كان معظم أفراد طاقم السفينة يتناولون طعام الغداء عندما انفجرت القذيفة التي أطلقتها جماعة الحوثي في اتجاه سفينة شحن في البحر الأحمر، فقد كان أرتيم واحداً من ثلاثة أشخاص في مقصورة القيادة، بعد ظهر أحد أيام مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، حيث كانوا يبحرون على متن سفينة شحن عملاقة عبر جنوب البحر الأحمر وقد طالها القصف، اعتراضاً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويعتقد أرتيم أنَّ الانفجار وقع على ارتفاع حوالي 10 أمتار فوق السفينة التي يبلغ وزنها 60 ألف طن، وسمعه البحارة في غرفة الطعام، يعلو على صوت قعقعة المحرك. وأضاف أنَّ الرياح القوية في ذلك اليوم حالت على الأرجح دون وقوع إصابة مباشرة وخسائر في الأرواح، حسبما نقلت وكالة Bloomberg الأمريكية في تقريرها يوم الثلاثاء 9 يناير/كانون الثاني 2024.
هجوم للحوثيين على سفن تخص إسرائيل
لم يكن هذا هو الهجوم الوحيد في ذلك اليوم الذي يشهده أحد أهم ممرات الشحن في العالم. إذ يستهدف المسلحون الحوثيون السفن التابعة لإسرائيل أو السفن التي تحمل السلع إليها.
وقال أرتيم: "هذه ليست مزحة؛ أرواحنا في خطر". وأضاف أنَّ بعض زملائه في الطاقم كانوا يبكون أثناء الحديث مع أحبائهم عبر الهاتف.
وطلب ثلاثة بحارة، الذين مروا جميعاً عبر الممر المائي مؤخراً، عدم الكشف عن هوياتهم بسبب مخاوف أمنية وخوفاً من تعرضهم للملاحقة من أصحاب العمل بسبب تحدثهم علناً. وتشعر صناعة الشحن الأوسع بجنون الارتياب بشأن فعل أي شيء يمكنه لفت الانتباه إلى أساطيلها، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم المخاطر.
مخاطر غير مسبوقة لسفن الشحن في البحر الأحمر
تحدث أرتيم وغيره من عمال السفن، الذين لا يحظون باهتمام كافٍ برغم دورهم المهم في حركة التجارة العالمية، إلى Bloomberg عن تفاصيل المخاطر الجديدة -وغير المسبوقة بالنسبة للمدنيين- في أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم.
وشن الحوثيون ما لا يقل عن 24 هجوماً في الفترة ما بين 19 نوفمبر/تشرين الثاني و2 يناير/كانون الثاني، وفقاً للقيادة المركزية الأمريكية، بما في ذلك إسقاط طائرة هليكوبتر لاختطاف سفينة، واحتجزوا طاقم السفينة المُكوَّن من 25 فرداً رهائن، ولا تزال السفينة محتجزة في المياه اليمنية.
وصُنِّفَت أجزاءٌ من البحر الأحمر وخليج عدن على أنها "عالية المخاطر" و"شبه ساحة حرب". وأعادت العديد من شركات الشحن، بما في ذلك شركة AP Moller-Maersk A/S، ثاني أكبر خط حاويات في العالم، توجيه مئات السفن لطريق رأس الرجاء الصالح.
وبالنسبة للبحارة الذين يمرون عادة عبر البحر الأحمر، تمثل هذه التحويلات راحة كبيرة، لكنها تأتي مقابل تكلفة أعلى. فمن الممكن أن يضيف قطع الطريق الطويل حول أفريقيا ما يقرب من 5000 ميل (8046 كيلومتراً) إلى المسافة وملايين التكاليف المرتبطة بالتأخير، مقارنة بقناة السويس حيث تمر أكثر من 10% من التجارة العالمية.
ومع ذلك، تظل الكثير من الشركات ملتزمة بطريق البحر الأحمر وترى أنَّ المخاطر تحت السيطرة، برغم التوترات المتصاعدة في المنطقة. ولا يزال ما يقرب من 1000 بحار يمرون يومياً عبر مضيق باب المندب – وهو الامتداد المائي الضيق في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر؛ حيث وقعت العديد من الهجمات – وينقلون كل شيء؛ بدءاً من السلع المُصنَّعة مثل الأحذية الرياضية إلى السلع الخام مثل النفط الخام وخام الحديد.
تفاصيل مرعبة لاختطاف سفن في البحر الأحمر
وصف ضابط كبير على متن سفينة حاويات كبيرة مروره عبر المنطقة، ويسترجع كيف شاهد برعب مقطع الفيديو الخاص باختطاف السفينة باستخدام مروحية. ولاحظ أنَّ الهجوم كان مفاجئاً؛ لدرجة أنَّ طاقم السفينة لم يكن لديه الوقت للتصرف.
وقال: "نشعر جميعاً بالخوف. ليس لدينا أي نوع من الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها ضد هجوم بمروحية".
ويبحر الضابط بسرعة أكبر من المعتاد، بما يقرب من 20 عقدة بحرية. وحتى بهذه الوتيرة، سيستغرق الأمر من سفينته نحو يومين لعبور المنطقة شديدة الخطورة.
ونجح الضابط الكبير وزملاؤه في العبور بأمان. لكنهم تلقوا تذكيراً قوياً بمدى حظهم عندما تلقوا نداء استغاثة من سفينة في مكان ما خلفهم تعرضت للهجوم، بينما سفينتهم على وشك مغادرة المنطقة عالية الخطورة.
وبالنسبة لأرتيم، يتوقع أن يغادر قريباً للحصول على وظيفة أخرى على متن السفينة. ولا يتمتع البحارة دائماً بقدر كبير من السيطرة على المكان الذي يأخذهم إليه عملهم، لكنه مصمم على شيء واحد. وأكد أرتيم: "إذا كان طريقنا يمر عبر البحر الأحمر، فلن أذهب. وسأغادر الوظيفة".