"قلت لهم لا يوجد شيء آمِن طالما تستمر أصوات الطائرات والقصف"، بهذه الكلمات تشرح طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 10 سنوات الوضع في قطاع غزة، وقالت لصحيفة The Daily Beast البريطانية، في تقرير نشرته الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024: "لو متّ مع عائلتي لكان أفضل".
أمضت أسرة "دارين" شهوراً في محاولة النجاة من القصف الإسرائيلي قبل وقوع الكارثة في نوفمبر/تشرين الثاني. تقول دارين: "بعد التهديدات الإسرائيلية لنا بإخلاء الشمال، غادرت منزلنا في مدينة غزة مع عائلتي إلى منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة؛ لكن الجيش الإسرائيلي قصف الشاليه".
أضافت الطفلة الفلسطينية: "فجأة، تصاعد الدخان في المكان، وانهارت الجدران والسقف". وبعد فترة طويلة تحت الأنقاض ومعاناتها من إصابات خطيرة، تمكنت من التواصل مع فرق الإغاثة التي وصلت في الظلام لإنقاذها وشقيقها البالغ من العمر 5 سنوات.
طوال فترة انتظارها، لم تعرف شيئاً عن مصير بقية أفراد عائلتها. ولم تعلم بالأخبار المدمرة إلا عندما خرجت من تحت الأنقاض. وتساءلت: "لماذا فعل بنا الجيش الإسرائيلي هذا؟ لو متّ مع عائلتي لكان أفضل".
نظراً لأنَّ دارين فقدت جميع أفراد أسرتها تقريباً خلال الحرب على قطاع غزة، فهي تعاني من مشاعر العزلة والألم النفسي الشديد.
مآسي الحرب على قطاع غزة
يقول الدكتور إسماعيل أبو ركبة، رئيس قسم الدعم النفسي والاجتماعي في وزارة الصحة، لصحيفة The Daily Beast: "كان من الصعب إيجاد طريقة لإخبار دارين بأنها فقدت 30 من أفراد عائلتها. ورغم أنها طفلة صغيرة فإنها كانت واحدةً من أقوى الأطفال الذين ساعدونا عندما واجهوا مشاعر الفقد".
كما أوضح أبو ركبة: "يعتمد الأطفال في المقام الأول على دعم ورعاية البالغين من حولهم، الذي يتوقف فجأةً في الحروب بسبب فقدان أولئك الذين يقدمون الرعاية لهم، أو حتى الغياب العاطفي للوالدين، بسبب البيئة التي تخلقها الحرب من خوف وتوتر وقلق، والتركيز على غرائز البقاء والاحتماء".
أضاف أبو ركبة: "إنَّ غياب كل ذلك، إلى جانب صدمات الحرب، مثل الإصابات الجسدية المباشرة (التي غالباً ما تكون مصحوبة بجراح نفسية)، والتعرض المباشر لمشاهد الموت والقتل، يترك آثاراً نفسية دائمة على الأطفال تستمر طوال حياتهم". وقال: "حالة دارين كانت من أقوى الحالات التي أظهرت عزيمة وقوة إرادة".
رغم الإصابات الجسدية والكسور في ساقيها، والجروح في وجهها ويديها، ورغم العلاج الطويل الذي تحتاجه، فإنَّ دارين لا تزال مصممة على التعافي الكامل. وتريد أن تصير طبيبة عندما تكبر لمساعدة الآخرين على البقاء على قيد الحياة.
في حين يجد أطفال آخرون صعوبةً أكبر في التعامل مع الصدمة العاطفية. فقد انهار عالم محمد الشريف (7 سنوات)، عندما سقطت والدته ضحية لغارة جوية إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة. وقد افترقا عن والده لسنوات؛ لذلك كانت حياة محمد تدور حول والدته، والدعم الذي يتشاركانه لا يمكن تعويضه.
إنَّ صدمة فقدان والدته بهذه الطريقة المأساوية تركت الصبي الصغير مع حزن لا يُحتمَل. وقالت عمة والدته لصحيفة The Daily Beast: "إنه يبكي بلا انقطاع، ويرفض الأكل والنوم، ويغمره الحزن العميق لفقدان والدته. من المؤلم التفكير كيف سيتمكن من التغلب على اضطرابه العاطفي بمجرد مغادرتنا المستشفى في غضون أيام قليلة".
تقول الدكتورة سماح جابر، استشاري الطب النفسي ومديرة خدمات الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، لصحيفة The Daily Beast: "من المؤكد أنَّ الحرب المستمرة في غزة ستكون لها آثار نفسية هائلة ومؤلمة على أهل القطاع، وهذه التأثيرات ستمتد لفترة طويلة حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية".