تقول شركات ومحللون إن السفن التي تبحر حول رأس الرجاء الصالح لتجنُّب هجمات حركة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر، والتي تستهدف بها الاحتلال الإسرائيلي، تواجه خيارات ليست سهلة أيضاً بشأن أماكن التزود بالوقود والمؤن مع معاناة الموانئ الأفريقية من الروتين والازدحام وضعف المرافق.
وتغيِّر مئات السفن الكبيرة مسارها لتبحر حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، وهو طريق أطول يضيف ما بين 10 و14 يوماً للرحلة، وذلك هرباً من هجمات بطائرات مسيَّرة وصواريخ يشنها الحوثيون في البحر الأحمر دفعت أسعار النفط للصعود، وكذلك رسوم الشحن والتأمين.
هجمات الحوثيين تعطل الملاحة في البحر الأحمر
أدت الهجمات إلى تعطيل حركة التجارة الدولية عبر قناة السويس، التي تمثل أقصر طريق للشحن البحري بين أوروبا وآسيا، ويمر منها نحو سدس التجارة العالمية.
وخلص مؤشر البنك الدولي لعام 2022، الذي صدر في مايو/أيار إلى أن أكبر موانئ في دولة جنوب أفريقيا بما فيها دربان، وهو أحد أكبر موانئ أفريقيا من حيث كميات الحاويات التي يتعامل معها، وكيب تاون ونجورا من بين الأسوأ أداءً على مستوى العالم.
وقال أليسيو لينسيوني، مستشار اللوجستيات وسلاسل الإمداد، لرويترز يوم الجمعة 22 ديسمبر/ كانون الاول 2023: "حتى بالحالة التي عليها دربان الآن لا يزال الميناء الأكثر تطوراً والأكبر في أفريقيا؛ لذلك فالسفن التي تغيِّر مسارها حول القارة لديها خيارات محدودة للرسو والتزود بالوقود وغيره".
وأضاف لينسيوني أن موانئ المياه العميقة الكبيرة الأفريقية الأخرى على طول طريق رأس الرجاء الصالح، مثل مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا، تفتقر إلى المعدات والتجهيزات اللازمة للتعامل مع الازدحام المتوقع في الأسبوعين المقبلين.
وقالت "ميرسك" إن السفن التي غيَّرت مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح ستحاول قدر الإمكان التزود بالوقود في ميناء الانطلاق وميناء الوصول النهائي فقط.
وأضاف متحدث باسم الشركة: "في حالة الاحتياج للتوقف في الطريق سيتقرر الأمر حالة بحالة، وأولويتنا في الخيارات هي لميناءَي والفيس باي (ناميبيا) وبورت لويس" في موريشيوس.
العواصف تواجه الملاحة في رأس الرجاء الصالح
يقول عاملون في قطاع الشحن إن الأحوال الجوية غير المواتية وهياج البحار المعتاد عند رأس الرجاء الصالح المعروف بسبب ذلك باسم "رأس العواصف"، إضافة إلى قناة موزمبيق المعرَّضة للأعاصير، يعني أن السفن قد تستهلك وقودها أسرع؛ ما يجعل خدمات إعادة التزود بالوقود أمراً بالغ الضرورة.
وقال متحدث باسم تي.إف.جي مارين، وهي وحدة من شركة ترافيجورا لتجارة الطاقة: "في سنغافورة نقوم بتسليم كميات أكبر من الوقود للسفن التي ستبحر الآن في رحلات أطول".
وتشكل البيروقراطية أيضاً مصدر قلق. ففي سبتمبر/أيلول، احتجزت السلطات في جنوب أفريقيا خمس سفن لتزويد الوقود في خليج أنغولا للاشتباه في مخالفة قانون الجمارك والرسوم، وتعرضت شركات، منها بي.بي وترافيجورا وميركوريا، لأوامر تعليق للعمليات في انتظار نتائج للمراجعة.
ومنذ أن بدأت في جنوب أفريقيا أول عملية تزويد بالوقود البحري من سفينة إلى سفينة في خليج ألجوا في عام 2016، كان هناك ارتفاع حاد في أحجام الوقود والسفن التي تستخدمه.
ويقول محللون إن توقعات الاحتياج للمزيد من الوقود البحري تعني أنه من المنتظر زيادة الواردات إلى نحو 230 كيلوطناً في ديسمبر/كانون الأول.
وقال يونس عزوزي، محلل السوق في كبلر لتحليل البيانات: "من المتوقع أن تسجل جنوب أفريقيا مستوى قياسياً من واردات زيت الوقود في ديسمبر"، بسبب الطلب على إعادة التزود بالوقود المرتبط بأزمة الحوثيين في البحر الأحمر.
تحالف أمريكي لمواجهة الحوثيين
لمواجهة الهجمات التي يقوم بها الحوثيون ضد السفن الإسرائيلية دعماً لغزة، أعلنت أمريكا عن إنشاء تحالف دولي لمواجهة الهجمات الحوثية، لكن في الوقت نفسه تتشكك شركات الشحن البحري بشأن التحالف البحري الدولي الجديد الذي تشكله الولايات المتحدة لمواجهة الهجمات في البحر الأحمر، مع استمرار العديد من السفن في تجنب المنطقة أو إلغاء عقودها، وذلك وفق مصادر.
وتقول المصادر، وبينها مسؤولون في الشحن والأمن البحرييْن، إنه لا يُعرف سوى قليل من التفاصيل العملية عن المبادرة التي أطلقتها واشنطن الثلاثاء، أو ما إذا كانت ستنخرط بشكل مباشر في حالة وقوع مزيد من الهجمات المسلحة في البحر الأحمر.
وكثف مقاتلو جماعة الحوثي المدعومون من إيران في اليمن منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني هجماتهم على السفن في البحر الأحمر لإظهار دعمهم لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مع استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة.
وقال زعيم الحوثيين، الأربعاء، إن الجماعة ستهاجم السفن الحربية الأمريكية إذا استهدفت واشنطن جماعته. ويطلق مقاتلون حوثيون صواريخ ويشنون هجمات بحرية على السفن من زوارق سريعة. وتتصدى سفن حربية أمريكية للصواريخ التي يطلقونها.
تفاصيل التحالف الدولي ما زالت مجهولة
قال كوري رانسلم، الرئيس التنفيذي لشركة درياد غلوبال البريطانية لاستشارات المخاطر البحرية والأمن: "ما زال هناك عدد من الأمور المجهولة فيما يتعلق بالتحالف. لا نعرف على وجه التحديد عدد السفن الحربية التي ستشارك أو المدة التي ستستغرقها تلك السفن للوصول إلى المنطقة أو قواعد الاشتباك الخاصة بها وخطة الحماية الفعلية التي ستوفرها".
وأضاف: "هذه منطقة صغيرة إلى حد ما على صعيد العالم، ومع ذلك فإن توفير الحماية للسفن التجارية في هذه المنطقة يمكن أن يكون مهمة كبيرة اعتماداً على عدد السفن، إلى جانب أي تغييرات في تكتيكات الحوثيين".
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، هبطت قوة خاصة تابعة للحوثيين على متن سفينة "جالاكسي ليدر" من طائرة هليكوبتر، وأعادت السفينة إلى ميناء الحُديدة شمال اليمن. ولا تزال السفينة المحمّلة بسيارات وطاقمها رهن الاحتجاز.
وتعطل الهجمات طريقاً تجارياً رئيسياً يربط أوروبا وأمريكا الشمالية بآسيا عبر قناة السويس، وتسببت في ارتفاع تكاليف شحن الحاويات بشكل حاد مع سعي الشركات لشحن بضائعها عبر طرق بديلة أطول في كثير من الأحيان.
وقال رانسلم: "نتوقع أن يستمر التهديد الذي يواجه الشحن البحري في المستقبل المنظور طالما استمر الصراع في غزة". وأضاف: "عدد من شركات الشحن العالمية تحّول مسارها حول أفريقيا أو توقف تماماً عملياتها مؤقتاً داخل هذه المنطقة. وإذا لم تكن جهود التحالف فعالة، فإننا نتوقع تحوُّل مزيدٍ من شركات الشحن لطريق رأس الرجاء الصالح".
وانخفضت حركة المرور عبر مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن 14٪ في الفترة من 15 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول، مقارنة بالفترة من الثامن إلى 12 ديسمبر/كانون الأول، وذلك وفقاً لبيانات موقع مارين ترافيك لتتبّع السفن والتحليلات، والذي يستخدم نظام تحديد الهوية الآلي.