خلافات بين الفصائل الشيعية بالعراق بسبب حرب غزة.. بعضها يرغب في التصعيد بعد تهديدات واشنطن باغتيال قادتها

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/28 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/28 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
الحشد الشعبي يحاصر السفارة الأمريكية في بغداد/ رويترز

علم "عربي بوست" من مصادر عراقية مطلعة، أن حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة تسببت في خلاف بين الفصائل العراقية والمدعومة من طرف طهران، التابعة لمحور المقاومة.

وأضافت المصادر نفسها أن هناك انقساماً في توجه التصعيد ضد المصالح الأمريكية في العراق، خصوصاً بعد التهديد الذي تلقاه رئيس الوزراء العراقي، محمد الشياع السوداني من طرف واشنطن.

ومنذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/كانون الثاني 2023، قامت فصائل المقاومة الشيعية في العراق، المدعومة من إيران، بتوجيه ما يقرب من 100 هجوم بصواريخ وطائرات من دون طيار ضد القوات العسكرية الأمريكية بالعراق وسوريا.

في المقابل، وحسب ما أكدته مصادر "عربي بوست"، فإن قادة من الحرس الثوري اجتمعوا مع قادة فصيل كتائب حزب الله العراقي في منطقة جرف الصخر؛ استعداداً لأي تصعيد بين الفصائل العراقية المسلحة والولايات المتحدة، بعد اغتيال قائد الحرس في سوريا، العميد رضي موسوي بضربة جوية إسرائيلية.

مقابل ذلك، كشف مصدر في الحشد الشعبي العراقي، ومقرب من إيران، لـ"عربي بوست" أن "الوضع بدأ يتطور في الآونة الأخيرة بسرعة كبيرة، والعراق معرّض في أي وقت لخطر التصعيد الخطير بين الفصائل المسلحة وواشنطن".

في هذا التقرير سعى "عربي بوست"، بعد تواصله مع مجموعة من المصادر، لكشف تفاصيل ما يجري بين فصائل المقاومة الإسلامية الشيعية في العراق من جهة، وبين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من جهة أخرى.

واشنطن تتجاوز الخطوط الحمراء

صباح الثلاثاء 27 ديسمبر/كانون الأول، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي إن الرئيس جو بايدن أمر بتوجيه ضربات ضد مناطق تمركز مقاتلي كتائب حزب الله العراقية، بعد استهداف قاعدة عسكرية أمريكية في أربيل أُصيب على أثرها جندي أمريكي بإصابة خطيرة.

وكانت نتيجة الضربات الأمريكية مقتل شخص وإصابة آخرين، هذا بالإضافة إلى الهجوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ضد كتائب حزب الله، والذي أسفر عن مقتل 8 وإصابة 4 آخرين.

يقول قيادي في كتائب حزب الله العراقية لـ"عربي بوست": "لقد قام الأمريكيون بتغيير الخطوط الحمراء بشكل مفاجئ لم تتوقعه فصائل المقاومة العراقية، كان هناك اتفاق ضمني بعدم قتل أي جندي أمريكي في هجمات فصائل المقاومة بشرط إلا تقوم واشنطن باستهداف مقاتلي المقاومة العراقية".

وأضاف المصدر ذاته، قائلاً "لكن بشكل مباغت قرر الأمريكيون قتل 8 من أعضاء كتائب حزب الله، بعد أن استهداف السفارة الأمريكية في أربيل، دون إصابة أي موظف أو جندي أمريكي".

من جهته يقول قيادي آخر من كتائب حزب الله لـ"عربي بوست" إن "حكومة السوداني أخبرتنا بأن غضب واشنطن كان بسبب استخدام الصواريخ الباليستية خلال الهجوم على السفارة الأمريكية".

تهديد السوداني

قالت مصادر عراقية مطلعة وإيرانية لـ"عربي بوست" إن واشنطن قد وجّهت في الأيام القليلة الماضية أكثر من تهديد شديد اللهجة لكل من حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وإلى طهران.

وأضاف المتحدث أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا رئيس الوزراء العراقي بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد نفد صبره، وواشنطن لن تتحمَّل المزيد من الهجمات على قواعدها في العراق وسوريا".

وفي تفاصيل أكثر، يقول مصدر حكومي عراقي مقرّب من رئيس الوزراء العراقي لـ"عربي بوست": "في الأيام الثلاثة الماضية اتصل مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الأمريكي بالسوداني أكثر من مرة، لحثه على إحكام السيطرة على الفصائل العراقية".

ووصف المصدر الحكومي العراقي التحذيرات الأمريكية لمحمد شياع السوداني بأنها بمثابة تهديد شديد ومباشر، قائلاً: "الأمريكيون اخبروا السوداني بشكل مباشر، بأنه إذا لم يتمكن من السيطرة على الفصائل العراقية المسلحة، فإنهم سوف يذهبون إلى اغتيال مباشر للقادة".

ويصف المصدر ذاته، الأمر بأنه سيكون كارثة على العراق قائلاً: "قبل الانتخابات المحلية في العراق طلب السوداني من واشنطن التهدئة لاكمال الانتخابات بنجاح، لكن بعد الانتهاء من الانتخابات يرى الأمريكيون أنه لا حجة أمام السوداني، ويجب عليه التحرك بشكل للسيطرة على الفصائل المسلحة العراقية".

ويرى مصدر حكومي عراقي، مقرب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أنه إذا أقدمت واشنطن على اغتيال قائد كبير من قادة الفصائل المسلحة العراقية، سيتعرض العراق إلى حرب فوضوية.

تلقى السوداني تهديدات من طرف أمريكي لكبح جماح الفصائل العراقية (أرشيف)
تلقى السوداني تهديدات من طرف أمريكي لكبح جماح الفصائل العراقية (أرشيف)

ويوافقه الرأي سياسي شيعي عراقي، مقرب من رئيس الوزراء العراقي، والذي قال لـ"عربي بوست"، "إذا حدث ونفّذ الأمريكيون تهديدهم باغتيال قادة من الفصائل، سيُشعل العراق بأكمله، ولن يستطيع أحد السيطرة عليه وستكون العواقب كارثية".

وأضاف المصدر ذاته، قائلاً "السوداني في موقف حرج للغاية، فهو يعلم والجميع يعلمون أنه لا يستطيع السيطرة على الفصائل المسلحة العراقية، خاصة المنتمية لمحور المقاومة؛ لذلك فالاستقرار الذي حاول جاهداً تحقيقه في الأشهر الأولى من توليه منصبه، مهدد الآن".

وأضاف المتحدث أن السوداني لم يستطع كبح الفصائل، التي تمادى قادتها واستخدموا الصواريخ الباليستية، لذلك كان رد الفعل الأمريكي عنيفاً، وقاموا بقتل أعضاء من كتائب حزب الله، على الرغم من عدم إصابة أي أمريكي في هجوم حزب الله العراقي".

بالتوازي، قال مصدر دبلوماسي إيراني لـ"عربي بوست" إن واشنطن أرسلت عبر وسطاء رسالة تهديد شديدة اللهجة خلال اليومين الماضين لطهران، لوقف الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق.

ويقول المصدر لـ"عربي بوست": "إدارة بايدن لم تعد قادرة على تفسير صمتها أمام هجمات الفصائل العراقية ضد قواعدها في العراق وسوريا لخصومها من الجمهوريين، لذلك كانت رسالتها الأخيرة لطهران شديدة اللهجة، وطلبت فيها وقف جميع العمليات ضد قواعدها في العراق وسوريا، وإلا فسوف توجه ضربة مباشرة لطهران وقادة الفصائل المسلحة في العراق".

خلاف بين الفصائل العراقية

وعلى الرغم من ارتفاع حدة التوتر بين الفصائل العراقي وأمريكا بسبب الحرب على غزة، نظراً لكونهم جزءاً من محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة، فإنهم ليسوا جميعاً متفقين على الانخراط في هذا الصراع.

عصائب أهل الحق، وهو فصيل شيعي مسلح قوي مدعوم من إيران، لم يلعب أي دور حتى اليوم في الهجمات التي تشنها باقي الفصائل العراقية ضد الأهداف الأمريكية في العراق، بل على العكس اتهم قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق قادة الفصائل الأخرى بأنهم يهدرون الدم العراقي.

وفي الأيام القليلة الماضية، اجتمع قادة فصائل المقاومة في العراق لبحث آخر التطورات والاستعداد لاحتمالية التصعيد، وكان من ضمن الحاضرين قيس الخزعلي وأكرم الكعبي، رئيس حركة حزب الله النجباء، واحتدم بينهم النقاش حسب مصادر لـ"عربي بوست".

يقول قيادي في فصائل المقاومة العراقية، لـ"عربي بوست" كان حاضراً في الاجتماع إن  "قيس الخزعلي مستاء من جر العراق إلى صراع مع الولايات المتحدة، خاصة بعد أن حقق الكثير من المكاسب السياسية بدعمه لحكومة السوداني".

ويضيف المصدر ذاته، قائلاً "اتهم الخزعلي كتائب حزب الله وحزب الله النجباء بالتهور وإهدار الدم العراقي مقابل لا شيء، والخزعلي يحاول إنجاح حكومة السوداني من أجل تثبيت أقدامه في الساحة السياسية، وما يحدث الآن من الفصائل العراقية بسبب حرب غزة، ضد مصالحه السياسية".

وفي نفس السياق، يقول المصدر الحكومي المقرب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لـ"عربي بوست"، "موقف العراق من القضية الفلسطينية ثابت منذ سنوات طويلة، وحتى في محاولات القادة العراقيين لموازنة العلاقة مع واشنطن كانت مسألة التطبيع العراقي مع إسرائيل غير قابلة للنقاش، لكن ما يحدث الآن والتوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية يعرض العراق لخطر كبير لا يمكن لأحد أن يتحمل نتائجه".

وأضاف المصدر ذاته، قائلاً "السوداني في موقف صعب، كان يأمل في نجاح عمل حكومته، خاصة بعد أن سيطر الإطار التنسيقي على السلطة وخرج مقتدى الصدر من الحياة السياسية وانتهت المعارك بين الإطار والتيار إلى حد كبير، لكن الآن يبدو أن كل ذلك مهدد بالانهيار".

وبحسب المصدر، فإن العراق ينتظر رد إيران على اغتيال قائد الحرس الثوري رضي موسوي، مع اقتراب ذكرى اغتيال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس النائب السابق لوحدات الحشد الشعبي العراقي"..

وأشار المتحدث إلى أن هناك احتمالاً كبيراً أن يكون الرد الإيراني على اغتيال موسوي من داخل العراق، بالإضافة إلى ذكرى اغتيال المهندس وسليماني، العراق مقبل على عام جديد مليء بالقلق والتوتر".

وكان استهداف كتائب حزب الله العراقية للسفارة الأمريكية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بالصواريخ الباليستية هو نقطة التحول في الصراع بين الفصائل المسلحة العراقية والولايات المتحدة على أثر حرب غزة.

هذا التحول ترتب عليه إصرار الفصائل العراقية المسلحة، خاصة كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وحركة حزب الله النجباء على طرد القوات الأمريكية من العراق.

ويقول قيادي من حركة حزب الله النجباء، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، "إنه الوقت المناسب لطرد الأمريكان من بلادنا، لقد تجرأوا على الدم العراقي بشكل لا يمكن تحمله، ناهيك عن دعمهم المشين لإسرائيل في قتل الفلسطينيين، الأيام المقبلة سيكون تركيزنا على تحقيق هذه المسألة".

قيس الخزعلي، قائد عصائب أهل الحق (رويترز)
قيس الخزعلي، قائد عصائب أهل الحق (رويترز)

غرفة عمليات مشتركة

بعد أيام قليلة من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، انضمت الفصائل العراقية المسلحة إلى الغرفة المشتركة لإدارة العمليات التي تقودها إيران للتنسيق بين أعضاء "محور المقاومة" الذي تقوده طهران في الشرق الأوسط.

ويحاول محور المقاومة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال شن هجمات تستهدف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط؛ لوقف الحرب على قطاع غزة.

وقامت الفصائل الشيعية العراقية بإعادة تموضع مقاتليها، وإعادة الانتشار في العديد من المناطق داخل العراق وعلى الحدود مع سوريا، بالإضافة إلى إرسال بعض الفصائل مثل حركة حزب الله النجباء وكتائب سيد الشهداء عدداً من مقاتليها إلى حزب الله في لبنان، استعداداً للاشتباك مع القوات الإسرائيلية.

لكن، وبحسب المصادر عراقية تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الفصائل العراقية كشفت عن استعدادها لاحتمال تصعيد التوتر مع الولايات المتحدة، واستهداف أهداف إسرائيلية، بعد أن كانت الهجمات العراقية منخفضة المستوى حتى وقت قريب.

يقول قيادي في الحشد الشعبي العراقي لـ"عربي بوست" إن "الفصائل العراقية كانت دائمة الاستعداد لأي مواجهة بين محور المقاومة وإسرائيل، أو بين اسرائيل وإيران بالتحديد، لذلك سعوا إلى إحكام سيطرتهم على الأماكن الجغرافية ذات الأهمية".

ويضيف المصدر ذاته، قائلاً "لكن في الآونة الأخيرة، وبعد قتل واشنطن لعناصر كتائب حزب الله، وارتفاع احتمالات توسيع الصراع في العراق، لجأت الفصائل العراقية إلى تكثيف استعدادتها من مناطق حدودية وهي القائم وسنجار شمال غرب العراق، باعتبارها أقرب الأماكن لإطلاق صواريخ اتجاه إسرائيل، بالإضافة إلى جرف الصخر".

وفي نفس السياق، قال زعيم سياسي شيعي مقرب من الفصائل المسلحة العراقية لـ"عربي بوست"، إنه "في الفترة الأخيرة كانت هناك تحركات كبيرة وعلى مستوى عال في منطقتي سنجار والقائم، خاصة أنهما ضمن نفوذ كتائب حزب الله وحركة النجباء".

ويضيف المصدر ذاته، قائلاً "في الأيام القليلة الماضية، وصل ضباط من الحرس الثوري الإيراني إلى القائم وسنجار وجرف النصر لتكثيف تدريب مقاتلي الفصائل العراقية، كما وصلت طائرات بدون طيار جديدة إلى الفصائل في هذه المناطق".

وأشار المتحدث إلى أنه لا يمكن لأحد إغفال ما يحدث من تحركات الفصائل العراقية في الأيام الاخيرة، والتوتر عال وخطر التصعيد قريب من العراق".

تحميل المزيد