أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها التوجه لتطبيق خطة الخصخصة في مصر، في مجموعة من الهيئات والمرافق التابعة لها، أولها القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المطارات.
وقال رئيس الحكومة المصري، مصطفى مدبولي إن الغرض من خصخصة الطيران في مصر، سيُساهم في تحسين الخدمات المقدمة للركاب، وزيادة الإيرادات.
وتسعى الحكومة المصرية لتوجيه قدر من موازنة الدولة لسد العجز الناتج عن الديون الخارجية وفوائدها، بدلاً من صرف هذه الأموال على مرافق حكومية بعضها لا يحقق عوائد مالية.
في هذا التقرير، سيرصد "عربي بوست" أبرز القطاعات التي ستخضع لنظام الخصخصة في مصر، وذلك بالاستناد إلى مصادر من وزارات سيشملها قرار الخصخصة وأخرى مقربة من الحكومة.
الخصخصة في مصر.. الطيران المدني ليس وحيداً
كشف مصدر داخل مطلع في مجلس الوزراء لـ"عربي بوست" أن قطاع الطيران المدني ليس الوحيد الذي سيخضع لنظام الخصخصة في مصر، فوزارة النقل تستعد لبيع عدد من هيئاتها، تحديداً ذات الارتباط المباشر بالموانئ التجارية.
وأضاف أن كافة وسائل المواصلات الحديثة مثل شبكة القطارات الكهربائية السريعة، والقطار الكهربائي الخفيف، والمونوريل والأتوبيسات الترددية سيتم إسناد إدارتها وتشغيلها إلى مشغلي قطاع خاص دوليين متخصصين.
ومن بين القطاعات التي ستتم خصخصتها أيضاً بعض الإدارات داخل هيئة السكك الحديدية وهيئة مترو الأنفاق، حسب مصدر "عربي بوست".
وستتم حسب المصدر نفسه أن نظام الخصخصة في مصر سينطبق على كل من المستشفيات، والمدارس الحكومية، وشركات قطاع الأعمال، والمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التمويل.
كما أن الخصخصة في مصر ستطال عدداً كبيراً من الشركات والهيئات التابعة لوزارة السياحة المرتبطة بالفنادق المملوكة للدولة، وعدداً من الشركات الحكومية بقطاع الاتصالات، وغيرها من الهيئات والجهات التي لديها طلب دولي لضخ أموال فيها، مما يدعم تخارج الحكومة منها.
كما قرر وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي المصيلحي، عرض مجموعة من المجمعات الاستهلاكية للقطاع الخاص (تبيع السلع الرئيسية بأسعار مخفضة).
هذه الخطوة اعتبرها الوزير تُعزز تشغيل وتطوير الأصول التابعة لوزارته، وتتماشى مع توجهات الدولة الرامية إلى توسيع قاعدة الشراكة مع القطاع الخاص.
وأشار المتحدث إلى أن الحكومة تتخلى تدريجياً عن توفير السلع الغذائية الأساسية واللحوم عبر منافذها المنتشرة بمختلف أنحاء البلاد بداعي توسيع قاعدة المشاركة مع المستثمرين.
خصخصة المدارس الحكومية
ويبقى اتجاه الحكومة المصرية لخصخصة المدارس والمستشفيات هو الأكثر جدلاً، ووفقاً لمصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم تحدث لـ"عربي بوست".
وقال المتحدث إن القطاع الخاص الذي يسيطر على 8% من إجمالي المدارس الموجودة في مصر سيكون بحوزته 40% من إجمالي المدارس بحلول العام 2030.
وأضاف المتحدث أن الفترة المقبلة سيتم التوسع في الشراكات مع القطاع الخاص عبر إتاحة بعض المدارس المتهالكة للمستثمرين المصريين والأجانب بعقود انتفاع طويلة الأجل.
وبحسب المصدر ذاته فإن الحكومة المصرية تمهّد لأدوار أكبر للقطاع الخاص في قطاع التعليم منذ أن توقفت عن بناء المدارس الجديدة وفق خطط تضمن إتاحة المقاعد الدراسية لأكثر من 2 مليون طالب يدخلون المدارس بشكل سنوي.
هذا الأمر، حسب المتحدث أدى إلى تراجع دور المدارس الحكومية بشكل ملحوظ خلال الثلاث سنوات الماضية، وفي الوقت ذاته سعت للاعتراف بدور التعليم غير الرسمي بعد أن طالب وزير التربية والتعليم الحالي رضا حجازي بتقنين عمل مراكز الدروس الخصوصية قبل أن ينتفض المجتمع ضده.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست" عن أن الحكومة مهدت لخصخصة التعليم من خلال إدخال صندوق مصر السيادي وغيرها من الشركات الخاصة في إدارة ملفات مهمة مثل إدارة المنصات الإلكترونية التي دشنتها الوزارة قبل خمس سنوات تقريباً.
كما أن المدارس الحكومية التي تحصل منها الحكومة على مصروفات من الطلاب مثل المدارس اليابانية، ومدارس المعاهد القومية، ومدارس النيل، والمدارس التجريبية، ستكون بشكل كامل تحت إدارة القطاع الخاص، وقد يبدأ التنفيذ مع بدء العام الدراسي المقبل.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 عقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي اجتماعاً لبحث زيادة فرص الشراكة مع القطاع الخاص في قطاعي التعليم قبل الجامعي والجامعي.
وخلال الاجتماع أفصحت الحكومة عن رؤيتها بشأن طبيعة دورها تجاه الخدمة التعليمية المقدمة للمواطنين، بتأكيد مدبولي أن "الحكومة تتكفل بتوفير فرص التعليم لمختلف الشرائح غير القادرة من المواطنين، لكن تظل هناك شريحة كبيرة أخرى تحصل على مستوى جودة أعلى في مراحل التعليم المختلفة، وفرص أفضل، وهذا دور القطاع الخاص".
وأشار رئيس الوزراء إلى أن "هدف الحكومة تقديم تعليم متميز لشريحة متوسطي الدخل دون مغالاة في الأسعار، وهناك توجه لتعزيز دور القطاع الخاص وزيادة نسبة مشاركته في قطاع التعليم".
وخلال الاجتماع، قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد إن أحد مستهدفات الحكومة أن تزيد الفرص الاستثمارية المتاحة للقطاع الخاص في الخدمات التعليمية، من 25% حالياً إلى 40% على الأقل بحلول عام 2030، سواء في قطاع التعليم قبل الجامعي (المدارس)، أو الجامعي.
مشاريع خضعت لنظام الخصخصة في مصر
وأعلنت الحكومة المصرية إتمام بيع حصة في شركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني)، كما باعت 30% من حصتها المسيطرة بالشركة في أول عملية خارجية لأصول كبرى مملوكة للدولة منذ أن وافقت على برنامج خصخصة في مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الثاني 2022.
وتقدر قيمة الشرقية للدخان بنحو 1.3 مليار دولار، وتتوزع ملكيتها بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بحصة 50.95% وصندوق استثمار آلان غراي الجنوب أفريقي المالك نحو 7.2%.
وفي أبريل/نيسان 2023 باعت مصر حصصاً في خمس شركات عامة مملوكة للدولة إلى الصندوق السيادي بأبوظبي مقابل ملياري دولار أمريكي.
كما استحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار.
وفي أغسطس/آب 2023 وقعت الحكومة المصرية اتفاقاً مبدئياً لمشروعي إنشاء البنية الفوقية وإدارة وتشغيل واستغلال وصيانة وإعادة تسليم محطتي الحاويات في ميناء السخنة بمحافظة السويس شرق البلاد، وميناء الدخيلة بمحافظة الإسكندرية مع تحالف من شركات صينية وسويسرية بقيمة 800 مليون دولار.
وتشير البيانات المتاحة، إلى تضاعف إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، وبلغ 165.4 مليار دولار، وفق بيانات "المركزي المصري".
ويتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار، والتي تعادل نحو 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024، وهو ما يرفع إجمالي الديون المتوسطة والطويلة الأجل المستحقة على البلاد إلى 29.2 مليار دولار العام الحالي.
مليارات الدولارات دون عائد
وأضاف المتحدث أن الهدف من الخصخصة في مصر هو تحويل الشركات والمطارات إلى مؤسسات ربحية، والاستفادة من التجارب الأجنبية العديدة التي اتجهت نحو الخصخصة منذ سنوات في ظل اتجاه ثلثي دول العالم تقريباً لخصخصة مطاراتها.
وكشف مصدر مطلع بوزارة الطيران المدني لـ"عربي بوست" أن التوجيهات التي أصدرها رئيس الوزراء المصري بشأن خصخصة المطارات وشركات الطيران المصرية يجري دراستها الآن، ووفقاً لما سوف تنتهي إليه هذه الدراسات سيتم طرح خطة البيع للمتخصصين في الداخل والخارج.
وأشار إلى أن أزمة قطاع الطيران تتمثل في عدم وجود ضوابط تضمن تحقيق الأرباح المالية، ومع التوسع في إنشاء المطارات وجدت الحكومة نفسها أنفقت مليارات الدولارات دون أن تكون هناك عوائد مقابلة، وبالتالي اتجهت إلى دراسة مسارات الخصخصة في مصر.
وأوضح أن الأقرب حتى الآن هو أن تتجه الحكومة إلى توقيع عقود استثمارية وتشغيلية للمطارات بشكل كامل أو أجزاء منها بالتوافق مع عدد من الشركات الأجنبية على أن تؤول نسبة قدرها 20 إلى 30% من العوائد إلى الحكومة المصرية.
وحسب المتحدث فإن هذه العقود ستكون طويلة الأجل لكنها بعد عدد سنوات يتم التوافق عليه يمكن أن تؤول مرة أخرى لسيطرة الحكومة بشكل كامل.
لافتاً إلى أن ذلك سوف يخفف الأعباء المالية على الحكومة، وفي الوقت ذاته يضمن الحصول على عوائد آنية من البيع ومستقبلية بشكل سنوي جراء ما سوف تحققه الشركات من عوائد البيع.
وسيكون القطاع الخاص، حسب المتحدث، أكثر قدرة على جذب الاستثمارات التجارية بشأن جملة من الخدمات المقدمة بالمطارات وهو أمر فشلت فيه الحكومة مع حركة التطور الكبيرة التي تشهدها قطاعات الطيران حول العالم.
وأشار المصدر نفسه إلى أن الحكومة تكبدت خسائر جراء محاولة مجاراة التطور حول العالم، وبالتالي وسعت من حجم الخدمات التي تُقدمها وطورت نظم المتابعة والمراقبة بما يتوافق مع الأنظمة العالمية.
وأشار إلى أن الحكومة في النهاية لم تحقق العوائد المطلوبة نتيجة لقوانين العمل والضوابط الحكومية التي تعرقل أي محاولات للتطوير.
سباق توفير العملة الصعبة
ولم يُخفِ المصدر نفسه تخوفه من الخصخصة في مصر، لأن ضعف التنافسية حسب قوله لا تُساعد المستثمرين على الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها.
وحسب مصدر "عربي بوست" في وزارة الطيران المدني لا بد أن تضع الحكومة بنوداً تتضمن آليات ضمان تطوير المطارات، إلى جانب ضرورة الاتفاق على أن تبقى المطارات المصرية هويتها بما لا يؤدي لأن تكون الخصخصة في مصر سبباً في خسارة هويتها بعد أن أضحت غالبية المطارات حول العالم لديها نفس التصميمات والخدمات جراء خصخصة الجزء الأكبر منها.
وجراء استمرار الخسائر التي تواجهها المطارات المصرية، أقرضت وزارة المالية مصر للطيران 5 مليارات جنيه عام 2021، بعد سنة واحدة من حصولها على قرض مشترك من بنكي "الأهلي" و"مصر" بقيمة 3 مليارات جنيه.
ويحذر مصدر مسؤول على صلة بما يدور في الاجتماعات الوزارية من السير في ركاب عمليات الخصخصة وبيع الأصول، موضحاً أنه ليس مناسباً في الوقت الحالي لأكثر من سبب.
وقال المصدر لـ"عربي بوست" إن الجزء الأكبر من المرافق والخدمات العامة التي تتولى الحكومة المصرية إدارتها تُعاني من خسائر بما فيها المطارات.
وأشار إلى أن اتجاه مصر للبيع دون أن يكون ذلك مرتبطاً بخطط واضحة، يدخل في إطار محاولات سباق الزمن لتوفير العملة الصعبة، الأمر الذي يجعل الكثير من الهيئات الحكومية تتلقى عروضاً لا تتناسب مع قيمتها الأصلية.
وبالتالي فإن الخسائر قد تكون مضاعفة في حال جرت عملية البيع بأثمان زهيدة دون أن تتمكن الشركات الخاصة من إدارتها وتشغيلها بالشكل الجيد.
السياسة والخوصصة في مصر
يشير أحد نواب البرلمان تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إلى أن مصطلح "الخصخصة" يحظى بسمعة سيئة في مصر، لأن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في إدارة هذا الملف الذي من المفترض أن تحقق منه الدولة عوائد اقتصادية إيجابية.
وأضاف المتحدث أن الخصخصة في مصر تحولت إلى عملية بيع عشوائي لقلاع صناعية وتجارية عملاقة، وتدخل الفساد بقوة لتوجيه العديد من الصفقات لشركات وهيئات بعينها وهو تخوف ما زال قائماً حتى الآن مع اتساع رقعة الفساد، ودخول السياسة طرفاً في توجيه بعض الاستثمارات.
ولفت إلى أن الحكومة تتعامل مع الخصخصة في مصر باعتبارها خطوات مؤقتة دون قناعة تامة منها بجدوى بناء استراتيجيات وخطط اقتصادية شاملة لتكون بمثابة توجه عام باتجاه القطاعات والهيئات الخاسرة.
ما تفعله الحكومة المصرية حسب المتحدث لجلب العملة الصعبة، وهو ما يجعل هناك فرصاً عديدة لحدوث انتكاسة للقطاعات التي تقدم على بيعها، كما أن الاتجاه السائد الآن هو أن تذهب الحكومة باتجاه بيع جزء من الشركات والهيئات الحكومية، على أن يبقى الجزء الآخر من تلك الشركات تحت سيطرتها؛ وهو ما يؤدي لمزيد من التضارب.
ويمكن القياس على ذلك بالنسبة لخطوات خصخصة قطاع الطيران المدني، إذ من المتوقع أن تبقى شركة مصر للطيران خاضعة لسيطرة الحكومة، على أن تكون إدارة وتشغيل المطارات المختلفة بيد مستثمرين عرب وأجانب.
الأمر حسب المتحدث سيؤدي لوجود تضارب، وقد ينتج عن ذلك منافسة غير متكافئة، كما أن الإبقاء على إدارة الكيانات الكبرى تحت سيطرة الحكومة والتحرك باتجاه خصخصة إدارات وقطاعات أصغر سيؤدي كذلك لمشكلات أكبر، وفقاً للمصدر ذاته.
ويشير النائب البرلماني إلى أن خطوات وزارة النقل لخصخصة إدارة قطارات النوم داخل هيئة السكك الحديدية والاستعانة بشركات خاصة لإدارتها وتشغيلها على سبيل المثال لم يؤدّ لتطوير جودة هذه القطارات، وظلت تدور في فلك السيطرة الحكومية على المرفق ككل.
الأمر من المتوقع أن يتكرر في قطاعات أخرى، وقد تجد الحكومة نفسها أنها أقدمت على بيع قطاعات ومرافق عامة عديدة دون أن تحقق الاستفادة المطلوبة بشأن تطوير الخدمة.