اختتمت فعاليات المؤتمر الدولي لنصرة غزة ودعم المقاومة "الحرية لفلسطين"، والذي أقيم في مدينة إسطنبول التركية، يومي الأحد والإثنين 14 و15 يناير/كانون الثاني 2024، بإصدار وثيقتين تتويجاً لفعاليات المؤتمر، ولكي تحملا رسالته، وما تضمنه من مناقشات وجلسات مكثّفة على مدار يومين، على أثر مناقشة الوثائق وإقرارها ضمن جلسات المؤتمر.
وتم إطلاق وثيقة "الصهيونية عنصرية"، التي تدعو إلى تجريم الصهيونية ومواجهة صلفها وإجرامها وأخطارها، ووثيقة "المقاومة حقٌّ وواجب" التي تدعو إلى وجوب دعم المقاومة كحقٍّ مشروع في مواجهة الاحتلال وداعميه، بحضور مقرري المبادرات البروفيسور محسن محمد صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، والدكتور عزام التميمي مدير عام قناة الحوار، والأستاذ نعيم جينا، والأستاذ معن بشور الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي، وقد شهدت جلسة الإطلاق حضوراً حاشداً للمشاركين في المؤتمر، من الخبراء والرموز والقيادات الشعبية والسياسية والدينيّة والمتضامنين الأجانب من أكثر من 50 دولة في العالم.
وتضمنت وثيقة "الصهيونية عنصرية" إشارة إلى الخلاصة التاريخية والأعمال الأكاديمية ذات الصلة، وقرار الأمم المتحدة رقم 3379 لعام 1975 الذي سبق أن عرف الصهيونية باعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وتوقفوا عند إلغائه عام 1991 تحت الضغط الأمريكي في حقبة تفردت بقيادة العالم، وتحت ذريعة إفساح المجال لـ"المسيرة السلمية" التي انتهت إلى تمهيد الطريق لأفظع الجرائم التي ارتكبها المشروع الاستعماري الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، وجددت الوثيقة تأكيد أن الصهيونية أيديولوجيا عنصرية إلغائية، وقد شكلت باعثاً لمشروع استعماري استيطاني إحلالي، وهو الذي أسس قاعدة احتلالٍ عسكري في فلسطين وارتكب فيها أفظع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأن هذه نزعة أصيلة فيها لم تفارقها، ولا تغير فيها موازين القوى والنفوذ السياسي للدول.
أما وثيقة "المقاومة حقٌ وواجب"، فقد تضمنت إشارات عن تاريخ النضال الفلسطيني في وجه الاحتلال، منذ الاحتلال البريطاني وحتى الآن، وأن الشعب الفلسطيني متمسكٌ بحقّه الأصيل في أرضه ومقدساته، وبحقه الطبيعي في المقاومة، وأن الفلسطينيين قد واصلوا الانتفاضات والثورات، على الرغم من اختلال ميزان القوى، ومع مضي السنوات تظل الإرادة الشعبية الفلسطينية تحتضن المقاومة وتتمسك بها عنواناً لاستعادة الحقوق والتحرير والعودة.
وتضمنت الوثيقة تأكيد المجتمعين في المؤتمر وإجماعهم على الحق المطلق للشعب الفلسطيني في المقاومة بأشكالها كافة، وعلى رأسها الكفاح المسلّح، لتحرير أرضه والعودة إليها، وأن هذه المقاومة واجب على كل الأمم الحية إن أرادت البقاء في وجه الطغيان والظلم، وأن هذه المقاومة بما تتطلبه من تضحية وإقدامٍ وتحدٍّ لموازين القوى المختلة وتفانٍ وتجردٍ عن المصالح الذاتية هي شرفٌ في الوقت ذاته، إذ تجسد واحدة من أنبل الظواهر الإنسانية التي عرفها التاريخ.
واستكمالاً للأهداف، اختتم المؤتمر بكلمة لرئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأستاذ أيمن زيدان نائب المدير العام لمؤسسة القدس الدولية، أكد فيها أن مخرجات هذا المؤتمر تتركز على هاتين الوثيقتين، وأعلن أن الجهات المشاركة في تنظيم المؤتمر ستعمل وبالتعاون مع مختلف الشخصيات والجهات التي شاركت في فعالياته، إضافةً إلى جميع ممثلي المنظمات والكيانات والهيئات المناصرة للحق الفلسطيني، من أجل المضي قدماً في نشر هذه الوثائق، وإيصالها إلى شرائح أوسع في مختلف بلاد العالم، من أمريكا اللاتينيّة مروراً بجنوب أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وصولاً إلى الهند وباكستان والصين.
وأشار زيدان إلى أن المؤتمر لم ينته باختتام جلساته، بل سينتقل إلى مرحلة جديدة، لمتابعة مخرجات المؤتمر، وتحقيق مزيد من التشبيك والسعي لتتحول هذه المبادرات إلى حقائق ملموسة، تسهم في دعم وتأييد حقوق الشعب الفلسطيني، وتعزز صموده، وتدعم مقاومته في مواجهة الصلف الصهيوني ومن خلفه الأمريكي.
مؤتمر الحرية لفلسطين في تركيا
كان المؤتمر قد انطلق في مدينة إسطنبول التركية، الأحد، وناقش قضايا أبرزها "مخاطر الصهيونية وعنصريّتها عالمياً"، وتأكيد أن المقاومة "حق أصيل في مواجهة كل مشاريع التصفية" التي تتعرض لها القضية الفلسطينية. واستمر المؤتمر يومين عقدت خلالهما جلسات، بمشاركة مفكرين وباحثين ومتخصصين من بلدان عربية وأجنبية.
وشهدت الجلسة الافتتاحية إلقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، كلمة مسجلة، ومن المنتظر أن يُختتم المؤتمر بإطلاق مبادرتي "الصهيونية عنصرية" و"المقاومة حقٌ وواجب"، على أن تكون هذه المبادرات جزءاً من رسالة المؤتمر، بحسب بيان سابق من المنظمين.
من جانبه قال الدكتور محسن صالح، المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في كلمته التي جاءت تحت عنوان: "أفق مغالبة تجريم المقاومة"، إن الجميع مطالب بالحديث وبشكل كبير عن ألم المقاومة، وليس محاولة التهوين مما حدث، من أجل إجبار المجتمع الدولي على الالتفات إلى حجم ما حدث في غزة من جرائم.
وأشار في الوقت نفسه إلى ضرورة حسن إدارة العمل الداعم للمقاومة، من خلال سد كافة الثغرات والرد على كافة الشبهات، وكذلك سرد الرواية الفلسطينية بوجهها الحضاري والإنساني، وأن الشعب له الحق في أرضه من آلاف السنين، وأن المعركة لم تبدأ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل هي معركة قديمة من عشرات السنين تستهدف الأرض والإنسان بمشروع استيطاني إحلالي ضد الشعب الفلسطيني.
كما أشار إلى ضرورة التوجه إلى النضال القانوني والمقاومة من خلال القانون الدولي، فهو حق إنساني طبيعي وأصيل مكفول دولياً، إضافة إلى التمسك بالثوابت وعدم التنازل عنها والتضحية لأجلها.
من جانبه قال فيصل فولاذ الأمين العام لجمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان، وهو سياسي بحريني، إن الإدارة الأمريكية ترفض وصف الاحتلال بالإرهاب رغم كل ما يحصل من جرائم في الضفة وغزة خصوصاً، بل تعمل على وقف أي تحرك لوصف ما يفعله الكيان الصهيوني بالإرهاب.
كما أشار الى أن الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف ولكن عندما يصل الأمر للكيان الصهيوني فلا تعتبره أمريكا تهديداً للسلم أو على أنه إرهاب. وأشار إلى أن كل القرارات الدولية التي صدرت بحق الكيان الصهيوني وتدعم القضية الفلسطينية مزقت ورميت بالقمامة ولم يتم تطبيق أي منها.
أضاف: "معركتنا اليوم معركة مزدوجة، ومشكلتنا مع الإدارة الأمريكية التي تعمل على تبرير كل هذه الجرائم التي يقوم بها الكيان الصهيوني".
في حين قال الدكتور عبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح سابقاً، إن تجريم المقاومة والتضليل المتعمد لها باعتبارها "إرهاباً" يخدم القوة الاحتلالية ويمكن لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي من ارتكاب جرائم الحرب دون خوف من العقوبات.
في السياق ذاته قال الدكتور سيف عبد الفتاح الأكاديمي المصري، إن "إسرائيل تعادي الإنسان والكيان والأوطان، وإن إسرائيل دولة مصطنعة، وسردية المقاومة تتحدث عن أن إسرائيل ستزول بإذن الله، وإن فلسطين والمقاومة ستبقى". مشيراً إلى أن حرب إسرائيل هي حرب لطمس كلمة فلسطين ومعنى المقاومة، وجاءت هذه الحرب لتعيد تسليط الضوء على هذه الدولة.
كما قال عبد الفتاح إن المقاومة كذبت أسطورة أن إسرائيل دولة ديمقراطية وجيش لا يقهر، وأكدت أنها دوله متعجرفة، وأن جيشها يقهر وأن غزة هي معنى العزة والكرامة.
من جانبه قال الدكتور باسم نعيم وزير الصحة السابق في غزة، إن يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ضربة في صميم الكيان الصهيوني، وكثير مما يحدث اليوم من قبل الاحتلال هو مخططات سابقة جهزها الاحتلال، واليوم يتم تنفيذها تحت مسمى الحسم النهائي للسيطرة على القدس والمسجد الأقصى والسيطرة على الضفة الغربية وفصل قطاع غزة عن باقي فلسطين وإبقائه تحت حصار تام.
كما قال إن الاحتلال يشن حربيين في آن واحد، الحرب العسكرية وما تحمله من تدمير للبشر والشجر والحجر، أما الحرب الثانية فهي الإنسانية من خلال تدمير كل مقومات الحياة من منازل ومدارس ومستشفيات ومراكز ثقافية ومساجد وكنائس؛ لدفع السكان للهجرة منها.
كان رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، أيمن زيدان، قد قال في تصريحات صحفية، إنّ هدف المؤتمر "في المقام الأول صرخة شعبية دولية لتسليط الضوء على ما يواجهه الفلسطينيون في قطاع غزة خاصة، وفي كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكلٍ عام، وجزء من الحراك السياسي الدولي الداعم لحرية الشعب الفلسطيني، وحقوقه في مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والتأكيد المستمر على حرية الشعب الفلسطيني، في مواجهة العدوان ومقاومة كل أشكال التهجير والحصار التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين في القطاع".
جدير بالذكر أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة خلّفت حتى الإثنين 24 ألفاً و100 قتيل و60 ألفاً و832 مصاباً، وتسببت بنزوح أكثر من 85% من سكان القطاع (نحو 1.9 مليون شخص)، بحسب سلطات القطاع والأمم المتحدة.