كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، تفاصيل عن اتفاق قالت إن الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي توصلتا إليه، إلا أن الطرفين أجّلاه بسبب الحرب على غزة، التي دخلت الأخيرة على خطها بإطلاق الصواريخ نحو الاحتلال، واحتجاز السفن الإسرائيلية، وسط خشية من الوسطاء من إعلان أمريكي لها كجماعة إرهابية، ما قد يُفشل التوقيع عليه.
وتشهد مسقط في سلطنة عمان وجنيف في سويسرا والرياض في السعودية منذ عام 2022، مفاوضات غير مباشرة بين جماعة الحوثي في صنعاء والحكومة اليمنية في عدن، المعترف بها دولياً، بوساطة أممية وعمانية، وحضور سعودي، بهدف التوصل إلى حل نهائي للحرب الدائرة منذ 9 سنوات في اليمن.
في الأسابيع الأخيرة، نشط المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في تحركاته بين مسقط والرياض لعقد لقاءات مع طرفي الصراع اليمني ضمن نقاشات لبلورة الرؤية النهائية للتسوية في اليمن.
وكشفت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ"عربي بوست"، عن أن الطرفين توصلا بالفعل إلى اتفاق وقف الحرب في اليمن في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا أن الإعلان عنه جرى تأجيله بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بدأ في 7 من الشهر ذاته، والمستمر حتى الآن.
تفاصيل عن الاتفاق
كشف مصدر يمني مطلع مشارك في المفاوضات، لـ"عربي بوست"، أن اتفاق وقف الحرب في اليمن، الذي توصلت إليه الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، يتمثل بخارطة طريق تتضمن 3 مراحل أساسية، هي:
- المرحلة الإنسانية، ومدتها 6 أشهر.
- المرحلة السياسية، ومدتها عام واحد.
- المرحلة الانتقالية، ومدتها عامان اثنان.
وأوضح المصدر، أن المرحلة الأولى تختزل بإعلان وقف تام لإطلاق النار في اليمن، وفتح ميناء الحديدة، كما أنها تتضمن أيضاً عودة الحكومة اليمنية إلى تصدير النفط، مقابل فتح كامل للرحلات الجوية عبر مطار صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل في إطلاق حوار يمني- يمني، بين أطراف الصراع، الحكومة اليمنية ومؤيديها، وجماعة الحوثي، تمهيداً للمرحلة الثالثة الانتقالية، وهي تنظيم انتخابات عامة في كامل البلاد.
وأكد مصدر يمني آخر في مسقط، مطلع على المفاوضات، صحة هذه المعلومات، مشيراً إلى أنه بحسب اتفاق وقف الحرب في اليمن، فإن وجهات السفر عبر مطار صنعاء ستتوسع لتشمل دول "جيبوتي والهند والصين والسعودية"، إضافة إلى الوجهات السابقة المسموح بها إلى الأردن ومصر.
وأشار إلى أن المرحلة الإنسانية من اتفاق وقف الحرب في اليمن، تشمل أيضاً "صرف مرتبات الموظفين العموميين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وفق كشوفات 2014، أي ما قبل سيطرتهم على صنعاء، وفتح الطرقات والمعابر بين المحافظات التي تخضع لسيطرة القوات الحكومية، ومسلحي جماعة الحوثي.
وتابع بأنها تشمل كذلك "فتح الموانئ وإلغاء كافة القيود عن ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، غربي اليمن على البحر الأحمر، إضافة إلى تبادل المعتقلين والأسرى كافة، تحت عنوان: الكل مقابل الكل".
وقال إنها تتضمن أيضاً "تشكيل لجنة من الخبراء الاقتصاديين لوضع المعالجات الاقتصادية العاجلة، في ظل حالة الانقسام النقدي، وانهيار سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، إذ وصل سعر تصريف العملة المحلية مقابل الدولار الواحد، 250.37 ريالاً يمنياً".
أما عن المرحلة الثانية، فأوضح أنها مرحلة سياسية ستركز على خطوات بناء الثقة بين الأطراف اليمنيين، وسيتم خلالها "تشكيل لجنة حوار سياسية" تقوم بمهام "الإعداد والتهيئة لإطلاق عملية حوار سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة والدول الراعية، لبحث كل القضايا، والوصول إلى الحلول الشاملة والمستدامة".
من جانبه، قال مصدر ثالث، من الحكومة اليمنية، لـ"عربي بوست"، إن قيادة السلطة المعترف بها دولياً، موجودة حالياً في العاصمة الرياض، في سياق الجهود الساعية للتوقيع على الاتفاق مع الحوثيين.
وتابع بأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، موجود في الرياض منذ عودته من الإمارات عقب مشاركته في قمة المناخ الـ28، بينما تم استدعاء رئيسي مجلسي النواب والشورى، سلطان البركاني وأحمد عبيد بن دغر إلى المملكة منذ أيام لبحث توقيع الاتفاق.
لكنه أوضح أن التوقيع على الاتفاق جرى تأجيله إلى أجل غير مسمى، بعد إطلاق الحوثيين صواريخ بشكل مستمر على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عدوانه على قطاع غزة.
وقال إن هناك مخاوف من تصاعد الأمر بشكل أكبر، ما قد يؤدي إلى انهيار التوصل إلى الاتفاق اليمني.
مخاوف من انهيار الاتفاق
وأكد المصدر أن تأجيل الإعلان يصطدم مع خشية لدى الوسطاء من انهيار الاتفاق في حال تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية جماعة الحوثي تنظيماً إرهابياً، لا سيما بعد طرح مشروعي قرار أمام الكونغرس بهذا السياق حتى الآن.
الأمر ذاته، تطرقت له وكالة "رويترز"، التي ذكرت عن مصادرها في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة "ضبط النفس" في الرد على هجمات جماعة الحوثي على سفنٍ في البحر الأحمر، وذلك بهدف دفع عملية السلام في اليمن، على الرغم من اشتعال الحرب في غزة، وخشية امتدادها إلى هناك.
المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، قال الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن الولايات المتحدة تراجع "التصنيفات الإرهابية المحتملة" لجماعة الحوثي في اليمن، رداً على تصرفاتها في البحر الأحمر، المرتبطة بالحرب في غزة.
وأكدت مصادر "عربي بوست"، أن التصعيد الأمريكي يأتي في وقت تسرّع فيه الوساطات الإقليمية خطاها لإنهاء الحرب في اليمن، بعد استكمال تفاهماتها مع جماعة الحوثيين، من خلال نقاشات الغرف المغلقة برعاية عمانية.
اجتماع حاسم في عُمان أو الأردن
من جانبه، قال وكيل وزارة حقوق الإنسان وعضو الفريق الحكومي المفاوض بشأن المعتقلين والأسرى، ماجد فضائل، لـ"عربي بوست"، إن جولة جديدة من المفاوضات ستجري في يناير/كانون الثاني 2024.
وأضاف أنه كان من المقرر أن تعقد جولة المباحثات في الأسابيع الماضية في سويسرا، إلا أن الحوثيين رفضوا عقدها في جنيف، وطلبوا تحويلها إلى مقر استضافة المفاوضات في الأردن أو سلطنة عُمان، قبل أن يتم إرجاؤها إلى موعد آخر، في يناير 2024.
وقال إن المفاوضات ستركز حول ملف المعتقلين والأسرى مع الحوثيين، في حين لم يتسنّ لـ"عربي بوست" الحصول على تعليق من مسؤولي ملف الأسرى في جماعة الحوثي حول ما أورده المسؤول الحكومي.
وأفاد مصدر يمني آخر مطلع على المناقشات، بأن المفاوضات التي ستجري، ستكون حاسمة لمصير توقع الاتفاق، بسبب دخول الحوثيين على خط الحرب في غزة، وأن الأطراف الإقليمية الوسيطة ستوضح إن كان ذلك سيؤثر على خارطة الطريق والاتفاق مع الحوثيين أم لا.
وقال إن "الرياض عازمة على إغلاق ملف الحرب في اليمن، من خلال إنجاز الاتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وإن فوز المملكة في تنظيم معرض إكسبو 2030 في أراضيها، زاد من عزمها على ضرورة إنهاء هذا الملف، لتجنب أي تهديدات حوثية".
حراك دبلوماسي مكثّف
بحسب المصادر، فإن الطرف الحوثي في المفاوضات يمثله القيادي في الجماعة محمد عبد السلام، ونائبه عبد الملك العجري، وهما يقيمان في مسقط.
بينما عن الطرف الحكومي اليمني، فإن اللقاءات تجري مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ومسؤولين في حكومته.
أما عن الوساطات، فهي من الأمم المتحدة وسلطنة عمان والسعودية، والأخيرة تطالب جماعة الحوثي بشمولها في الاتفاق والتوقيع عليه طرف وليس وسيطاً، إلا أنها تؤكد دورها الوساطي رافضة اعتبارها طرفاً في الاتفاق، وفقاً للمصادر ذاتها.
وبدأ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندر كينغ، منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2023، جولة جديدة إلى منطقة الخليج ضمن جهوده لإعلان الاتفاق اليمني.
وعقب وصوله إلى الرياض، عقد "كينغ" سلسلة لقاءات بمسؤولين يمنيين وسعوديين في سياق النشاط الجاري لإبرام اتفاق يفضي إلى إنهاء الحرب في اليمن.
وكشف حينها الناطق باسم جماعة الحوثي، ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، عن أن "تقدماً تم إحرازه في خارطة الطريق، وتجاوز أهم العقبات لضمان إنهاء الحرب، والحصار في اليمن".
وقال عبد السلام عبر موقع "إكس": "التقينا المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، وناقشنا خلال اللقاء المسار الإنساني والسياسي والعسكري، والتقدم الذي تم إحرازه في خارطة الطريق، وتجاوز أهم العقبات لضمان إنهاء العدوان والحصار، وخروج القوات الأجنبية من اليمن، وإعادة الإعمار، والتهيئة للحوار السياسي".
وعبّر عن شكره لـ"جهود سلطنة عمان الداعمة لجهود السلام خلال جولات الحوار التي تمت في مسقط وصنعاء والرياض".
ومنذ انهيار اتفاق الهدنة الذي توسطت إليه الأمم المتحدة أكتوبر/تشرين الأول 2022، يشهد اليمن هدوءاً نسبياً، باستثناء اشتباكات وهجمات محدودة، يتبادل على إثرها الطرفان الاتهامات بمسؤولية كل منهما عن ذلك.
يشار إلى أن القرار الأمريكي بإعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، سبق أن ألغته إدارة الرئيس جو بايدن في يناير/كانون الثاني 2021، بعد أيام من فوزه بالانتخابات على دونالد ترامب، الذي أقر التصنيف للحوثيين في آخر أيام فترته الرئاسية.