قالت صحيفة "The Washington Post" الأمريكية، في تقرير الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024، إن الخسائر في صفوف المدنيين في قطاع غزة ما زالت مرتفعة، وعمليات تسليم المساعدات الإنسانية منخفضة، وقد خلصت إدارة الرئيس جو بايدن إلى أن "إسرائيل" لا تستمع لمناشداتها.
في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن المسؤولين الإسرائيليين مباشرة بأنهم يفقدون الأرضية الأخلاقية في صراعهم مع حماس. وأكد على ضرورة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية خلال تحول هجومهم من شمال غزة إلى جنوبه.
كما دعا كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى التحول إلى حرب "منخفضة الشدة" في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال زيارتهم لتل أبيب. وأكدوا على ضرورة أن يحدث هذا التحول بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، "ووقف القصف العدواني والهجوم البري والبدء باستهداف استراتيجي لكبار مسؤولي حركة حماس".
وفقاً لأحد كبار المسؤولين الستة في الإدارة الذين تحدثوا عن الجهود الدبلوماسية المستمرة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن "الإسرائيليين أبلغوهم بأنهم سيتخذون كل هذه الخطوات في حملتهم في الجنوب، ولكن بعد مرور ستة أسابيع، ومهما كانت نوايا إسرائيل في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، لم تتراجع شدة هجومها بالدرجة المطلوبة، وكان التراجع في عدد الضحايا المدنيين وأي توسع في المساعدات الإنسانية هامشياً ومتقطعاً".
مسؤولون في الإدارة الأمريكية قالوا إن "إسرائيل" في المناقشات الأخيرة قالت بوضوح إنها ستواصل حملتها المكثفة طوال شهر يناير/كانون الثاني الجاري.
ضغوط على إدارة بايدن لوقف فوري لإطلاق النار
بدت إدارة بايدن، الحليف الأقرب لإسرائيل ومزودها الرئيسي بالأسلحة، عاجزة أو غير مستعدة لممارسة ضغوط جدية على كيفية إدارة الجيش الإسرائيلي للحرب. ورغم أن الولايات المتحدة كانت في طليعة الجهود الرامية إلى إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين هناك، قوبل دورها المزدوج باعتبارها المدافع الرئيسي عن "إسرائيل" بانتقادات ومطالبات دولية ومحلية متصاعدة لوقف فوري لإطلاق النار.
أدى المعدل المرتفع للضحايا المدنيين إلى مطالبة اليسار للإدارة بتقييد مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لإسرائيل كل عام. وقال مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية والمستشار السابق للسيناتور بيرني ساندرز: "إذا كان الرئيس منزعجاً حقاً، فلديه أدوات كثيرة يمكنه استخدامها، فالوعد بالدعم غير المشروط مهما كان ما يحدث ليس طريقة فعالة لحمل أحد على أن يغير طريقته".
حتى الديمقراطيون الوسطيون طالبوا بممارسة المزيد من الضغوط الأمريكية لمساعدة المدنيين، وقال السيناتوران كريس فان هولين (ماريلاند) وجيف ميركلي (أوريغون) في بيان الأسبوع الماضي بعد رحلة إلى المنطقة، إنه من الضروري "أن تطالب الولايات المتحدة بوقف الاشتباكات، وأن يرفع الإسرائيليون العوائق التي تبطئ تسليم السلع الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة في غزة".
"إسرائيل" ترفض الاستجابة لإدارة بايدن
عند الحديث عن تخفيف "إسرائيل" لعملياتها عالية الكثافة، باتت إدارة بايدن مقتنعة بأن الإسرائيليين يرفضون الاستجابة لنصيحتها، وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إنه من غير المجدي حثهم على التغيير، وإن أولوية واشنطن تحولت الآن إلى تقبل العملية الإسرائيلية عالية الكثافة طوال شهر يناير/كانون الثاني الجاري، والتأكيد على خفضها في فبراير/شباط 2024.
مسؤول أمريكي آخر رفض هذا التوصيف، قائلاً إن الإدارة تضغط للبدء في تخفيف الكثافة في أقرب وقت ممكن.
فيما قال مسؤول بارز آخر، إن "إسرائيل" لم تتمكن من تنفيذ عمليات مكثفة دون أن تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وإن التركيز ليس على التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، بل على الانتقال إلى وتيرة أخف تقلل من الخسائر البشرية. وتهدف الضغوط إلى تقليص شدة الحملة بهدف السماح للمدنيين بالعودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية.
وكانت الـ 24 ساعة التي سبقت وصول بلينكن إلى "إسرائيل" يوم الثلاثاء 9 يناير/كانون الثاني الجاري، واحداً من أكثر الأيام دموية في غزة منذ بدء الصراع، حيث خلفت 250 قتيلاً. ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 23,900 من سكان غزة منذ بدء الحرب، معظمهم من النساء والأطفال.
ولم تسجل الأمم المتحدة، التي تنشر تحديثاً يومياً للأوضاع في القطاع، أي تغيير كبير في التكتيكات منذ تحول القتال من شمال غزة إلى وسط وجنوب غزة.
وقال مارتن غريفيث، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة 12 يناير/كانون الثاني الجاري: "لا يزال الوضع مروعاً مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية دون توقف، ومع تحرك العمليات البرية جنوباً، تكثف القصف الجوي على المناطق التي طُلب من المدنيين الانتقال إليها حفاظاً على سلامتهم".
غريفيث شدد على أن خطر المجاعة "يتزايد يوماً بعد يوم"، و"الحياة الإنسانية الكريمة باتت شبه مستحيلة".