كشفت صور نشرتها "الأناضول"، الخميس 1 فبراير/شباط 2024، عن مشاهد "مفزعة" لحجم الدمار الذي طال مناطق سكنية في الضواحي الشمالية الغربية لمحافظتي غزة وشمال القطاع، انسحب الجيش الإسرائيلي منها فجر الخميس، لأول مرة (بشكل واسع) منذ بدء عمليته البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وشملت هذه المناطق أحياء التوام والكرامة والسلاطين والعطاطرة في المنطقة الغربية لشمال القطاع، وأحياء الأمن العام والمخابرات والمقوسي وبهلول في المنطقة الغربية لشمال مدينة غزة، إلى جانب ناسحابه من شارع الرشيد على امتداد المحافظتين.
على مد البصر، وثقت الصور، دماراً هائلاً في كافة المناطق المذكورة، حيث أحالت آلة الحرب الإسرائيلية، الأبراج والعمارات السكنية إلى أكوام كبيرة من الركام.
في منطقة "المقوسي"، التي تضم عشرات الأبراج السكنية والمؤسسات الحكومية، أظهرت الصور تدمير أبراج سكنية كاملة مع بقاء عدد قليل منها، لكن طالها أضرار بالغة.
إلى جانب ذلك، طالت آلة الحرب مسجد المنطقة وحولته إلى ركام، كما دمرت بشكل واضح مركزاً صحياً يتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في المكان ذاته.
كما جرفت الآليات الإسرائيلية الثقيلة الشوارع والطرقات، وقضت على البنى التحتية في المناطق، التي انسحب منها الجيش.
في السياق، كشف الانسحاب الإسرائيلي في منطقة "المخابرات"، عن دمار هائل طال الأبراج السكنية هناك.
مدينة للأشباح
لم يعد في "المقوسي"، الذي يطل على البحر المتوسط مباشرة، إلا أكوام من الركام، حيث وصفه سكان المنطقة بـ"مدينة الأشباح"، وفق مراسل الأناضول.
أما منطقة "الأمن العام"، التي كانت تعج بالحياة والحيوية قبل الحرب، حيث كانت تضم محال تجارية وترفيهية، تحولت إلى ساحة رملية مفتوحة بلا معالم.
على الجدران التي ما زالت شاهدة على وحشية الحرب في المناطق المدمرة، دوّن الجيش الإسرائيلي عبارات وكلمات باللغة العبرية.
كما طال هذا الدمار أيضاً في مناطق شمال القطاع، قاعات أفراح ومؤسسات تجارية واقتصادية وأبراجاً السكنية.
في مشاهد صادمة، دمرت إسرائيل أحياء سكنية بشكل كامل وأحالتها إلى كومة من الركام بحيث يعتقد سكان هذه المناطق أنها بحاجة لسنوات طويلة من أجل إزالة الركام وإعادة الإعمار.
ووجد سكان هذه المناطق، من الانسحاب الإسرائيلي الأول منذ بداية العدوان البري، فرصة لتفقد ممتلكاتهم ومنازلهم.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية شملت توغله في عدة مناطق وأحياء بمحافظتي غزة والشمال.
ومنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأ الجيش بالانسحاب التدريجي من مناطق بمحافظة شمال القطاع، ليتبعها في بداية يناير/كانون الثاني الماضي انسحابات جزئية من أحياء ومناطق بمحافظة غزة.
بينما أعاد توغله في بعض المناطق بمحافظتي غزة والشمال، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، لتنفيذ عمليات سريعة، حيث يغير أماكن التوغل بين الفينة والأخرى، فيما يتراجع بعد انتهاء عملياته إلى أماكن تموضعه قرب الأطراف الشرقية والشمالية من محافظة الشمال، والشرقية و"الجنوبية الغربية" بغزة.
عودة لـ"العصر الحجري"
بدوره، وصف الفلسطيني سفيان الفيراني، الذي توجه لتفقد منزله في منطقة "المخابرات"، الوضع في هذا الحي، كأنه "عودة للعصر الحجري".
وقال الفيراني: "كل شيء حولنا عبارة عن دمار وركام، منزلنا مكون من 6 شقق، تمت تسويته بالأرض، ولي أقارب استشهدوا وأبنائي أصيبوا خلال العدوان".
كما أعرب عن فقدانه الأمل بوجود أي "ملمح للحياة بغزة بعد انتهاء الحرب". وتابع، وهو يشير إلى حجم الركام الذي طال المنطقة: "هذه المشاهد تتحدث عن نفسها لا مجال للوصف هنا".
كذلك، عبّر الفيراني عن اعتقاده بأن إعادة إعمار هذه المناطق المدمرة بحاجة إلى "سنوات طويلة". وقال: "ربما لن نعيش الأيام التي يتم فيها إعمار غزة".
ثم أضاف: "منزلي ومنازل الجيران والحي السكني بأكمله دمر، وهو عبارة عن منازل لمدنيين، فأين الأهداف (العسكرية) التي دمرها الجيش (الإسرائيلي) في هذه المنطقة؟!"
وأشار إلى تدمير إسرائيلي كامل للبنى التحتية في مدينة غزة، حيث امتلأت الشوارع بمياه الصرف الصحي، ما ينذر بمخاطر صحية وبيئية.
إلى جانب ذلك، قال الفيراني، إن "العمارات التي مولت مصر بناءها قبل الحرب، كانت أملاً للمئات من الناس بحياة كريمة، تضررت أيضاً خلال الحرب".
واستكمل قائلاً: "هذه العمارات السكنية تم تدمير أجزاء منها قبل تسليمها للفلسطينيين، وهي ما زالت في طور الإنشاء".
وختم قوله بالتعبير عن آماله بـ"انتهاء قريب للحرب على قطاع غزة، والتي أنهكت كافة السكان المتواجدين به".
دمار لا يمكن تخيله
بدوره، قال الفلسطيني يوسف العمري، إن حجم الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية في منطقة "المقوسي"، لا يمكن تخيله.
كما أضاف العمري، في حديث للأناضول: "بعد الانسحاب، والتوجه لتفقد المناطق السكنية والمنازل، تملكنا شعور لا يوصف جراء حجم الدمار الذي لا أعتقد أنه حدث بالتاريخ"، على حد قوله.
ثم تابع: "لم يبقوا على أي شيء في هذه المناطق، مشاهد لا يمكن أن يتخيلها عقل".
ووصف ما حل بمناطق شمال غرب مدينة غزة بـ"أسوأ ما يمكن أن يحدث في هذا العالم". وأضاف العمري: "لم يسلم أي شيء من الجنود، لا أرض ولا حجر ولا بشر".
وأعرب عن أمله في انتهاء الحرب، قائلاً إن "معاناة شديدة تنتظر سكان هذه المناطق بعد الحرب، في ظل انهيار البنى التحتية وفقدان شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة خلفت حتى الأربعاء "26 ألفاً و900 شهيد و65 ألفاً و949 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء"، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.