رصد تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، نُشر الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، جانباً من الوضع المرعب والمأساوي في مدينة خان يونس، ثاني أكبر مدينة محاصرة في قطاع غزة، حيث بدأ عدد من الغزيين يفقدون أمل النجاة من الحصار ونيران قوات الاحتلال الإسرائيلي، وباتوا يتساءلون عن الكيفية التي سيموتون بها، ويلتحقون بها بعشرات الشهداء الذين حَصدت أرواحَهم آلةُ القتل الإسرائيلية، كما بات العديد منهم يشعرون بأن "حرب الجوع" قد بدأت، بعدما عجزوا عن إيجاد ما يسد رمقهم منذ أيام.
ففي الأيام التي تلت انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مقابل الرهائن، في 1 ديسمبر/كانون الأول، ودخول الجيش الإسرائيلي المرحلة الثالثة من هجومه على غزة، اجتاحت الحرب خان يونس والبلدات المحيطة بها، وبدأت يوم الإثنين، 4 ديسمبر/كانون الأول، عندما شنّت فرقة إسرائيلية بأكملها هجومها من الشرق والشمال، وحاصرت المدينة ثم دخلتها.
بحسب تصريح مسؤول إسرائيلي كبير لموقع Axios الأمريكي، فإنه رغم أنَّ القوات الإسرائيلية "حققت تقدماً كبيراً" في شمال غزة وفق تعبيره، فإنَّ العمليات الإسرائيلية حول خان يونس "بدأت لتوها"، هذا يعني بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا محاصرين في المدينة أنهم أمام أسابيع إضافية من الصراع.
كيف سأموت؟
يقول طه عبد الرحمن، أحد سكان خان يونس، صباح السبت 9 ديسمبر/كانون الأول: "مثل كل يوم، استمرّ إطلاق النار والقصف طوال الليل".
أما بالنسبة لألماظة عودة، من مدينة خان يونس، فصارت تنصب أفكارها على الطريقة التي قد تموت بها، جراء الحصار والقصف الوحشي المستعِر في العديد من المناطق المحيطة بها.
في ليلة الخميس 7 ديسمبر/كانون الأول، بعد أربعة أيام من هجوم قوات الدفاع الإسرائيلية على المدينة الجنوبية، وصفت عودة- التي تعيش داخل خيمة على أرض مدرسة تابعة للأمم المتحدة تحولت إلى ملجأ- مشاعرها.
كما نشرت عودة على الشبكات الاجتماعية: "أظل أسأل نفسي كيف سأموت؟ هل من الممكن أن تصيبني شظية في رأسي وأموت على الفور؟ أو ربما تخترق الخيمة وأنا نائمة وتدخل إلى جسدي وأموت من النزيف، ما الذي قد يحدث؟ هناك آلاف السيناريوهات في رأسي الآن".
ثم تضيف عودة: "القصف مكثف وعنيف جداً وفي مكان قريب، والاشتباكات لا تتوقف أبداً، نشعر بالبرد والجوع والخوف والتوتر والتعب، يقصفون حولنا بقذائف الدبابات، وسقطت جميع الشظايا علينا".
"حرب الجوع بدأت"
في حين نزح عشرات الآلاف جنوباً باتجاه رفح- بعضهم للمرة الثانية والثالثة خلال الحرب- وصف أولئك المحاصرون داخل خان يونس الظروف اليائسة في المدينة، التي كانت في السابق موطناً لـ400 ألف شخص.
مع تحول عدد من أحياء البلدة إلى أنقاض بسبب القصف العسكري الإسرائيلي، حتى قبل أن يشن الجيش الإسرائيلي المرحلة الأخيرة من هجومه البري، ومع قلة الوقود المتاح، لجأ بعض السكان إلى استخدام عربات تجرها الحمير لشق طريقهم عبر الأنقاض.
تقول نوراز أبو لبدة، إحدى سكان الملاجئ التي نزحت ست مرات، إنَّ الناس في الملاجئ التي تديرها الأمم المتحدة في خان يونس صاروا يتقاتلون على الغذاء، لا سيما مع انقطاع المساعدات الخارجية، وأضافت: "حرب الجوع بدأت، وهذه هي أسوأ الحروب على الإطلاق".
كان عنف الهجوم مألوفاً بالنسبة لأولئك الذين فروا من الشمال، حيث أطلق الجيش الإسرائيلي العنان لـ"أحزمة النار"- وهو مصطلح يشير إلى وابل مكثف من المتفجرات شديدة الانفجار المستخدمة ضد المناطق الحضرية- قبل أن يقتحم بالدبابات والمشاة والقوات الخاصة.
اشتباكات مستعِرة
أظهر مقطع فيديو نشره الجيش قوات الكوماندوز والقوات الأخرى تتحرك عبر المدينة، وسط أصوات إطلاق النار، وتتخذ مواقعها خلف ساتر ترابي، بينما أطلق آخرون داخل منزل النار عبر النافذة.
كذلك تأكّدت طبيعة القتال في البيئات الحضرية الكثيفة مثل خان يونس، وكذلك في المناطق الشمالية من الشجاعية وجباليا، من خلال التقارير المستمرة عن ضحايا بين صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوع الماضي، حيث اضطرت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى التحول لتكتيك الانتقال من منزل لآخر- وهو تكتيك عسكري للحرب في المناطق الحضرية- في قتالها ضد كتائب المقاومة.
على الجانب الفلسطيني، استمرت المستشفيات في استقبال عدد كبير من الشهداء، أغلبهم من الأطفال والنساء، حيث استقبل مستشفى ناصر الرئيسي جثث 62 شخصاً و99 جريحاً آخرين خلال آخر 24 ساعة فقط.