اضطر رعاة فلسطينيون، في شمال غور الأردن، إلى دفع مبلغٍ قدره 150 ألف شيكل (نحو 40 ألف دولار) نقداً إلى المجلس الإقليمي لغور الأردن، الذي يديره المستوطنون، من أجل استرداد نحو 700 خروف، احتجزتها قوات أمن الاحتلال الإسرائيلي بعد أن تعرضت لكمين عندما مرت عبر ما أُعلِنَ أنه منطقةٌ محظورة.
لعدة ساعات، احتجز حرس الحدود الإسرائيلي الأغنام والرعاة، حتى تمكن ممثلو الرعاة من جمع الفدية. وهذه ليست المرة الأولى التي تُفرَض فيها مثل هذه الغرامات الباهظة على الرعاة الفلسطينيين هنا. ويُفترض أن مثل هذه الغرامات لا تُفرَض، على الإطلاق، على المستوطنين الذين يرعون قطعانهم، وفق ما نشرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقرير لها يوم السبت 27 يناير/كانون الثاني 2024.
إجراءات تعسفية تستهدف الرعاة الفلسطينيين
هذا الإجراء الجديد هو أحد الأساليب التي تُستخدَم مؤخراً ضد المجتمعات الرعوية في شمال غور الأردن، بهدف جعل حياتهم بائسة وتطهير المنطقة في نهاية المطاف من وجودهم. تشمل هذه الأساليب عنف المستوطنين والاعتقالات والأسوار ومصادرة الأراضي وهدم المنازل ومنع رعي الأغنام. وتهدف هذه الأساليب إلى إفلاس الرعاة، وغني عن القول أن الأموال تذهب مباشرة إلى خزائن المستوطنين، بدعم من الشرطة.
في وقت مبكر من صباح أحد أيام الأسبوع الجاري، خرج أيمن دعيس وبعض إخوته إلى المرعى مع أغنام العائلة. يقع منزل العائلة الممتدة قبالة مستوطنة مسواه في الجزء الشمالي من الوادي. أنشأت حركة هاوفيد هاتسيوني (العمال الصهيونيون) هذه المستوطنة في عام 1974، بعد أن كانت موقعاً استيطانياً للواء ناحال التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
منذ ذلك الحين، يكافح مجتمع الرعاة على الجانب الآخر من المستوطنة من أجل التشبث بالأرض التي لا يزال يملكها، أي ما لم يُستولَ عليها بالقوة بعد. ومنذ تشكيل الحكومة الحالية، قبل أكثر من عام بقليل، ساءت الظروف المعيشية للرعاة، ومنذ بدء الحرب، أصبحت الأمور أصعب. ارتدى المستوطنون العنيفون الزي الرسمي للخدمة في فرق الطوارئ المحلية وكمتطوعين في قوات الشرطة، وأصبح سلوكهم أكثر استبداداً. لكن ما حدث يوم الإثنين من هذا الأسبوع يفوق كل شيء.
جيش الاحتلال يحجز قطيعاً من الأغنام
نحو الساعة الـ8:30 صباحاً، مر الرعاة عبر الأراضي الصخرية جنوبي مستوطنة مسواه في طريقهم إلى المراعي بالجبال غرب طريق وادي الأردن السريع. وأمرتهم قوة من حرس الحدود، كانت في انتظارهم، بالتوقف ورافقت قطيعاً كبيراً يضم نحو 700 رأس من الأغنام إلى حظيرة أقامها المجلس الإقليمي في ذلك الصباح. جُمِعَت الأغنام في الحظيرة المزدحمة، وأُمِرَ الرعاة بالتراجع شرقاً بضع مئات من الأمتار إلى حافة الطريق السريع.
كانت العقوبة واضحة ومؤلمة: دفع مبلغ 150 ألف شيكل فوراً للمجلس الإقليمي، وإلا فستُنقَل الأغنام إلى جهة مجهولة. تُرِكَت الأغنام بلا ماء أو طعام لساعات. ووصلت الشرطة ومعها عدد من المستوطنين المحليين الذين يرتدون الزي الرسمي. وسواء كانت هناك حرب أم لا، لن تمر الأغنام دون رد صهيوني.
لم ترد كلمة واحدة عن سبب احتجاز الأغنام، أو عن شرعية الإجراءات. كان أفراد المجتمع يعلمون أنهم إذا لم يدفعوا الغرامة على الفور، فإن مستقبل أغنامهم سيكون على المحك وسيرتفع مبلغ الغرامة فقط. وعلى الفور، انطلقت عملية تمويل جماعي بين المجتمعات الرعوية بالمنطقة، وفي غضون ساعات قليلة، أُحضِرَ مظروف أسود كبير إلى الموقع يحتوي على 150 ألف شيكل نقداً. لكن المجلس الإقليمي لغور الأردن، برئاسة ديفيد الحياني، رفض قبول دفعة بهذا الحجم نقداً.
الأموال مقابل إطلاق القطيع
بعد مرور فترة لا بأس بها من إجراء المكالمات الهاتفية وتنفيذ التحويلات البنكية، تمت تسوية الأمر. وعندما دخل مبلغ 150 ألف شيكل إلى حساب المجلس الإقليمي، سمحت قوات حرس الحدود للرعاة باستعادة الأغنام. وقال أحد ضباط الشرطة: "نحن هنا للفصل بين الجانبين. نحن شرطة الحدود"، دون أن يوضح الجانبين اللذين يقصدهما.
على بعد بضع عشرات من الكيلومترات إلى الشمال، بالقرب من الخط الأخضر ومدينة بيت شآن، يوجد مجتمع عين حلوة الرعوي. وإلى جانب كل من الألواح الخرسانية التي نصبها جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل بضع سنوات عند مدخله، وفي كل مجتمع رعي آخر في جميع أنحاء وادي الأردن، توجد دائماً الرسالة "منطقة إطلاق نار. الدخول محظور". وقد أُلحِقَت هذه الأراضي بإسرائيل منذ فترة طويلة.