عبر عدد من الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، عن تخوفهم من يلقى سكان قطاع غزة نفس المصير الذي لقوه في النكبة، مع تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، إلى جانب التصريحات الصادرة عن وزرائه والذين لا يخفون رغبتهم في تهجير الأهالي من القطاع، والاستيطان فيه، وذلك حسب ما جاء في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، الأحد 28 يناير/كانون الثاني 2024.
فقد هجَّرت إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم قبيل الإعلان عن إنشاء الاحتلال عام 1948، وأجبرتهم على النزوح إلى أماكن أخرى داخل أراضي فلسطين التاريخية وخارجها، وصارت هذه المحنة التي لا تغيب عن ذاكرة الفلسطينيين تُعرف لديهم باسم "النكبة".
جرح جماعي يمتد منذ عقود
تقول عمشة الحاج سليمان، وهي لاجئة فلسطينية تبلغ من العمر 84 عاماً وتقيم في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت، إنها لا تزال تتذكر فرارها وعائلتها من قريتهم في فلسطين قبل نحو 75 عاماً، ولا تزال تستحضر مسيرة الخروج الذي كان إيذاناً بحياة طويلة من النزوح من مكان إلى آخر.
فقد أجبرت إسرائيل نحو مليوني فلسطيني على النزوح من بيوتهم في هجومها المتواصل على قطاع غزة، وانتشرت مشاهد لفلسطينيين ينزحون من أراضيهم سيراً على الأقدام، وقد ذكَّرت هذه المشاهد الفلسطينيين بجرحهم الجماعي الممتد منذ أجيال.
في الوقت نفسه، فإن الاشتباكات الجارية على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وتهديدات الحكومة الإسرائيلية بشنِّ الحرب على حزب الله اللبناني، زادت من المخاوف بأن نطاق الحرب قد يتسع، ودقَّت ناقوس الخطر لدى اللاجئين واللبنانيين بمختلف طوائفهم.
حتى لا ينسى الأطفال
يرى بعض الفلسطينيين في لبنان أن حياتهم في المنفى نذير بما يمكن أن يتعرض له أهل غزة في المستقبل إذا أصبحت دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لتهجير الفلسطينيين من القطاع المحاصر حقيقةً واقعة.
تقول نادية حامد، وهي طاهية تعمل في شركة "سفرة" الفلسطينية لخدمات تقديم الطعام وتقيم في مخيم برج البراجنة اللبناني: "أنا أعيش في خوف، لأن الحرب إذا جاءت، فلا مفر لنا منها"، ومع ذلك، أشارت إلى أنها "تروي لأطفالها الأربعة قصص والديها، حتى لا ينسوا" ما تعرض له الفلسطينيون.
فيما يعتبر كثير من الفلسطينيين أن هذه الحرب، وما حملته من مشاهد مباشرة لتهجير أهل غزة، كانت تذكيراً مؤلماً لهم وبرهاناً على أهمية تمسكهم بذاكرتهم الجماعية وتوارثها من الأسلاف إلى الأحفاد.
نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني
فقد أشارت بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 5.9 مليون فلسطيني ممن يعيشون في مختلف بلدان الشرق الأوسط، هم من الناجين من تهجير عام 1948 وأحفادهم، وهم مسجلون كلاجئين في هذه البلدان. ويعيش كثيرون آخرون في أماكن أخرى من العالم.
يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يحملون جنسية في لبنان بنحو 200 ألف لاجئ، ويعيش هؤلاء في سراديب النسيان الطويل في اثني عشر مخيماً منتشراً في جميع أنحاء لبنان. ويؤدي التوازن الهش بين الطوائف في لبنان إلى التحرج من الحديث عن منح اللاجئين الجنسية ويزيد من صعوبة المطالبة بذلك. ولا تزال حقوق اللاجئين الفلسطينيين، مثل العمل وامتلاك العقارات، مقيدةً بشدة.
وقالت سعادة غطاس، وهي لاجئة فلسطينية مسيحية في لبنان وجدة تبلغ من العمر 54 عاماً: "اللجوء كأنك تحمل متاعك على ظهرك دائماً وتنتظر"، "فالأشخاص الذين اقتُلعوا من جذورهم لا يُسمح لهم بالعودة"، و"هذا ما حدث لأجدادنا"، و"لهذا السبب، فمع أن [أهلنا في غزة] يموت منهم كل يوم، فإنهم يخبروننا أنهم لن يغادروا، لأن من يرحل، لا يتركونه يعود".