منذ بداية هجومه على قطاع غزة، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، روّج جيش الاحتلال الإسرائيلي لدعاية "المناطق الآمنة"، التي قال إنها توجد جنوب وادي غزة، ولن تتعرض للقصف، وعلى المدنيين النزوح إليها.
طالب جيش الاحتلال المدنيين أول مرة، من خلال المتحدث الرسمي باسم الجيش، بمغادرة مدينة غزة إلى جنوب وادي غزة، وذلك باستعمال شارع صلاح الدين، باعتباره سيكون آمناً من أي قصف قادم.
ويقول جيش الاحتلال إنه يعتمد على الرسائل النصية، والمكالمات الهاتفية، والمنشورات التي يتم إسقاطها جواً والغارات التحذيرية لإعلام المدنيين بالانتقال إلى المناطق الآمنة.
خلال هذا التقرير سيرصد "عربي بوست" ادعاءات جيش الاحتلال، الذي لجأ خلال 3 أشهر من حرب شرسة إلى استهداف أكبر عدد من المدنيين، أغلبهم نساء وأطفال، جزء مُهم منهم قضوا في المناطق الجنوبية التي قال عنها إنها آمنة.
المنطقة الآمنة.. كذبة الاحتلال
منذ إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن المنطقة الآمنة، جنوب قطاع غزة، بدأ عشرات الآلاف من سكان الشمال في النزوح إلى الجنوب، عبر شارع صلاح الدين، الذي يمتد من شمال القطاع إلى جنوبه.
تتضمن المنطقة الآمنة، المرحلة الأولى للحرب حسب إعلان المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال المحافظات الوسطى والجنوبية للقطاع، وهي: النصيرات، ودير البلح، وخان يونس، ومحافظة رفح الحدودية مع مصر.
وفي المرحلة الثانية من الحرب، أي ما بعد الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول 2023، واصل جيش الاحتلال في إعلان منطقة جنوب وادي غزة منطقة آمنة، وبالضبط بمدينة رفح ومنطقة المواصي، غرب خان يونس، وطلب من المدنيين الانتقال إليهما.
ولم تكن إسرائيل، سواء خلال المرحلة الأولى من الحرب، أو الثانية تُحدّث إعلاناتها بخصوص المناطق الآمنة، ودون إشعار للمدنيين كانت تقصف المناطق التي طلبت منهم النزوح إليها.
ووفقاً لتحليل الأضرار لبيانات الأقمار الصناعية التي أجراها خبيرا الاستشعار عن بعد، كوري شير وجامون فان دن هوك، فقد تضرر ما لا يقل عن 20% من المباني في جنوب الوادي، إلى غاية 11 ديسمبر/ كانون الأول 2023 بما في ذلك في خان يونس ورفح.
وتُظهر الخريطة التالية تواريخ تعرُّض المحافظات الجنوبية لوادي غزة لغارات إسرائيلية، رغم طمأنة جيش الاحتلال المدنيين بكونها مناطق آمنة، لكن سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى إلى غاية 11 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
- استهداف خان يونس
رغم أن جيش الاحتلال اعتبر أن مدينة خان يونس، التي تقع جنوب وادي غزة، من المناطق الآمنة، وطلب من المدنيين النزوح إليها ومغادرة بيت حانون، فإنه استهدفها.
وفي هذا السياق قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، إنه لا يمكن تبني اقتراح إسرائيل حول "منطقة آمنة" جنوبي قطاع غزة.
وحتى 29 أكتوبر/تشرين الأول، كان الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن أن منطقة خان يونس، جنوب وادي غزة، منطقة آمنة، بعدها لم يُعلن أي تعديل على المنطقة.
لكن فجر السبت، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد ساعات قليلة من إعلانه مغادرة خان يونس باتجاه الغرب، وبالضبط إلى منطقة المواصي، قصفت طائرات الاحتلال عدة شقق سكنية في مدينة خان يونس، جنوبي القطاع، ما أدى لاستشهاد نحو 26 فلسطينياً مدنياً، أغلبهم من الأطفال.
وفقدت مدينة خان يونس ما بين 38 و49% من بناياتها إلى غاية 11 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أي ما بين 31200 و40300 بناية دمرها القصف الإسرائيلي، حسب خريطة تحليل الأضرار لبيانات الأقمار الصناعية.
وتُظهر الخريطة التالية التي تم أخذها عن طريق الأقمار الاصطناعية، الضرر الذي تعرضت له مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، والتي كانت مكان نزوح المدنيين من الشمال.
- استهداف رفح
في يوم السبت، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وخلال المرحلة الأولى من الحرب على غزة، قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع، ما أدى إلى سقوط شهداء وعدد من الجرحى.
ولم يَسبِق استهداف دير البلح أيُّ تحذير من جيش الاحتلال بكون المنطقة ستتعرض للقصف، بعدما تم إعلانها "منطقة آمنة"، الأمر الذي دفع عشرات الآلاف من المدنيين إلى النزوح إليها.
وتُشكل 17% فقط من مساحة غزة وكان يعيش فيها 280 ألف نسمة، وزادت الكثافة السكانية أربعة أضعاف مع حملة نزوح نصف سكان غزة إلى المنطقة، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وفي المرحلة الثانية من الحرب، وإلى الآن، يتم إعلان رفح منطقة آمنة أيضاً، واستمر الاحتلال في مطالبة المدنيين بالنزوح إليها، حسب آخر إعلان للناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2024.
وبتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، خلال مرحلة ما بعد الهدنة ارتكب جيش الاحتلال مجزرة جديدة في محافظة رفح، استهدفت من خلالها منازل لعائلتي زعرب وعبد العال، ما أدى لاستشهاد أكثر من 25، من بينهم الصحفي الفلسطيني عادل زعرب.
ويوم 10 يناير/كانون الثاني 2024 استُشهد 5 فلسطينيين على الأقل، بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، إثر غارة للاحتلال استهدفت منزلاً وأراضي زراعية تؤوي نازحين شمال غربي رفح جنوبي قطاع غزة.
ولم تتوقف المجازر الإسرائيلية على مدينة رفح، التي يعتبرها الاحتلال منطقة آمنة، إذ سقط عشرات الشهداء، من بينهم أطفال في أماكن نزوح المدنيين.
وفي هذا التقرير الذي نشره موقع عربي بوست سابقاً، تم توثيق بالصور والخرائط عدد الضربات الجوية التي تعرّضت لها مدينة رفح الحدودية مع مصر خلال المرحلة الأولى من الحرب.
وحسب خريطة تحليل الأضرار لبيانات الأقمار الصناعية التي أجراها خبيرا الاستشعار عن بعد كوري شير وجامون فان دن هوك فإن مدينة رفح فقدت ما بين 18 و20% من مبانيها جراء القصف.
وحسب المصدر نفسه، فقد فقدت مدينة رفح التي تقع أقصى جنوب القطاع ما بين 8900 و13 ألف بناية جراء القصف الإسرائيلي على المدينة الحدودية مع مصر.
- استهداف دير البلح
أما مدينة دير البلح، فقد تم استهدافها أيضاً خلال المرحلة الأولى من حرب الاحتلال على القطاع، وبالضبط يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بغارات إسرائيلية أسقطت عشرات الشهداء والجرحى، رغم إعلانها منطقة آمنة كونها تقع جنوب وادي غزة.
واستهدف الاحتلال مربعاً سكنياً خلال المرحلة الأولى من الحرب على غزة في مدينة دير البلح، التي كان قد أعلنها منطقةً آمنةً دون أي تعديل، وتسبَّب القصف بدمار واسع في منازل المواطنين وممتلكاتهم.
وبتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2023، وخلال المرحلة الثانية من الحرب، أي ما بعد الهدنة أعلن الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال مدينة دير البلح منطقة آمنة، وطلب من المدنيين التنقل إلى المآوي الموجودة بها.
رغم هذا الاعلان تم استهداف مدينة دير البلح بغارات إسرائيلية أكثر من مرة خلال المرحلة الثانية من الحرب، وحسب وكالة الأناضول فقد استُشهد 12 فلسطينياً وأُصيب نحو 20 آخرين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلاً بمخيم دير البلح بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وفقدت مدينة دير البلح الواقعة جنوب وادي غزة إلى غاية 11 ديسمبر/ كانون الأول 2023 ما بين 30.1 و39% من بناياتها، وبلغة الأرقام ما بين 14900 و19400 بناية دمرها القصف الإسرائيلي للمدينة، التي قالت عنها إسرائيل إنها آمنة.
وفي الوقت الذي كان فيه جيش الاحتلال يقصف المناطق الآمنة، على حد تعبيره، كان الناطق الرسمي أفيخاي أدرعي كما تظهر الصورة أسفله يُطالب المدنيين عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي بالتنقل إلى جنوب الوادي.
شارع صلاح الدين.. ممر الموت
طالب جيش الاحتلال، منذ بداية حربه على غزة، المدنيين باستعمال شارع صلاح الدين للوصول إلى المناطق الآمنة، التي توجد جنوب وادي غزة.
وبتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشر أفيخاي أدرعي نداءً يُطالب من خلاله الغزاويين باستعمال شارع صلاح الدين للمرور إلى المناطق الآمنة جنوب الوادي.
بعدها بساعات ألقت طائرات الاحتلال قنابلها المتفجرة على فلسطينيين بشارع صلاح الدين، كانوا في طريقهم للنزوح
من شمال غزة إلى جنوبها.
وحسب بيان رسمي لحركة حماس فقد سقط شهداء بشارع صلاح الدين، كانوا في طريقهم لجنوب الوادي.
ولم يكن شارع صلاح الدين ممر النازحين الوحيد الذي استهدفته قوات الاحتلال، بل تم أيضاً استهداف شارع الرشيد، الذي أعلنت عنه إسرائيل ممراً آمناً للمدنيين النازحين.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مجموعة من النازحين عند شارع الرشيد الساحلي غرب مدينة غزة، أثناء محاولتهم النزوح من الشمال لجنوب القطاع.