قالت ستة مصادر مطلعة بشكل مباشر، لـ"رويترز"، الإثنين 8 يناير/كانون الثاني 2024، إن إسرائيل تنفذ موجة غير مسبوقة من الضربات القاتلة في سوريا تستهدف شاحنات بضائع وبنية تحتية وأفراداً مشاركين في نقل أسلحة إيران إلى جماعات متحالفة معها في المنطقة.
وذكرت المصادر، ومن بينها مسؤول بالمخابرات العسكرية السورية وقائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم الحكومة السورية، أن إسرائيل غيرت استراتيجياتها في أعقاب الهجوم الذي شنه مسلحو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما أعقبه من عمليات القصف الإسرائيلية في غزة ولبنان.
غارات إسرائيلية في سوريا
أوضحت المصادر أنه على الرغم من أن إسرائيل عمدت إلى ضرب أهداف مرتبطة بإيران في سوريا لسنوات، وضمن ذلك المناطق التي تنشط فيها جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، فإنها تنفذ حالياً غارات جوية أكثر فتكاً وتواتراً، تستهدف عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا.
وقال القائد في التحالف الإقليمي ومصدران آخران مطلعان على تفكير حزب الله، إن إسرائيل تخلت عن "قواعد اللعبة" القائمة على التكتم على ضرباتها بسوريا في السابق، ويبدو أنها "لم تعد حذرة" إزاء تكبيد حزب الله هناك خسائر فادحة.
وأضاف القائد: "لقد اعتادوا إطلاق نيران تحذيرية، كانوا يضربون بالقرب من الشاحنة، فيخرج رجالنا من الشاحنة ثم يضربون الشاحنة"، واصفاً الهجمات الإسرائيلية على عمليات نقل الأسلحة التي كانت جماعة حزب الله تقوم بها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وأردف قائلاً: "انتهى ذلك. إسرائيل تشن الآن غارات جوية أكثر فتكاً وأكثر تواتراً على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا. إنهم يقصفون الجميع مباشرة. إنهم يقصفون من أجل القتل".
مقتل عناصر من حزب الله في سوريا
أدت الحملة الجوية المكثفة إلى مقتل 19 من أعضاء حزب الله في سوريا خلال ثلاثة أشهر حتى الآن، وهو ما يزيد على مثلي العدد في عام 2023 بالكامل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لمسح لـ"رويترز". كما قُتل أكثر من 130 من مسلحي حزب الله جراء القصف الإسرائيلي بجنوب لبنان في الفترة نفسها.
ولم يرد جيش الاحتلال الإسرائيلي على أسئلة لـ"رويترز" بشأن تصعيد عملياته. وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحفيين مع اشتراط عدم الكشف عن هويته، إن حزب الله بدأ هذه الجولة من القتال بهجمات يوم الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وإن الاستراتيجية الإسرائيلية كانت انتقامية.
ورداً على سؤال حول غارة إسرائيلية في سوريا، قال قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي إن القوات تعمل في أنحاء المنطقة، وتتخذ "كل الإجراءات اللازمة" لإظهار إصرار إسرائيل على الدفاع عن نفسها.
مخاوف من انتقام حزب الله
بدأت إسرائيل منذ سنوات، استهداف أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، لكن مصادر مطلعة على الضربات قالت إنها بدت كأنها تتجنب قتل أعضاء حزب الله قدر الإمكان.
وقال ضابط مخابرات إقليمي إن إسرائيل تخشى أن يؤدي ارتفاع عدد الضحايا إلى إثارة رغبة حزب الله بلبنان في الانتقام من القرى الإسرائيلية المجاورة للحدود.
وأضاف الضابط أنه مع استمرار تبادل إطلاق النار بين الجانبين بشكل يومي في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن إسرائيل تنوي أن تكون "أقل حذراً وضبطاً للنفس" في قتل أعضاء حزب الله اللبناني بسوريا.
وقال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطاب بثه التلفزيون في الخامس من يناير/كانون الثاني، إن الجماعة فقدت عدداً من المقاتلين جراء القصف الإسرائيلي في سوريا بعدة أماكن في الأشهر الثلاثة الماضية.
وأضاف أن الجماعة كانت تتبع نهجاً قبل عملية طوفان الأقصى يقضي بالرد على قتل أي من أعضائها في سوريا عبر الحدود اللبنانية، التي كانت هادئة حينها. لكن بسبب التطورات الحالية، تغيرت شروط هذا النهج.
وقال قائد في التحالف الموالي لسوريا، إن ضربة نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أودت بحياة ثلاثة مقاتلين من حزب الله كانوا يخططون لتنفيذ عمليات محتملة في شمال إسرائيل، كما استهدفت ضربة أخرى بمدينة القنيطرة في جنوب سوريا اثنين من مقاتلي حزب الله المسؤولين عن نقل الأسلحة.
وقُتل أربعة آخرون في أواخر ديسمبر/كانون الأول، جراء ضربة على مبان وشاحنات تستخدمها جماعات مسلحة متحالفة مع إيران على طول الحدود الشرقية لسوريا مع العراق.
استهداف عناصر لـ"الحرس الثوري"
استهدفت الغارات أيضاً الحرس الثوري الإيراني في سوريا. وتسببت ضربة وقعت في أوائل ديسمبر/كانون الأول في مقتل اثنين من أعضاء الحرس وضربة أخرى في 25 ديسمبر/كانون الأول، أودت بحياة مستشار كبير في الحرس كان يشرف على التنسيق العسكري بين سوريا وإيران.
وقال مصدر مطلع على تفكير حزب الله وعملياته في سوريا: "لم يكن سيتعرض للقتل قبل الواقع الجديد الذي دخل حيز التنفيذ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول".
في حين استهدفت غارات جوية منفصلة بنية تحتية عسكرية في جنوب سوريا، منها قاعدة دفاع جوي، في 28 ديسمبر/كانون الأول، بعدما استهدفت غارة أخرى نظاماً للدفاع الجوي.
وقال ضابط مخابرات سوري إن الغارات أصابت معدات دفاعية قبل أن تتمكن القوات من إدخالها للخدمة. وأصبحت المطارات في العاصمة السورية دمشق وشمال حلب، والتي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة، خارج الخدمة بصورة شبه مستمرة بسبب الضربات.
وقال ضابط المخابرات الإقليمي: "إسرائيل تقول لبشار الأسد: أنتم تسمحون للإيرانيين وحزب الله بنقل الأسلحة وتعزيز قدراتهم، لذلك سنضرب المطارات التي تمثل شرياناً للحياة لكم، وستجدون أنفسكم في مأزق". وأكدت إسرائيل مراراً أنها لا تسعى لفتح جبهة حرب ثانية في لبنان أو سوريا.
ورغم تكثيف الغارات الإسرائيلية، فإن جيش نظام الأسد الذي اعتمد بشكل كبير على حزب الله وإيران في خوض الحرب الأهلية، لم يفتح جبهة خاصة به.
وقال ضابط المخابرات السوري: "لا نريد أن نضع أنفسنا في مواجهة أو حرب مفتوحة مع إسرائيل". وذكرت ثلاثة مصادر مطلعة لـ"رويترز"، أن الأسد لم يتخذ أي إجراء لدعم حماس بعد تهديدات إسرائيلية.
وقال اثنان من المصادر، إن الإمارات نقلت التهديدات الانتقامية عن إسرائيل، بينما نفى مسؤول إماراتي هذه الأنباء قائلاً إن "لا أساس لها من الصحة". ولم تتلق رويترز رداً من وزارة الإعلام السورية للتعليق على الخبر.
وقال المصدر الثالث إن الرسالة كان لها صدى لدى حزب الله. وأضاف: "أخذ حزب الله التهديد على محمل الجد، لأنه سيكلفه كل ما بناه في سوريا خلال السنوات الأخيرة".