نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً، الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2024، حول موقف الصين من معركة الملاحة في البحر الأحمر، رغم شنّ الولايات المتحدة وبريطانيا غارات جوية وصاروخية على اليمن، وتقول الدولتان إن الغاية منها منع الحوثيين من مهاجمة السفن.
تقرير الوكالة أوضح أن الصين رأت أن تقف مرة أخرى في موقف المراقب الذي يكتفي بتتبع الأمور من دون تدخل مباشر، على الرغم من أن ما يحدث في البحر الأحمر له تأثير في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لافتاً إلى أن الصين تستورد نحو نصف نفطها الخام من الشرق الأوسط، وتصدر إلى الاتحاد الأوروبي أكثر مما تصدره الولايات المتحدة.
وبحسب بيانات Bloomberg Intelligence، فإن أسعار الشحن البحري في مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات قد ارتفعت الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ سبتمبر/أيلول 2022، وقد جاء ذلك بعد زيادة التوقعات بارتفاع تكلفة النقل بالحاويات لاضطرار الشركات إلى تغيير مسار سفنها للدوران حول قارة إفريقيا بعد تعثر الشحن في طريق البحر الأحمر.
"شي" يكتفي بالمتابعة
ووفقاً للوكالة الأمريكية، فإن الزعيم الصيني شي جين بينغ لا يرى أن التكاليف الواقعة على بلاده بلغت حداً يدفعه إلى المجازفة بالتورط وتضييع الفوائد المترتبة على عدم التدخل فيما يحدث، فهو يمكنه الاكتفاء بالمتابعة وترك الولايات المتحدة وحلفائها يشنون الهجمات على الحوثيين، ويستثيرون العداء لهم في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، أما هو فيبقى متمسكاً بصورة الحَكَم المحايد، ويحتفظ بقواته جاهزة للقتال في تايوان وبحر الصين الجنوبي.
إلى ذلك، قالت جينيفر ويلش، كبيرة محللي الاقتصاد الجغرافي في وكالة "بلومبرغ إيكونوميكس"، إن المسؤولين الصينيين "لا يرون في اتخاذ موقف أقوى مكاسب معتبرة لهم"، ومن ثم فهم يتبعون نهجاً مشابهاً "لنهجِهم في الحرب الروسية الأوكرانية، فهم يدعون إلى السلام، لكنهم لا يدينون روسيا ولا يتخلون عنها، ولا يتكبدون عناء الإسهام في الجهود المبذولة للمُضي قدماً في مسار السلام".
ارتفاع أسعار شركات الشحن
والجمعة 12 ديسمبر/كانون الأول، ارتفعت أسعار أسهم شركات الشحن الآسيوية بعد أن شنَّ الأمريكيون والبريطانيون غارات على أهداف في اليمن، وقد تعهد الحوثيون بالرد على هذه الهجمات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة، إن الصين "انتابها قلق عميق" بشأن التصعيد في البحر الأحمر، لكنها لم تتطرق إلى أي تعهد من بلادها باتخاذ إجراء حيال الأمر.
واكتفت المتحدثة الصينية بالقول: "نأمل أن يكون لجميع الأطراف دور بنّاء ومتحلٍّ بالمسؤولية في حماية الأمن وفي إبعاد السفن المدنية عن أي هجمات، لأن هذه الأمور ليست في مصلحة التجارة الدولية".
كشفت مصادر مطلعة أن دولاً عدة في الشرق الأوسط حثَّت الصين في الأسابيع الماضية على استخدام نفوذها الإقليمي للحيلولة دون نشوب نزاع أوسع نطاقاً في المنطقة. لكن الصين تواجه صعوبة في إقناع الحوثيين وإيران بالانصراف عن موقفهما الحالي، وفقاً للوكالة الأمريكية.
من جهته، قال ويليام فيغيروا، الأستاذ المساعد في جامعة غرونينغن في هولندا والمتخصص في شؤون الصين، إن "قدرات الصين على فرض قوتها في الخليج قليلة، ومن ثم فهي ليست مستعدة للتورط في صراع واسع النطاق"، و"الإدانة القوية تنطوي على مجازفة بإثارة غضب حلفاء بكين في طهران، ولن تعود بفائدة كبيرة".
"هجمات الحوثيين مفيدة لبكين"
علاوة على ذلك، فإن بعض الخبراء في الصين يرون أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مفيدة لمصالح بلادهم. وقال شياو يون هوا، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني التابعة للجيش الصيني، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في ديسمبر/كانون الأول، إن "الحوثيين قدَّموا خدمة كبيرة للصين من دون أن يقصدوا ذلك".
وزعمَ يون هوا أن تعثر حركة التجارة البحرية في المنطقة سيدفع مزيداً من التجار والشركات إلى استخدام شبكات السكك الحديدية، وأن ذلك يعني الإقبال على "مبادرة الحزام والطريق" الصينية وتقوية مشروعات البنية التحتية المرتبطة بالمبادرة في الاقتصادات الناشئة.
وقال: "إن توسيع نطاق الاعتماد على هذا الطريق هو مفتاح استراتيجيتنا الدولية للتخلص من الهيمنة الأمريكية، وتقويض القوة البحرية الأمريكية، وتعزيز التعددية القطبية العالمية".
توقفت شركة شحن الحاويات الصينية العملاقة "كوسكو" عن تسليم البضائع إلى إسرائيل؛ بسبب هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
وكشفت بيانات وكالة "بلومبرغ"، الخميس 11 يناير/كانون الثاني، أن طريق البحر الأحمر كان يمر به ما لا يقل عن خمس سفن بعثت بإشارات تؤكد فيها أنها مرتبطة بالصين لكي تتجنب التعرض للاستهداف.
في غضون ذلك، قال هنري هوياو وانغ، مؤسس "مركز الصين والعولمة" للدراسات السياسية في بكين، إن الصين تسعى إلى اتباع نهجٍ شامل تجاه التوترات في الشرق الأوسط، وهذه الرؤية تسري على هجمات الحوثيين، فالصين ترى أن "الهجوم الإسرائيلي على غزة هو السبب الجذري" للنزاع، ومن ثم "يجب النظر إلى الأمر في صورته الكاملة، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى أجزاء معينة مما يحدث".