كشف موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير له الخميس 25 يناير/كانون الثاني 2024، عن تفاصيل حصول قوات الدعم السريع السودانية عن عدد كبير من الأسلحة بدعم وتمويل من أبوظبي، فيما يرى خبراء أن هذا الدعم هو الذي مكّن "الدعم السريع" من البقاء في المعركة، وزاد من اشتعال الحرب الطاحنة التي تعرفها البلاد، وكشف التقرير أيضاً عن الطريق التي يتم بها إدخال الأسلحة إلى البلاد.
وفق التقرير فإن إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة ساعد الإمارات على اللعب فوق مستواها، وذلك في شبكة معقدة من خطوط الإمداد والتحالفات التي لا تقتصر على السودان فحسب، بل تمتد كذلك لتشمل ليبيا وتشاد وأوغندا أيضاً.
طائرات محملة بالأسلحة
في منتصف نهار السادس من أغسطس/آب العام الماضي، ظهرت طائرة تحمل شحنةً مجهولة على مدرج حمرة الشيخ، وهو مهبط للطائرات في ولاية شمال كردفان بالسودان. واجتمع عدد من السكان المحليين حولها، والتقط أحدهم مقطع فيديو لها.
فيما تشير التفاصيل المأخوذة عن فيديو مهبط الطائرات والموثقة بواسطة موقع Middle East Eye، وكذلك معلومات موقعي تتبع الرحلات الجوية Flightradar24 وJetPhotos، إلى أن الطائرة عادية المظهرة في حمرة الشيخ كانت بيضاء من طراز بيتشكرافت 1900. كما كان ذيل الطائرة باللون الأزرق، وهي مملوكة لشركة Bar Aviation التي يقع مقرها في أوغندا.
كذلك، انتشرت أنباء هبوط الطائرة في أرجاء الأبيض، بحسب تصريح مصدرين في البلدة للموقع البريطاني. وكان السبب واضحاً وفقاً لأحد المصدرين: حيث احتوت حمولة الطائرة على أسلحة -من صواريخ كاتيوشا الروسية على الأرجح- في طريقها إلى قوات الدعم السريع، التي كانت تستخدم المدفعية في المنطقة وغيرها من المناطق بطول البلاد.
وذكرت عدة مصادر محلية ودولية أن تلك الطائرة أقلعت من دولة الإمارات.
إعادة إحياء قوات الدعم السريع
يقول كاميرون هادسون، محلل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، للموقع البريطاني: "في البداية، كنت أقول أنا وغيري إنه سيكون من الصعب على قوات الدعم السريع مواصلة الصراع. لكنهم أثبتوا أننا جميعاً على خطأ، وأعتقد أن الدعم الخارجي هو الذي صنع الفارق".
كما أردف هادسون: "أعتقد أن حجم الدعم المقدم من الإمارات كبير جداً. لقد أبقاهم في المعركة، وسمح لهم بمواصلة هذا القتال دون نهايةٍ في الأفق".
من جهتهم، أكّد مسؤولون، ودبلوماسيون، ونشطاء محليون، ومحامون حقوقيون من السودان والغرب على وجهة نظر هادسون. حيث جاء الدعم بصفةٍ أساسية من مكانٍ واحد، ومن حليفةٍ رئيسية للولايات المتحدة: الإمارات.
سهّلت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة وصول ذلك الدعم بحسب الحكومة الأمريكية، إذ "كانت تمد قوات الدعم السريع بصواريخ أرض جو لقتال الجيش السوداني، ما ساهم في إطالة أمد الصراع المسلح ولم يسفر إلا عن مزيدٍ من الفوضى في المنطقة".
ما الذي تريده الإمارات؟
بينما اختار محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد الدعم السريع، دبي لتكون مركزاً رئيسياً لإمبراطوريته التجارية. وتشير التقارير إلى كونه مقرباً من نائب رئيس الإمارات منصور بن زايد.
كما أن الذهب المستخرج من المناجم الخاضعة لسيطرة الدعم السريع في دارفور يسافر إلى الإمارات، حيث يقيم شقيق حميدتي الأصغر القوني دقلو.
بصرف النظر عن علاقة الإمارات بعائلة دقلو واستخدامها لمقاتلي قوات الدعم السريع في اليمن وليبيا، سنجد أن الإمارات لديها مصالح أخرى طويلة الأمد داخل السودان. وتشمل تلك المصالح شراء الأراضي الزراعية لعلاج قضايا الأمن الغذائي في بلادهم، واستيراد الماشية من السودان، وسلسلة من مشروعات الموانئ بطول ساحل البحر الأحمر -وبينها خطة بـ6 مليارات دولار لإنشاء ميناء في شمال بورتسودان.
هناك بعد سياسي أيضاً، إذ أنهت الثورة السودانية وجود عمر البشير الذي استمر لثلاثة عقود في السلطة، وكانت تطمح إلى إعادة الديمقراطية لواحدةٍ من أكبر دول العالم العربي والإسلامي.
إذ قال عبد الله حالقي، من منظمة Refugees International: "لقد عملت الإمارات على خنق ظهور الديمقراطية في المنطقة أكثر من أي دولة أخرى".
لكن رسائل الإمارات كانت مختلفة هذه المرة. فخلال الأشهر التي سبقت الحرب، أفاد دبلوماسيون أوروبيون في شمال أفريقيا بأن المسؤولين الإماراتيين أخبروا الدول الأوروبية بأن عليها دعم قوات الدعم السريع، وذلك إذا كانت ترغب في دعم الديمقراطية داخل السودان. وقد بدأت قوات الدعم السريع أواخر العام الماضي في تبني حملة علاقات عامة مؤيدة للديمقراطية.
ومع بزوغ فجر العام الجديد، التقى حميدتي برئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، حيث تعاون حميدتي مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان للإطاحة به في انقلاب أكتوبر/تشرين الأول عام 2021. ويعيش حمدوك الآن في الإمارات، كما أن مركز أبحاثه المُسمى بـCentre for African Development and Investment مسجلٌ هناك. وقد تعانق حمدوك وحميدتي خلال لقائهما في أديس أبابا.
كيف يجري إدخال الأسلحة إلى السودان؟
يُهيمن الجيش على المجال الجوي السوداني. ومنذ اندلاع الحرب، كان التحدي الذي يواجه قوات الدعم السريع وداعميها يتمثل في تأمين خطوط الإمداد.
خلال الأشهر المبكرة من الصراع، تحدث الموقع البريطاني إلى مسؤولين في جنوب ليبيا ومصادر مقربة من قوات خليفة حفتر. وصرّح هؤلاء بأن الإمارات تستخدم حفتر -الذي تدعمه- لإرسال الإمدادات العسكرية إلى قوات الدعم السريع في السودان.
كما حدّدت تلك المصادر سلسلةً من القواعد الجوية الليبية الرئيسية التي سيجري نقل البضائع منها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جواً، ثم نقلها بالسيارات إلى دارفور براً.
من جانه، أخبر المحلل السياسي جلال حرشاوي الموقع البريطاني بأن عائلة حفتر كانت حريصةً على الحفاظ على "شبكات التجارة غير المشروعة القائمة بين السودان وشرق ليبيا". وتضمنت تلك الشبكات الوقود، والكبتاغون، والحشيش، والذهب، والسيارات المسروقة، والاتجار في البشر. ولهذا بدأت عائلة حفتر "في إرسال المساعدات" إلى قوات الدعم السريع.
مع اشتداد وطيس الحرب، تغيّرت طرق الإمداد التي كانت تنطلق من ليبيا بسبب المراقبة الدولية. حيث فرض مجلس الأمن حظر تسليح على غرب السودان، ثم جدّد قراره في مارس/آذار.
بينما قال موسى تيهوساي، عضو حزب التغيير وباحث الشؤون الأفريقية، للموقع البريطاني إن الدعم العسكري الذي ينطلق من شرق وجنوب ليبيا إلى السودان كان يمر في الأغلب عبر مجموعة فاغنر. حيث كانت المجموعة تنقل الأسلحة المتطورة والمعدات العسكرية، مثل صواريخ سام-7 والأنظمة المضادة للصواريخ، عبر الشحن الجوي من مدينة الكفرة.
وأوضح حرشاوي: "لقد كانت طريقة العمل تتغير باستمرار. وكانت أحجام الشحنات تختلف أيضاً. لكن كان هناك بعض المساعدات التي تتدفق دائماً. ولم تتوقف المساعدات فعلياً. ولطالما كانت نية الإمارات وروسيا هي ضمان انتصار حميدتي. وذلك منذ اليوم الأول".
استغلال جيران السودان
تتمتع دارفور بحدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً. ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، تعتمد حكومة الرئيس فوستان آرشانغ تواديرا على قوات فاغنر من أجل الدعم العسكري في قتالها ضد المتمردين.
وصرحت مصادر معارضة في البلاد للموقع البريطاني بأن مرتزقة فاغنر كانوا متورطين في نقل الأسلحة عبر الحدود إلى قوات الدعم السريع في دارفور. وكانت تلك الإمدادات تأتي من ليبيا جواً في بعض الأحيان، وليس دائماً.
في الوقت ذاته، تطلّع الإماراتيون إلى تغيير موقف حكومة تشاد التي كانت تخشى زعزعة الاستقرار نتيجةً الحرب على حدودها، وترى في قوات الدعم السريع جماعةً قد تساعد على تغيير النظام في تشاد.
حيث التقى محمد إدريس ديبي، القائد العسكري والرئيس الانتقالي لتشاد، مع أحد مستشاري محمد بن زايد وشقيق حميدتي وذراعه اليمنى عبد الرحيم دقلو، وذلك في أنجمينا مطلع شهر يوليو/تموز بحسب هادسون.
وعرضت الإمارات على ديبي "أكثر من مليار دولار" مقابل "تبديل موقف تشاد نحو دعم قوات الدعم السريع" بحسب هادسون. وخلال صيف 2023، تحولت مدينة أم جرس التشادية النائية التي تنحدر منها عائلة ديبي إلى "منطقة مزدهرة"، وذلك بحسب مصادر مقربة من المسؤولين المحليين الذين أكدوا ملاحظات هادسون.
حتى الـ30 من سبتمبر/أيلول، سجلت منصة Gerjon لتتبع الرحلات 109 رحلات شحن انطلقت من الإمارات وتوقفت لفترة وجيزة في عنتيبي بأوغندا، قبل أن تحلّق مرةً أخرى متجهةً إلى أم جرس.
وتحوّلت أم جرس إلى قلبٍ نابض "لعملية سرية متقنة" تديرها الإمارات لدعم قوات الدعم السريع بحسب صحيفة New York Times الأمريكية، "من أجل توريد الأسلحة والمسيَّرات القوية، وعلاج المقاتلين الجرحى، ونقل الحالات الأكثر خطورة إلى واحدةٍ من مستشفياتها العسكرية".
لكن الرحلات الجوية من أوغندا إلى تشاد كانت قابلةً للتبع، ولهذا تحاول قوات الدعم السريع وداعميها نقل الشحنات إلى المجال الجوي السوداني حتى يستعصي تعقبها.
أوغندا والرحلات الجوية والرئيس
يبدو أن رحلة السادس من أغسطس/آب إلى شمال كردفان كنت جزءاً من الجهود المبذولة لإرسال الإمدادات جواً إلى داخل السودان مباشرةً.
وقد حطّت تلك الطائرة بنجاح، لكن الضربات الجوية من الجيش السوداني بعدها بأيام أنهت العمل على هذا الخط حتى نوفمبر/تشرين الثاني، حيث عاود الجيش قصف حمرة الشيخ مجدداً لقناعته بأن قوات الدعم السريع عادت لإرسال طائرات الإمداد من جديد.
وكانت الطائرة الظاهرة في الفيديو مملوكةً لشركة Bar Aviation التي يرأسها باراك أورلاند، وهو رجل أعمال إسرائيلي يعيش في أوغندا منذ نحو عقدين. كما أن أورلاند مقرب من عائلة الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني.
لكن محامي حقوق الإنسان الأوغندي نيكولاس أوبيو قال للموقع البريطاني: "لقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين يُعرِّفون أورلاند على أنه تاجر أسلحة".
بينما قال إيهود يعاري، المحلل الإسرائيلي الذي شغل منصب مستشار شؤون السودان سابقاً، إن أورلاند كان "مجرد عميل صغير خلق لنفسه مكاناً مناسباً في أوغندا.. وهو أشبه بصاروخ غير موجه، كما أنه مقرب من موسيفيني".
وأضاف يعاري في حديثه إلى الموقع البريطاني أن شركة Bar Aviation سيّرت رحلات جوية من أوغندا إلى شرق تشاد أيضاً. وقال: "هناك شك في أن تلك الرحلات كانت تحمل إمدادات من الإمارات". وأردف المحلل أن "التعاملات التجارية بين حميدتي والأوغنديين تتماشى مع حجم المساعدة المالية التي تقدمها الإمارات لتشاد".
وقال أوبيو إنه في حال استخدام طائرات Bar Aviation لإرسال الأسلحة إلى السودان، فمن المستحيل أن يحدث ذلك دون علم موسيفيني.