تواجه بريطانيا اتهامات بازدواجية المعايير لعدم دعمها الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ضد الاحتلال الإسرائيلي بتهمة ارتكاب الأخير "إبادة جماعية" في غزة، بحسب ما أفادت صحيفة The Guardian البريطانية.
كانت بريطانيا قد قدمت رسمياً حُجَجاً قانونية مُفصَّلة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي قبل ستة أسابيع ضد ميانمار، بتهمة ارتكاب الأخيرة "إبادة جماعية" ضد جماعة الروهينغا العرقية، من خلال سوء معاملتها الجماعية للأطفال، والحرمان الممنهج للناس من حقوقهم في السكن والغذاء.
وبينما أصدرت بريطانيا "إعلان التدخل" المُكوَّن من 21 صفحة بالاشتراك مع خمس دول أخرى ضد ميانمار، فإنها لم تدعم جنوب أفريقيا بينما تستعد لمحاولة إقناع محكمة العدل الدولية يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني 2024، بأنَّ إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وبحسب تقرير بريطانيا بشأن ميانمار، فعندما يتعلق الأمر بالأطفال تقل العتبة الدنيا اللازمة لتعريف ممارسات ضارة بأنها إبادة جماعية مقارنةً بالبالغين.
وقال التقرير إنَّ الإجراءات الأخرى التي يمكن تعريفها على أنها إبادة جماعية إذا مورست بمنهجية، تشمل التهجير القسري من المنازل، والحرمان من الخدمات الطبية، وفرض نظام غذائي لا يوفر إلا حد الكفاف.
ويقول التقرير إنه نظراً لندرة إعلان النية لارتكاب الإبادة الجماعية، فإنَّ تقييم المحكمة لا ينبغي أن يقتصر على التصريحات الصريحة أو أعداد القتلى، بل على الاستدلال المعقول المُستمَد من النمط السلوكي والأدلة الواقعية.
في السياق، قال طيب علي، رئيس قسم القانون الدولي في شركة المحاماة Bindmans، إنَّ أهمية تقرير المملكة المتحدة بشأن ميانمار "تكمن في إظهار الأهمية التي توليها المملكة المتحدة للالتزام باتفاقية الإبادة الجماعية [الأمم المتحدة]، وفي إظهار أنَّ المملكة المتحدة تبنت المنظور الأوسع عند تعريف أعمال الإبادة الجماعية ونية ارتكاب الإبادة الجماعية. كما أوضحت أنَّ المحكمة يجب أن تأخذ في الاعتبار المخاطر التي تهدد الحياة بعد وقف إطلاق النار بسبب الإعاقات وعدم القدرة على عودة الناس إلى منازلهم، ومعاناة الظلم على نطاق أوسع".
وأضاف علي: "سيكون من الخداع تماماً أن تتبنى المملكة المتحدة الآن، بعد ستة أسابيع من تقديم مثل هذا التعريف المهم والواسع للإبادة الجماعية في حالة ميانمار، تعريفاً ضيقاً في حالة إسرائيل".
ومن المرجح أن تُسلِّط جنوب أفريقيا الضوء على الحُجَج التي قدمتها المملكة المتحدة بشأن ميانمار، بالاشتراك مع كندا وألمانيا والدنمارك وفرنسا وهولندا، عند توجيه اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، يُسلِّط التقرير بشأن ميانمار الضوء على أهمية الأطفال في تقييم الإبادة الجماعية، إذ قُتِل ما يقرب من 10,000 طفل ورضيع في غزة، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع، بما يمثل نحو 40% من القتلى.
ويُذكِّر التقرير أيضاً محكمة العدل الدولية بأنها قد اعترفت بالفعل بأنَّ "المادة 11 (ج) من الاتفاقية، تغطي أساليب التدمير الجسدي، بخلاف القتل، التي يسعى من خلالها مُرتكِب الجريمة إلى قتل أعضاء المجموعة في نهاية المطاف".
ويشير إلى أنَّ الأمثلة على هذا السلوك التي اعترفت بها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا تشمل "إخضاع مجموعة من الناس لنظام غذائي لا يوفر إلا حد الكفاف، والطرد المنهجي من المنازل، وتقديم الخدمات الطبية الأساسية بأقل من الحد الأدنى المطلوب".
وبحسب تسريب لموقع "أكسيوس" الأمريكي، فقد أمرت إسرائيل بالفعل دبلوماسييها ببناء معارضة دولية لقضية جنوب أفريقيا، مشيرة إلى أنَّ صدور حكم ليس في صالحها "لن تكون له آثار محتملة كبيرة في العالم القانوني فحسب، بل ستترتب عليه أيضاً تداعيات عملية ثنائية ومتعددة الأطراف واقتصادية وأمنية".
وتتخذ حكومة الاحتلال الإسرائيلي أيضاً خطوات للنأي بنفسها عن بعض التصريحات الأكثر تطرفاً حول تهجير الفلسطينيين من غزة، التي أدلى بها الوزراء وغيرهم من السياسيين المُنتخَبين.