعماً مادياً للأجهزة الأمنية والعسكرية، بما يمكنها من أداء مهامها، إلى جانب مساعدة القاهرة على تشكيل قاعدة بيانات كاملة للمهاجرين واللاجئين على أراضيها والضغط بشكل أكبر على مفوضية اللاجئين لتسجيل أعداد أكبر من الفارين من الصراعات المشتعلة في بلادهم.
ولفت المتحدث إلى أن الاتحاد الأوروبي أثنى على الجهود المصرية في الحد من الهجرات غير الشرعية على أراضيها خلال السنوات الماضية، ويعمل على دعم الدولة المصرية بما يجعلها تتسم بقدر من الاستقرار السياسي والأمني الذي يقوض دفع المهاجرين إلى البحر الأبيض المتوسط.
وأشار إلى ما يشجع على تقديم دعم مالي ولوجستي كبير أن هناك نظرة إيجابية من جانب دول الاتحاد الأوروبي إلى الجهود السابقة التي قامت بها مصر بشأن استقبال اللاجئين وتوطينهم على الأراضي المصرية.
وتشكل حالة اندماج قطاعات كبيرة من اللاجئين داخل المجتمع المصري أمراً إيجابياً لدول الاتحاد الأوروبي، بحسب المصدر ذاته، والذي شدد على أن القاهرة أتاحت فرص عمل هؤلاء في مهن وحرف مختلفة، ووفرت مسارات تعليمية لغالبية الجاليات على أراضيها.
الأمر حسب المصدر الدبلوماسي، ساهم في تقليص إمكانية تحويل مصر إلى بلد معبر إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأضحت بمثابة بوابة أولى تشكل أهمية أمنية لعدم وصولهم إليها.
أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أعداد طالبي اللجوء واللاجئين في مصر حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024 إلى 501 ألف لاجئ وطالب لجوء، وكان للجنسية السودانية النصيب الأكبر من هذا الرقم، بنسبة 46%.
وتشير إحصاءات حكومية إلى أن أعداد المهاجرين واللاجئين على الأراضي المصرية بلغت أكثر من 9 ملايين شخص، وأن هذا العدد يمثل ما نسبته 8.7% من حجم سكان مصر، ويمثلون 62 جنسية مختلفة.
في حين أكد أحدث تقرير للبنك الدولي صادر في يونيو/حزيران 2023 أن عدد اللاجئين في مصر بلغ حوالي 281 ألف لاجئ فقط.
الضغوط جاءت بثمارها
في نفس السياق، كشف ديبلوماسي آخر إلى أن تقوية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي تحمل أبعاداً أمنية بالأساس، لأن هناك مخاوف من وقوع اضطرابات في مصر تأثراً بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث وصراعات متلاحقة.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن الحكومة المصرية تُحاول الالتزام بقراراتها الإنسانية الخاصة بشأن استقبال اللاجئين، وتوفير الخدمات التي تقدمها لعموم المصريين لهم أيضاً، وهو ما يفرض مشاركة جماعية من أطراف دولية ترى أن مصلحتها الأمنية أولاً في أن تحافظ على وجود هؤلاء في بقاع جغرافية بعيداً عنها.
وأكد المتحدث أن القاهرة في المقابل بدأت في التململ من غياب الدعم الأوروبي والدولي لها في هذا المجال، ووجدت نفسها تعمل بمفردها في هذا الملف لعدة سنوات، قبل أن تسوء الأوضاع الاقتصادية في الداخل.
الأمر حسب المتحدث تطلب اتخاذ خطوات ضغط مختلفة على الدول التي تتضرر من ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، وتلك الضغوط جاءت بثمارها، فالحديث عن تقديم منح وليس تقديم قروض يُعد مقدمة لمساهمة غربية واسعة في ملف اللاجئين والمهاجرين.
وأشار المتحدث إلى أن الدعم الأوروبي يهدف لبقاء اللاجئين في مصر أطول فترة ممكنة لحين استقرار الأوضاع في بلدانهم والعودة إليها مرة أخرى، وأن الأمر قد يستغرق عدة سنوات.
وبالتالي، فإن البحث عن موطئ آخر يبقى من خلال البحر، خاصة أن مافيا التهريب إلى ليبيا ومنها إلى البحر المتوسط تسير على قدم وساق، وهناك رغبة في التعامل مع أسس المشكلات التي تواجه المواطنين للنزوح إلى الخارج من خلال البحر.
وأعلنت الحكومة المصرية قبل في ديسمبر/كانون الأول 2023 البدء في إجراءات تهدف إلى التدقيق في أعداد اللاجئين من مختلف الجنسيات، بغية حساب ما تقدمه لهم من خدمات.
واستعرضت الحكومة المصرية في ذلك الحين ما تقدمه من خدمات للاجئين والمهاجرين، في المقابل تحدثت مصادر حكومية عن أن مصر لا تتلقى الدعم الكافي من المؤسسات الدولية ليتناسب مع حجم اللاجئين الموجودين على أراضيها.
وفرضت مصر قيوداً على دخول السودانيين الفارين من النزاع الدائر إلى مصر، بعد صدور قرار يُلزم جميع السودانيين بعدم الدخول إلى البلاد إلا بعد الحصول على تأشيرة مسبقة، ويُلزم القرار أيضاً كبار السن والأطفال والنساء بذلك، عكس ما كان معمولاً به من قبل.
ومؤخراً، وافق مجلس الوزراء على قانون "لجوء الأجانب"، والذي يُلزم اللاجئين وطالبي اللجوء بتقنين أوضاعهم خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية المنتظر صدورها، ومنح الأجانب المقيمين بصورة غير قانونية مهلة لتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم مقابل ما يعادل ألف دولار أمريكي.
مخاوف أوروبية
من جهته، قال مصدر حقوقي مسؤول بالمفوضية الأوروبية للاجئين لـ"عربي بوست" إن الرسوم التي فرضتها مصر على اللاجئين الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية لتوفيق أوضاعهم دفع الاتحاد الأوروبي ومفوضية اللاجئين للتحرك.
وأضاف المتحدث أن هذا الإجراء من الممكن أن يقود لهجرة هؤلاء بطرق غير شرعية عبر البحر المتوسط، وأدركت دول الاتحاد الأوروبي أن التمويل المالي والتعاون الأمني ضرورة لا يمكن التراجع عنها.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم خطوات القاهرة لتقنين أوضاع اللاجئين، لكنه لا يرتاح لتحميلهم مبالغ مالية ضخمة تدفعهم للهرب، لأن الأسرة الواحدة إذا كانت تضم 5 أفراد، فسيكون عليها دفع مبلغ قيمته 5 آلاف دولار سنوياً، وهو أمر لا تتحمله كثير من الأسر الموجودة في مصر بعد أن فرت من الحرب في بلادها.
وشدد على أن هناك نقطة توافق بين مصر والاتحاد الأوروبي تتمثل في أهمية تهيئة الأجواء للمهاجرين واللاجئين للبقاء في مصر لحين استقرار الأوضاع في بلادهم ثم العودة إليها مرة أخرى.
هذا الأمر حسب المتحدث، هو الذي يُفسر الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لمصر بشأن إقامة قاعدة بيانات متكاملة بشأن اللاجئين، بما يساهم في التعرف على جنسياتهم وهويتهم في حال فروا عبر الحدود البحرية طلباً للجوء إلى الدول الأوروبية.
وتستمر الاجتماعات بين مصر والاتحاد الأوروبي بشكل متتابع منذ زيارة الوزير سامح شكري إلى بروكسيل في 23 يناير/كانون الثاني 2024، وذلك بهدف التوافق على سبل الدعم التي يمكن أن تحصل عليها مصر خلال الفترة المقبلة وكيفية تدفق المساعدات المالية والعسكرية خلال فترات متقاربة.
وهناك قناعة لدى الاتحاد الأوروبي بأن الظروف الاقتصادية في مصر تسير نحو مستوى أكثر صعوبة، وأن الأزمة لا تتمثل في أهالي قطاع غزة بقدر مخاوف أوروبية من تدفق مزيد من اللاجئين في دول الصراعات المشتعلة حالياً في المنطقة، والذين يشكلون أرقاماً هائلة، بعكس القطاع الذي يحوي مليوني مواطن فقط.
صرح السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمى ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، أن سامح شكري وزير الخارجية تلقى اتصالاً هاتفياً من مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع "أوليفر فارهيلى".
من جانبها، طالبت منصة اللاجئين في مصر بأن تبني الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين مصر والاتحاد الأوروبي على إخضاع أي تقديم للدعم المالي المباشر وغير المباشر من الاتحاد الأوروبي لمصر، لشروط واضحة وعامة وقابلة للقياس في مجالات حقوق الإنسان والمساءلة، وتحديد المعايير ذات الصلة التي يجب الوفاء بها.
وينبغي أن ينطبق هذا أيضاً على الصناديق الجديدة من بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والتشجيع الأوروبي للاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.
وأضافت أن الدعم المالي المشروط بشكل ضعيف يهدد بدعم نفس السياسات التي أدت إلى التدهور الاقتصادي في مصر على مدى العقد الماضي، وهذه المسألة تكتسب أهمية إضافية بالنسبة لأموال الدعم المباشر للميزانية في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، والتي لا يمكن للمانحين التحقق من استخدامها.
وفي مجال الهجرة واللجوء، يجب أن يضمن الاتحاد الأوروبي أن أي مفاوضات مع مصر تسلط الضوء باستمرار على مشاكل سيادة القانون وقضايا حقوق الإنسان المثيرة للقلق.