قام رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك مالك شركة التواصل الاجتماعي (إكس) بزيارة خاصة، الإثنين 22 يناير/كانون الثاني 2024، لموقع أوشفيتز-بيركيناو، وهو معسكر اعتقال سابق في عهد ألمانيا النازية، وذلك قبل أن يلقي كلمة في وقت لاحق في مؤتمر حول زيادة معاداة السامية بعد أن تعرضت منصته للتواصل الاجتماعي (إكس) لهجوم من منظمات يهودية وإسرائيلية، بدعوى أن المنصة "لا تضع قيوداً للمحتوى المعادي للسامية".
وذكرت الرابطة اليهودية الأوروبية أن ماسك قام بالزيارة برفقة رئيس الرابطة الحاخام مناحم مارجولين والصحفي الأمريكي المحافظ بن شابيرو، والناجي من المحرقة جيدون ليف.
متحدث باسم الرابطة قال: "وضع ماسك إكليلاً من الزهور على جدار الموت وشارك في مراسم تذكارية.. عند نصب بيركيناو التذكاري".
وألقى ماسك في وقت سابق من الإثنين كلمة في مدينة كراكوف بجنوب بولندا التي تقع على مسافة قصيرة بالسيارة من النصب التذكاري، في مؤتمر حول زيادة معاداة السامية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ماسك قال إن عمليات التدقيق التي أجريت بتفويض من الشركة أظهرت أن منصتها تحتوي على أقل قدر من المحتوى المعادي للسامية مقارنة بالتطبيقات الأخرى.
وصرح أمام المؤتمر قائلاً: "عمليات التدقيق الخارجي التي نفذناها.. تظهر وجود أقل قدر من معاداة السامية على إكس بالمقارنة مع (ما يُنشر) على جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى".
هذه الزيارة، تأتي أيضاً في الوقت الذي تعاني منصة إكس (تويتر سابقاً) من توقف وتهرب الجهات المُعلنة عن إنفاق أموالها على الإعلانات في المنصة منذ أن قال ماسك في أواخر العام الماضي إن أحد المستخدمين قال "الحقيقة الفعلية"، في إشارة إلى حرب الاحتلال على غزة.
وأدى تقرير صادر عن مجموعة المراقبة الليبرالية (ميديا ماترز) إلى انسحاب جهات معلنة من المنصة، حيث قالت إنها عثرت على إعلانات ظهرت بجوار منشورات تدعم النازية. ورفعت إكس دعوى ضد شركة (ميديا ماترز) بتهمة التشهير.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، سافر ماسك إلى إسرائيل، وهناك قال إنه ضد معاداة السامية وأي فكر "يحض على الكراهية ويزيد الصراع". وأكد أنه لن يسمح بخطاب الكراهية على منصته إكس، وقام بجولة في الموقع الذي شنت فيه حماس عملية "طوفان الأقصى" على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويحتفظ نصب أوشفيتز التذكاري بموقع معسكر الموت الذي أقامته ألمانيا النازية على أراضي بولندا خلال الحرب العالمية الثانية.
في أغسطس/آب العام الماضي، انتقد نصب أوشفيتز التذكاري منصة إكس لتقاعسها عن حذف منشور معادٍ للسامية على الموقع.
يتعرض لضغوط واسعة للانحياز لإسرائيل
وتعرض موقع إكس لضغوط غربية ليتبنى رواية منحازة ضد فلسطين والمقاومة، وحذر الاتحاد الأوروبي، إيلون ماسك، في بداية الحرب، من أن منصة "إكس" قد تُستخدم لنشر "معلومات مضللة" مرتبطة بالهجمات.
وكان لافتاً نشر ماسك لتغريدة، قال فيها إن الأربعين مليار دولار (في إشارة إلى ثمن صفقة شراء تويتر) لم تكن ثمن تويتر بل ثمن الحرية.
كما أعلن إيلون ماسك، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن نظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية الخاص به، "ستارلينك"، سيدعم الاتصال بالإتنرنت لمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في غزة.
وأصدر "ماسك" هذا الإعلان على منصة X (تويتر سابقاً)، رداً على بيان النائبة الأمريكية ألكساندريا أوكازيو كورتيز بأنّ قطع الاتصالات في غزة "غير مقبول".
وتقول جماعات الإغاثة إنها غير قادرة على التواصل مع فرقها في قطاع غزة بعد انهيار خدمات الهاتف والإنترنت خلال القصف الإسرائيلي المكثف.
ولكن بعد زيارة ماسك لإسرائيل، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي، إن إيلون ماسك وافق على عدم تفعيل خدمة "ستارلينك" أو الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية في غزة دون موافقة إسرائيل.
ويبدو أن البيان الصادر بهذا الشأن عن وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي، يمثل تراجعاً عن معارضته الشهر الماضي اقتراح ماسك تقديم دعم "ستارلينك" إلى "منظمات الإغاثة المعترف بها دولياً" في غزة، وفقاً لوكالة "رويترز" للأنباء.
لماذا يغير موقفه؟
وهذا التغير اللافت في نهج ماسك جاء بعد تصاعد حملة لسحب إعلانات من تويتر بسبب اتهامات لماسك بمعاداة السامية.
ففي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، قام ماسك بتأييد منشور على "X" يتهم اليهود بـ"الكراهية ضد البيض"، وفي اليوم التالي أيد منشوراً جاء فيه: "يحق للجميع أن يفخروا بعرقهم، باستثناء البيض".
بعد ذلك أبدى ماسك ندماً على تغريدته وقال إنها ربما كانت أسوأ منشوراته في تاريخ رسائله التي تضمنت العديد من الرسائل المثيرة للجدل، وضمن ذلك تغريدةٌ عام 2018 كلفته غرامات بقيمة 40 مليون دولار من هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية.
على الرغم من أن زيارة ماسك لإسرائيل (التي صدمت المعجبين به في العالم العربي والعالم الثالث) نُظر إليها على أنها محاولة لدحض الاتهامات بمعاداة السامية، فإن الملياردير الأمريكي قال إن الرحلة تم التخطيط لها قبل تغريدته وإنها "مستقلة" عن القضية.
خلال المحادثة مع نتنياهو، والتي جرت بعد وقت قصير من مهاجمة ماسك لرابطة مكافحة التشهير، حث نتنياهو المليارديرَ على تحقيق التوازن بين حماية حرية التعبير عبر الإنترنت ومحاربة خطاب الكراهية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ماسك يقر بتراجع الإعلانات ويشتم المعلنين المنسحبين بألفاظ نابية
وجاءت زيارة ماسك لإسرائيل بعد أن أقر بتعرض "إكس" لخسائر بسبب حملة سحب الإعلانات من الموقع (رغم المؤشرات على تزايد متابعته).
وردَّ إيلون ماسك بتحدي المعلنين الذين غادروا موقع "X"، وسط مزاعم بتصاعد خطاب الكراهية على المنصة، فيما بات واضحاً أن الغرب يخلط بشكل فج بين تأييد القضية الفلسطينية والمقاومة وادعاءات خطاب الكراهية.
وأظهر مقطع فيديو مقابلة لماسك، تم تداوله على نطاق واسع، وهو يقول: "لا تعلن"، "إذا كان شخص ما سيحاول ابتزازي بالإعلانات، أو ابتزازي بالمال، فاذهب.."، ثم قال لفظاً نابياً.
وقال: "اللعنة عليك" عدة مرات، وخلال المقابلة قال: "مرحباً بوب"، في إشارة واضحة إلى روبرت إيجر، الرئيس التنفيذي لشركة والت ديزني، التي سحبت الإعلانات على X.
كما قامت Apple وIBM وCoca-Cola أيضاً بإزالة الإعلانات المدفوعة من X، في اتجاه مستمر قد يؤدي إلى خسائر في الإيرادات تصل إلى 75 مليون دولار، حسب الصحيفة البريطانية.
بدأت هجرة المعلنين بعد أن نشرت مؤسسة Media Matters غير الربحية تقريراً أظهر إعلانات من شركات كبرى موجودة بجانب منشورات مؤيدة للنازية (رفع "ماسك" دعوى قضائية ضد المنظمة). وتصاعدت حدة الأمر بعد أن وافق ماسك علناً على تغريدة قيل إنها تتهم الشعب اليهودي بـ"الكراهية ضد البيض".
ويعترف بأن الشركة قد تتعرض لكارثة
تأتي تعليقات ماسك الحادة مع المعلنين حتى مع اعترافه بأن نزوحهم قد يؤدي إلى كارثة لشركة X، التي اشتراها مقابل 44 مليار دولار في عام 2022.
وقال يوم الأربعاء: "ما ستفعله مقاطعة الإعلانات هذه هو أنها ستقتل الشركة"، "وسيعرف العالم كله أن هؤلاء المعلنين قتلوا الشركة".
لاحقاً، وصفت ليندا ياكارينو، الرئيس التنفيذي لشركة X، مقابلة ماسك بأنها "واسعة النطاق وصريحة"، وقدمت عرضاً للمعلنين. وكتبت على المنصة: "يقف X عند تقاطع فريد ومذهل بين حرية التعبير والشارع الرئيسي، ومجتمع X قوي وهو هنا للترحيب بكم".
يقول تقرير الصحيفة البريطانية: "إن تصرفات ماسك الغريبة هي الأحدث في سلسلة مستمرة من القرارات الخاطئة التي اتخذها منذ توليه رئاسة تويتر، والتي أثار كثير منها قلق المعلنين، الذين شكلوا منذ فترة طويلةٍ جوهر أعمال المنصة.
ولكن الصحيفة البريطانية التي توصف باليسارية، لم تقارن بين موقف منصة X وفيسبوك التي تمارس تقييداً فجاً بحق المحتوى المؤيد للشعب الفلسطيني، وليس حتى المؤيد للمقاومة.
وبينما يتعرض ماسك لهذه الحملة، فإن المنابر التي يفترض أن تدافع عن حرية الإعلام لا تتطرق إلى ما يمكن وصفه بعملية القتل البطيء للمحتوى الفلسطيني على فيسبوك إضافة إلى التغطية المنحازة لوسائل الإعلام الغربية الرئيسية، وأن "X" في المقابل توفر بعض التوازن لصالح قضية تهم ملياراً ونصف مليون مسلم ومليارات البشر في الجنوب.
رغم محاولة الحملة ضد إيلون ماسك التركيز على فكرة معاداة السامية، وتبنّيه نظريات العرق الأبيض، فإن الواقع أنها بدأت في الأصل من أجل موقفه الأقل انحيازاً إلى إسرائيل والذي عرى بقية الصحف والمنصات الغربية، خاصةً أن هناك مؤشرات على أن "إكس" اجتذب أعداداً كبيرة من المتابعين خلال حرب غزة، خاصة في العالَمين العربي والإسلامي.
في المقابل، يبدو أن ماسك ورغم هجومه على المعلنين الذين انسحبوا من المنصة، قد اضطر إلى مهادنة إسرائيل عبر زيارته غلاف غزة، ولكن تعليقه على دعوة حماس لزيارة القطاع يؤشر إلى أنه ما زال متعاطفاً مع أهل القطاع، وأنه ليست لديه رغبة في الانصياع أكثر للضغط الإسرائيلي للهجوم على حماس حتى لو فعلها مرة أمام نتنياهو.
يشار إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى صباح الإثنين "25 ألفاً و295 شهيداً و63 ألف إصابة معظمهم أطفال ونساء"، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت بـ"دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.