كشف تحقيق أجرته صحيفة The New York Times الأمريكية، السبت 30 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان يعاني من نقص في عناصره، ولم تكن قواته في مواقعها المناسبة حينما شنَّت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" رداً على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن جيش الاحتلال كان يعاني من سوء تنظيم كبير، لدرجة أنَّ الجنود كانوا يتواصلون عبر مجموعات ارتجالية عبر تطبيق "واتساب"، واعتمدوا على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات حول الأهداف، فيما سارعت القوات الخاصة للاحتلال إلى ساحة القتال وهي مسلحة فقط من أجل قتال قصير. وتلقَّى طيارو المروحيات أوامر بالاطلاع على التقارير الإخبارية والقنوات على تطبيق "تليغرام" من أجل اختيار الأهداف.
استنفار وفوضى لدى الاحتلال
بعيداً عن مقر جيش الاحتلال الإسرائيلي في تل أبيب، في مخبأ محصن يُعرَف باسم "الحفرة"، كان القادة يحاولون فهم التقارير حول إطلاق حماس للصواريخ جنوبي إسرائيل في وقتٍ مبكر من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحينها ورد اتصال، كان المتصل قائد من الفرقة التي تشرف على العمليات العسكرية بطول الحدود مع غزة، وكانت قاعدتهم تحت الهجوم. ووفقاً لمسؤول عسكري مطلع على المكالمة لم يستطع القائد وصف نطاق الهجوم أو تقديم المزيد من التفاصيل، لكنَّه طلب إرسال كل التعزيزات المتاحة.
وعند الساعة 7:43 صباحاً، أي بعد أكثر من ساعة من بدء الهجوم الصاروخي واقتحام الآلاف من مقاتلي حماس لمستوطنات غلاف غزة، أصدرت "الحفرة" أول أوامرها بنشر القوات في ذلك اليوم. وقد أمرت كافة قوات الطوارئ بالتوجه جنوباً، جنباً إلى جنب مع كل الوحدات المتاحة التي يمكنها فعل ذلك سريعاً.
لكنَّ القادة العسكريين في البلاد لم يكونوا مدركين بعد أنَّ اجتياحاً لإسرائيل كان يجري بالفعل على قدمٍ وساق.
وبعد ساعات كان المواطنون الإسرائيليون اليائسون لا يزالون يدافعون عن أنفسهم ويطلبون المساعدة. وقد توفي نحو 1200 شخص، بينما فشل من يصفه الغرب بـ"أكثر جيوش الشرق الأوسط تقدماً" في حماية الأرواح.
قد يستغرق فهم الأسباب الكاملة وراء الاستجابة البطيئة من جانب الجيش شهوراً، ولعل الأمر الأكثر إدانة حسب ما تقوله الصحيفة هو أنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تكن لديه حتى خطة للرد على هجوم كبير النطاق من جانب حماس على الأراضي الإسرائيلية، وذلك وفقاً لجنود وضباط حاليين وسابقين. وقال الجنود إنَّه حتى لو كانت هنالك خطة كهذه فإنَّ أحداً لم يتدرَّب عليها أو يتبعها.
الجنرال يوم توف سامية، وهو لواء في قوات الاحتياط وقائد سابق للقيادة العسكرية الجنوبية قال: "عملياً، لم يكن هناك إعداد دفاعي صحيح أو تسليح أو بناء قوة لمعركة كهذه".
فيما قال أمير أفيفي، العميد في قوات الاحتياط ونائب القائد السابق لفرقة غزة: "لم تكن هناك خطة دفاعية لهجوم مفاجئ من ذلك النوع الذي رأيناه في 7 أكتوبر/تشرين الأول".
ويتعارض غياب الاستعداد الواضح هذا مع مبدأ تأسيسي لعقيدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ أيام رئيس وزراء إسرائيل الأول ووزير دفاعها الأسبق، ديفيد بن غوريون، كان الهدف هو أن تكون إسرائيل في موقع الهجوم دوماً، أي توقّع الهجمات وخوض المعارك.
لا خطة لدى الاحتلال للتصدي للهجوم!
وتُظهِر الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة The New York Times والمقابلات التي أجرتها بشأن الهجوم أنَّ معظم فشل جيش الاحتلال كان يعود إلى عدم وجود خطة، إلى جانب سلسلة من الأخطاء الاستخباراتية في الأشهر والسنوات السابقة على الهجوم.
فقد أصدرت الوكالات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تقييمات متكررة تفيد بأنَّ حماس غير مهتمة أو قادرة على شن اجتياح كبير. وتمسَّكت السلطات بهذا الرأي حتى حين حصلت إسرائيل على خطط معارك لحماس، كشفت عن أنَّ الاجتياح هو بالضبط ما كانت تخطط له الحركة.
وكان مسؤولو الاستخبارات ينظرون إلى فكرة إمكانية تنفيذ حماس لهجوم طموح باعتبارها مستبعدة، حتى إنَّهم قلصوا التنصت على الاتصالات اللاسلكية لحماس، بعدما خلصوا إلى أنَّها تمثل مضيعة للوقت.
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلية قد قررت أن يكون الحرس المدني غير المنظم كثيراً، والمعروف باسم "مجموعة الاستعداد الدائم" (كيتات كونينوت)، هو أول خط دفاعي في البلدات والقرى قرب الحدود، لكنَّ الحراس كانت لديهم معايير تدريب مختلفة. ووفقاً لمسؤولين عسكريين إسرائيليين مطلعين على فرق المتطوعين هذه، فإنَّهم قد حذروا لسنوات من أنَّ بعض وحدات الحرس ضعيفة التدريب والتسليح.
بالإضافة إلى ذلك، لم تكن قوات احتياط الجيش مستعدة للتعبئة والانتشار السريعين، وتحدث البعض عن التوجه جنوباً بمبادرات شخصية منهم.
فيما استفادت حماس من هذه الأخطاء بطرق أخَّرت الاستجابة الإسرائيلية أكثر، إذ أغلق مقاتلوها تقاطعات الطرق السريعة الرئيسية، ما أدَّى إلى انخراط الجنود في معارك بالأسلحة النارية خلال محاولتهم دخول البلدات المحاصرة. وأدَّى حصار حماس للقاعدة العسكرية في جنوب إسرائيل إلى تعطيل مركز القيادة في المنطقة، ما أدَّى إلى شلّ استجابة جيش الاحتلال.
قادة الاحتلال أساءوا فهم الهجوم
كان الجنرال باراك حيرام، والذي كان من المنتظر أن يتولى قريباً قيادة فرقة على طول حدود غزة، قد توجه جنوباً ليرى بنفسه كيف هي استجابة الجنود لما بدا وكأنه هجوم روتيني.
وتحدث في مقابلة عن الرسائل النصية التي وردته من جنودٍ كان يعرفهم في المنطقة، منها: "تعالوا أنقذونا"، و"أرسلوا الجيش بسرعة، إنَّهم يقتلوننا"، و"عذراً لأنَّنا نلجأ إليك، لكن نفد منا السلاح بالفعل".
فيما كانت وحدات القوات الخاصة من بين أولى الوحدات التي يتم تعبئتها في ذلك الصباح، وقال البعض إنَّها سارعت إلى الدخول في القتال بعد تلقيها رسائل تناشدها المساعدة، أو بعد معرفتها بحدوث عمليات تسلل من وسائل التواصل الاجتماعي.
لكنَّ حجم الفرق الصغير كان يشير إلى أنَّ القادة أساءوا فهم التهديد، إذ انتشرت القوات بالمسدسات والبنادق الهجومية، وهي أسلحة تكفي لمواجهة فرقة من محتجزي الرهائن، لكن ليس لخوض معركة شاملة.
وتُظهِر وثائق لم يُكشَف عنها سابقاً واطلعت عليها الصحيفة الأمريكية مدى سوء قراءة جيش الاحتلال للوضع بشكل كبير. إذ تُظهِر السجلات من وقتٍ مبكر ذلك اليوم أنَّ الاحتلال حتى خلال الهجوم كان لا يزال يُقيِّم حماس بأنَّها ستكون، في أفضل الأحوال، قادرةً على اختراق السياج الحدودي الإسرائيلي في بضع مناطق فقط.
وتُظهِر وثيقة استخباراتية منفصلة، أُعِدَّت بعد أسابيع، أنَّ فرق حماس في الواقع اخترقت السياج في أكثر من 30 موقعاً، وسرعان ما تحركت عميقاً داخل مستوطنات غلاف غزة.
وقد تدفَّق مقاتلو حماس بأسلحة رشاشة ثقيلة، وقاذفات صاروخية (RPG)، وألغام أرضية وغيرها. لقد كانوا مستعدين للقتال لأيام، في حين اعتقدت القوات الخاصة للاحتلال على ما يبدو أنَّها ستقاتل لساعات فقط.
تحرك نادر للشاباك لمواجهة طوفان الأقصى
كان الوضع مريعاً للغاية، لدرجة أنَّ مدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، أصدر أمراً نادراً عند الساعة التاسعة صباحاً. إذ أبلغ كل الموظفين المدربين على القتال ويحملون السلاح بالتوجه جنوباً، ولا ينشط الشاباك عادةً مع جيش الاحتلال، وقد قُتِلَ 10 من عناصره ذلك اليوم.
فيما أقر جيش الاحتلال بأنَّه نقل سريتين من القوات الخاصة- أكثر من 100 جندي- إلى الضفة الغربية، قبل يومين فقط من الهجوم، وهو ما يعكس اعتقاد إسرائيل الخاطئ بأنَّ هجوم حماس لم يكن تهديداً وشيكاً.
وبذلك بقيت ثلاث كتائب مشاة وكتيبة دبابات واحدة على حدود غزة، لكنَّ السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان عطلة عيد سمحات توراه، وكان يوم سبت كذلك. ويُقدِّر ضابط كبير بجيش الاحتلال أنَّ نصف الجنود البالغ عددهم 1500 في المنطقة كانوا متغيبين. وقال أيضاً إنَّه تم إعادة تكليف كتيبة مشاة أخرى بمهمة مختلفة قبل سنوات بعد انتهاء إسرائيل من بناء السياج الأمني حول غزة.
وليس واضحاً ما إن كانت حماس على علم بأنَّ الجيش يعاني من نقص في العنصر البشري أم لا، لكنَّ تداعيات ذلك كانت مميتة. فحين بدأ الهجوم كان الكثير من الجنود يقاتلون لحماية أرواحهم بدلاً من حماية السكان في المناطق المجاورة. واقتحمت حماس إحدى القواعد، ناحل عوز، وأرغمت جنود الاحتلال على مغادرتها وتركوا وراءهم أصدقاءهم الموتى.
كما عملت حماس أيضاً على إضعاف تفوق إسرائيل في القوة النارية. فقال العقيد هشام إبراهيم، قائد سلاح المدرعات، إنَّ "المقاتلين" استهدفوا الدبابات الإسرائيلية، فأصابوا العديد منها. ونفدت الذخيرة من الدبابات، ما دفع طواقمها للقتال مع جنود الاحتلال على الأرض.
حماس توجه ضربة استراتيجية للاحتلال
ووجَّهت حماس ضربة استراتيجية أخرى ذلك الصباح أدَّت إلى إعماء جيش الاحتلال الإسرائيلي تقريباً في لحظة حرجة، إذ تُعَد قاعدة "رعيم" مقراً لفرقة غزة، والتي تشرف على كل العمليات العسكرية في المنطقة. وهي مقر أيضاً للوائين، شمالي وجنوبي، مُخصَّصين لحماية نحو 40 ميلاً (64.4 كم تقريباً) من الحدود.
ووفقاً لضابط عسكري كبير، كان قائد لواء ومسؤولون رئيسيون بعيدين عن القاعدة. وقال المسؤول إنَّهم تم استدعاؤهم للعودة قبل الفجر في ظل محاولة الاستخبارات الإسرائيلية فهم نشاط حماس غير المعتاد على الجهة المقابلة من الحدود مع غزة مباشرةً.
لكن سُمِحَ للكثير من الجنود بالبقاء نائمين. وقال أحدهم لصحيفة The New York Times إنَّ البعض لم يعرف أنَّهم يتعرَّضون لهجوم حتى كانت حماس في مهاجعهم.
ووفقاً لأحد الجنود ممَّن كانوا في القاعدة، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد أدَّى الهجوم على رعيم إلى انقطاع شبه تام للاتصالات داخل الوحدة التي تُنسِّق تحركات القوات في جنوب إسرائيل، وقد استغرق الأمر من الجيش معظم اليوم من أجل استعادة السيطرة على قاعدة رعيم.