“صحوة الجيل الجديد”! تقرير يسلط الضوء على انتفاضة الشباب الأمريكي المسلم ضد إسرائيل في أماكن “غير متوقعة”

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/26 الساعة 19:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/26 الساعة 19:43 بتوقيت غرينتش
مظاهرات في أمريكا تطالب بوقف إطلاق النار بغزة/رويترز

سلط تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، الضوء على الاحتجاجات التي ينظمها ما وصفه بالجيل الجديد من الجالية المسلمة ومن أصول فلسطينية في الولايات المتحدة لدعم القضية الفلسطينية؛ بهدف تسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة والأراضي المحتلة.

"أسماء" هي فلسطينية أمريكية تبلغ 17 عاماً من عمرها، طفح بها الكيل وهي تتابع حلقات العدوان الإسرائيلي على غزة، لتقرر تنظيم احتجاج لدعم القضية الفلسطينية داخل مكان غير متوقع على الإطلاق، وهو قاعة محكمة في هنتسفيل بولاية ألاباما.

في البداية، كانت أسماء تخشى ألا يحضر أحد، حيث كانت تعلم أنها في مدينة محافظة لا تهتم عادة بقضايا الاحتجاج ضد الحروب الجارية خارج البلاد.

لكن العشرات من أقرانها المسلمين تدفقوا على ميدان البلدة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع بدء المسيرة، وبينهم نسوة يرتدين الحجاب، حاملين لافتات تندد بالغزو الإسرائيلي لقطاع غزة، ثم حضرت وسائل الإعلام المحلية، فأدركت أسماء أنها نجحت في ربط مدينتها بصراع يجري في النصف الآخر من الكوكب.

احتجاجات مناصرة للفلسطينيين بكافة أنحاء البلاد

إذ بدأت تنتشر الاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين في محنتهم بكافة أنحاء البلاد، من أقاصي الجنوب ووصولاً إلى أبالاشيا والمجتمعات الريفية نسبياً في الغرب الأوسط. 

ويبرهن هذا على استمرار انتشار السكان المسلمين الأمريكيين داخل قلب البلاد، حيث نظّم أبناء اللاجئين من الدول المسلمة العديد من التظاهرات، في دلالةٍ على صحوة سياسية يعيشها جيل جديد من الشباب الأمريكي، الذي يساهم بدوره في تشكيل الرأي العام المحلي لدعم وقف إطلاق النار داخل الشرق الأوسط.

وفي أثناء ذلك، تساعد المسيرات المناهضة للحرب في أماكن مثل هنتسفيل وأكسفورد بولاية مسيسيبي وبون بولاية كارولينا الشمالية على خلق شعور بالانتماء للمجتمع بين المسلمين، الذين لم يكونوا يحلمون بقدرتهم على إنجاح تجمعات كهذه حتى وقتٍ قريب. 

والآن، يتعهّد هؤلاء بمواصلة نشاطهم للتأثير على النقاش العام، مع استعراض القوة السياسية الناشئة للمسلمين الأمريكيين.

الشباب المسلم "بلغ سن الرشد الآن"

حماد شودري (24 عاماً)، الباكستاني الأمريكي من الجيل الثاني، نظّم عدة تظاهرات مؤيدة لفلسطين في جامعة أبالاش الحكومية بمدينة بون، يقول: "إن حقيقة عيشنا هنا في الولايات المتحدة لا تعني أننا نعيش في عزلة أو انفصال عن الواقع"، مضيفاً: "نحن نعيش في عالم مُعولَم يمكن لأصغر شيء فيه أن يؤثر بشكلٍ كبير على ما يحدث في مكانٍ آخر".

بينما قال يوسف شهود، الأستاذ المساعد في جامعة كريستوفر نيوبورت بمدينة نيوبورت نيوز، إن الشباب المسلم "بلغ سن الرشد الآن" وصاروا يتحدثون عن سياسات الشرق الأوسط بلغة عجزت عنها الأجيال السابقة من المسلمين الأمريكيين.

مظاهرات في أمريكا لدعم غزة/الأناضول
مظاهرات في أمريكا لدعم غزة/الأناضول

وأوضح شاهد (40 عاماً)، المصري الأمريكي، أن الموجات الأولى من المهاجرين المسلمين ركزت على تأمين الوظائف والاستقرار داخل الثقافة الأمريكية.

ثم أردف: "والآن، أصبح الشباب في الكليات والمدارس الثانوية يشعرون بأريحية أكبر في الظهور على طبيعتهم، وصاروا أكثر استعداداً لرفع أصواتهم والاحتجاج ضد أي عدد من القضايا".

"عدد المسلمين يفوق ما كنت أظنه في السابق"

فيما نشأ خليل أبو عالية (23 عاماً)، الفلسطيني الأمريكي من الجيل الثاني، داخل ولاية تينيسي، وقال إنه لم يتصور مطلقاً أن تتضمن تجربته الجامعية تحوّله إلى ناشط مناهض للحرب، وذلك عندما كان في السنة التحضيرية للطب والصيدلة بجامعة مسيسيبي في أكسفورد.

ثم حضر خلال سنته الثانية في الجامعة لقاءً لجمعية الطلاب المسلمين التي تضم نحو 100 عضو، وقال أبو عالية: "قلت لنفسي: واو، إن عدد المسلمين يفوق ما كنت أظنه في السابق، وهذا جعلني راغباً في أن أكون أكثر نشاطاً".

وبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدأ أبو عالية وغيره من أعضاء جمعية الطلاب المسلمين يلاحظون انحياز نشطاء الكليات الأخرى إلى أحد جانبي الصراع. 

كما شعروا بالغضب نتيجة التقديرات التي تظهر أن النساء والأطفال شكلوا ثلثي أعداد الشهداء في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي، فقرروا أن الوقت قد حان للاحتجاج المناهض للحرب في جامعة مسيسيبي -التي كانت في طليعة المعارك من أجل الحقوق المدنية خلال الخمسينيات والستينيات.

وقال أبو عالية: "أشعر وكأن أكسفورد بولاية مسيسيبي تُعد مكاناً محورياً للغاية من أجل أمر كهذا، بالنظر إلى موقعها على وجه الخصوص. ونستطيع البرهنة على أن الحوار مفتوح هنا أيضاً".

"احتجاج صامت"

وجاءت أولى الفعاليات في صورة "احتجاج صامت" داخل منتزه غروف الذي تصطف الأشجار على جانبيه ويُعد رمزاً للحياة الطلابية.

بعد تلك الفعالية، بدأ أبو عالية في إعداد الطاولات لثلاث مرات أسبوعياً بالقرب من اتحاد الطلاب، في محاولةٍ للتأثير على الآخرين بالمناشدات الفردية، إذ يشارك أبو عالية صوراً للضحايا المدنيين في غزة ويعرض وجهة نظره بشأن تاريخ الصراع في تلك الطاولات.

وأوضح أبو عالية: "عندما يفكر الكثير من الناس -وخاصةً الأقليات مثلي- في الجنوب، تخطر في بالهم الصور النمطية عن وجود أشخاص شديدي الجهل لا يكترثون لأمر الآخرين. لكنك ستجد أن كل هؤلاء الناس يأتون إلى الطاولة، ولا يريدون سوى الحديث. وهم يرغبون في الاستماع إلى ما يحدث وإجراء حوار مفتوح".

محتجون أمريكيون ضد الحرب على غزة/رويترز
محتجون أمريكيون ضد الحرب على غزة/رويترز

وقد عانى الشباب المسلم من الإسلاموفوبيا والمضايقات المليئة بالكراهية بالتزامن مع زيادة تنظيمهم.

ففي هنتسفيل، طوّقت بعض المركبات المتظاهرين ووصفتهم بـ"المغتصبين" بحسب أسماء، بينما قالت سلمى طريش (21 عاماً)، التي ساعدت في تنظيم الاحتجاج داخل جامعة أبالاش الحكومية، إن البعض مروا بسياراتهم بجوار الاحتجاج "صارخين بعبارات مهينة".

لكن المتظاهرين في المدينتين قالوا إن تجاربهم الشخصية مع الإسلاموفوبيا كانت نادرة.

الترويج لقضية الحقوق الفلسطينية أصبح أسهل

ولا شك أن الشبكات الاجتماعية كانت واحدةً من المحركات الرئيسية للعديد من التظاهرات في المجتمعات الأصغر، حيث يشارك حساب Appalachians for a Free Palestine على إنستغرام مثلاً بيانات تحاول ربط القضية الفلسطينية بالكفاح العمالي والاقتصادي التاريخي لسكان أبالاشيا.

بينما قال خرام طارق، أخصائي السرطان الباكستاني الأمريكي في بون، إن الترويج لقضية الحقوق الفلسطينية أصبح أسهل في ولاية كارولينا الشمالية الريفية؛ لأن المجتمع المسلم هناك صار أكبر حجماً وأكثر رسوخاً.

وأوضح طارق أن نمو المجتمع المسلم يبرهن كيف "نضج الشتات"، وقد أدى ذلك إلى منح الأطفال مساحة أكبر لتناول القضية الفلسطينية بكل حماس.

محنة الفلسطينيين تُوحّد المسلمين

من ناحيته، أضاف شهود أن محنة الفلسطينيين الآن "تُوحّد المسلمين من كافة المجالات"، وهو أمر يختلف عن السائد في العقود الأخيرة عندما كان المسلمون الأمريكيون أكثر تركيزاً على القضايا المحلية أو تداعيات حرب الإرهاب.

ويتصادف تصاعد النشاط اليوم مع الزيادة الثابتة في النفوذ السياسي للمسلمين الأمريكيين، وهو الأمر الذي قد تكون له تداعياته في عام 2024.

حيث قال وائل الزيات، الرئيس التنفيذي لمنظمة Emgage، إن جهود تنظيم الناخبين المسلمين في عام 2020 وخلال الانتخابات النصفية العام الماضي وضعت حجر الأساس لاحتجاجات اليوم، إذ صار المسلمون الأمريكيون يشعرون بالأريحية عند مناقشة القضايا السياسية الشائكة، وهم يشعرون بالغضب اليوم حيال "ما يحدث باسمهم" في السياسة الخارجية الأمريكية.

وذكر أبو عالية أن غالبية أفراد عائلته لا يزالون في غزة أو الضفة الغربية، بينما يستطيع أبناء الجيلين الأول والثاني -في مسيسيبي على الأقل- أن يستغلوا حرية التعبير التي تعد من مزايا جنسيتهم الأمريكية، وذلك في محاولة تغيير آراء الآخرين.

وأردف أبو عالية: "نعتقد أن آباءنا (الذين عاشوا في الخارج) لم يمتلكوا تلك الأداة. وطالما أنني أتمتع بهذه الفرصة التي لم يتمتعوا بها، فلم لا أستغلها؟".

تحميل المزيد