واصلت سنة 2023، سلسلة الانقلابات العسكرية التي طبعت السنوات الـ3 الأخيرة في القارة الأفريقية، يدعمها ضعف التنمية والاستقرار السياسي، ووسط أزمات أمنية جعلت عدة دول تتخبط في سلسلة انقلابات متتالية.
وعرفت السنة الجارية الإطاحة بحكومتين منتخبتين في كل من النيجر والغابون، بعد انتقال عدوى الانقلابات، التي شهدتها كل من مالي وتشاد وغينيا وبوركينا فاسو، ليبلغ إجمالي انقلابات السنوات الثلاث الأخيرة 8 انقلابات.
"عربي بوست" عاد في هذا التقرير إلى الانقلابات التي شهدتها سنة 2023، مع رصد أبرز الأحداث التي تبعت وصول العسكر إلى الحكم في النيجر والغابون..
انقلاب النيجر.. ذعر دول الساحل
في وقت مبكر من يوم 26 يونيو/حزيران 2023، احتجز أفراد من الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس محمد بازوم في قصره، وأعلنوا تلفازياً استيلاءهم على السلطة لإنهاء "الوضع الأمني المتدهور وسوء الحوكمة".
وبعدها بأيام عيّن المجلس العسكري قائد قوات الحرس الرئاسي عبد الرحمن تياني، رئيساً جديداً للبلاد.
وتُعد النيجر مستعمرة فرنسية سابقة، ظلت واحدة من آخر حلفاء الدول الغربية في منطقة الساحل، وتمتلك البلاد احتياطيات غنية من اليورانيوم التي تعتمد عليها فرنسا.
الانقلابيون يهاجمون فرنسا
اتهم المجلس العسكري في النيجر فرنسا بنشر قواتها في عدد من دول غرب أفريقيا؛ استعداداً لشن عدوان على النيجر.
وقال المتحدث باسم المجلس، العقيد أمادو عبد الرحمن، في بيان تلاه عبر التلفزيون الوطني إن فرنسا تواصل نشر قواتها في عدد من بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في إطار استعدادات لشن عدوان على النيجر تخطط له بالتعاون مع هذه المجموعة.
وأضاف البيان أنه تم منذ الأول من سبتمبر/أيلول 2023 نشر طائرتي نقل عسكريتين من طراز "إيه إم 400″، وواحدة من طراز "دورنييه 328″، في إطار تعزيزات عسكرية في ساحل العاج، وأن مروحيتين من طراز "سوبر بوما" متعددتي المهمات" و"نحو 40 مركبة مدرعة" قد نشرت في كاندي ومالانفيل في بنين.
غضب فرنسي من نيامي
لم تتوانَ باريس في الرد على الانقلاب على رئيس النيجر بازوم، حيث لجأت إلى شجب الانقلاب، والتأكيد أن فرنسا لن تتعامل مع سلطة غير شرعية وصلت إلى سدة الحكم عن طريق رفع السلاح ضد الرئيس الشرعي للبلاد.
وجاء رد الفعل الفرنسي سريعاً على انقلاب النيجر، حيث قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الانقلاب في النيجر ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم "خطير" على النيجريين والنيجر والمنطقة بأسرها، ودعا للإفراج عنه.
كما قالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، إن قيام العسكريين بالسيطرة على الحكم في النيجر ليس نهائياً بعد، وأن إيجاد مخرج لا يزال ممكناً، في إشارة لما تبع الانقلاب من مساعٍ فرنسية لإنهائه.
عدوى الانقلابات تصل الغابون
في 30 أغسطس/آب الماضي، ظهرت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني على التلفزيون الوطني في ساعات الصباح الأولى، وأعلنوا أنهم قد تولوا السلطة بعد إعلان هيئة الانتخابات الحكومية فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة.
وذكر العسكر المنقلبون على الرئيس بونغو، الذي حكم البلاد منذ 2009، أنهم يمثلون كل قوات الأمن والدفاع في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا.
وأعلن الانقلابيون إلغاء نتائج الانتخابات، وإغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، وحل المؤسسات الحكومية بعدما اتهموا السلطات بتزوير العملية الانتخابية وهو ما يجعلها لا تحظى بأي مصداقية.
ولم يكن انقلاب الغابون مفاجئاً، في ظل مؤشرات الاحتقان الداخلي التي تشير إلى تراجع شرعية الرئيس المخلوع علي بونغو، منذ توليه حكم البلاد خلفاً لوالده عمر بونغو، الذي تولى زمام الأمور منذ 1967.
وفي ظل فشل الوسائل السلمية في التغيير عبر صندوق الانتخابات، كان واضحاً أن آفاق الحل السياسي باتت صعبة في البلاد، فالجولات الانتخابية الثلاث التي خاضها بونغو ترافقت مع تضييقات واعتقالات ضد خصومه ومعارضيه، وهو ما جعل البلاد في كف عفريت.
ولم يمر هذا الانقلاب مرور الكرام على بعض التكتلات الأفريقية، حيث قررت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا "إيكواس"، يوم 4 سبتمبر، تعليق عضوية الغابون حتى عودة النظام الدستوري فيها.
وقال رئيس غينيا الاستوائية، الذي ترأس اجتماع التكتل، إن الوضع في الغابون "يشكل مصدر تهديد للسلم والأمن" في دول المجموعة الاقتصادية لوسط أفريقيا، مندداً باستخدام القوة لحل الخلافات السياسية والاستيلاء على السلطة.
حمى الانقلابات تحاصر زعماء أفارقة
وخلّف توالي العمليات الانقلابية خوفاً وسط الزعماء الأفارقة، حيث قرر الرئيس الكاميروني بول بيا، البالغ من العمر 90 عاماً، والذي يحكم منذ 1982 تغيير العديد من قيادات الجيش، كما أعلن الرئيس السنغالي أنه لن يسعى لفترة حكم ثالثة، خلال إجراء انتخابات رئاسية في العام المقبل.
وينص الاتحاد الأفريقي على التعامل بصرامة مع الأنظمة الانقلابية، حيث يقرر مباشرة تعليق عضويتها في الاتحاد.
كما عمل منذ تأسيسه سنة 2000 عوض منظمة الوحدة الأفريقية على إطلاق مشاريع طموحة للوقوف في وجه الانقلابات في هذه القارة الغنية، سواء من خلال "أجندة أفريقيا 2063″، ومبادرة إسكات البنادق، وإطلاق مشروع المنطقة الأفريقية الحرة، للعمل على المزاوجة بين الحلول السياسية والتنموية، كون أغلب النزاعات لها مرجع تنموي.
من جهتها، المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أعلنت عن سلسلة عقوبات تشمل أفراداً وكيانات على ارتباط بقادة الانقلابات الأخيرة، سيما في النيجر، حيث لوحت بالتدخل العسكري.
تراجع فرنسي في المنطقة وصعود روسي-صيني
وإن اختلفت الخلفيات والأسباب الداخلية لكل انقلاب عن الآخر، إلا أنها خلفت قراءات متقاربة بخصوص الفواعل الخارجية، إذ اعتبر خبراء أن انقلابي كل من الغابون والنيجر ضربة قاسمة للنفوذ الفرنسي في القارة السمراء، بعد صفعة انقلابي مالي وبوركينافاسو.
ويمثل اليورانيوم القادم من النيجر ركيزة أساسية لمحطات توليد الطاقة الكهربائية في باريس، ناهيك عن النفط من الغابون، فضلاً عن ثروات الخشب والذهب القادمة من أنحاء مختلفة من القارة.
فبذلك يمثل إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، انسحاب قوات بلاده من النيجر، ضربة موجعة، إذ توضح الاحصائيات الخاصة بوزارة المالية الفرنسية أن سنة 2022 مثلت النيجر المرتبة الثانية ارتباطاً بالواردات الفرنسية من المنتجات المعدنية (بقيمة 142.3 مليون يورو)، المكونة حصرياً من اليورانيوم. والتي تمثل أكثر من 98% من مشتريات باريس في المنطقة.
ومقابل هذا التراجع الفرنسي برز التعاون الروسي الأفريقي، حيث استندت تقارير إعلامية إلى وجود تعاون بين مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية مع عدة دول على غرار جمهورية أفريقيا الوسطى.
كما برز للسطح التفوق الصيني، والذي يستند بالأساس إلى النفوذ الاقتصادي في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ هنا، أغسطس الماضي، في حوار قادة الصين وأفريقيا، بجوهانسبورغ أن الصين تعتزم إطلاق "مبادرة دعم التصنيع في أفريقيا"، التي ستدعم أفريقيا في تنمية قطاع الصناعات التحويلية وتحقيق التصنيع والتنوع الاقتصادي، حسبه.