أعلن الاحتلال الإسرائيلي مصادقته على إقامة القناة السفلى في القدس، وهو مشروع استيطاني لإقامة مستوطنة جديدة في المدينة المحتلة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 2012، وسط تحذيرات فلسطينية من أن تطبيقه يعني عزلها عن محيطها الفلسطيني، بهدف السيطرة على شرقيّها بأكمله.
بحسب ما أعلنه الاحتلال فإن مشروع "القناة السفلى" سيقام على أراضي أم طوبا وبيت صفافا، وقوامه 1792 وحدة استيطانية، ليكون بذلك المشروع الاستيطاني الأكبر منذ 11 عاماً في القدس.
يأتي توقيت هذا الإعلان فيما تستمر معركة طوفان الأقصى بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال في قطاع غزة، في حين تستغل سلطات الاحتلال عادةً الظروف المحلية والدولية للمضي في المخططات التهويدية والاستعمارية في مدينة القدس المحتلة، ضمن مشروع "القدس الكبرى"، بمعنى ربط غرب القدس وشرقها، وعدم تقسيمها مكانياً في أي حل مستقبلي مع الفلسطينيين، وفق ما أكده محللون لـ"عربي بوست".
إزالة الخط الأخضر
من جهته، أكد مدير دائرة الخرائط في جمعية بيت الشرق الفلسطينية في القدس المحتلة، خليل تفكجي، لـ"عربي بوست"، أن "هذه المستعمرة لها هدف استراتيجي تماماً، وهو إزالة الخط الأخضر (خط وهمي يفصل بين الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 والأراضي التي احتُلت عام 1967)".
وأوضح أن مشروع "القناة السفلى"، "سيقام على أراضي تم الاستيلاء عليها بعد 1967 فوق الخط الأخضر أو المنطقة الحرام، التي كانت تفصل بين "إسرائيل" والأردن بين عامي 1948 و1967، وإقامة سد أمني طويل من منطقة أبو غنيم باتجاه جيلو، لفصل كل القرى والتجمعات الفلسطينية من داخل وخارج حدود بلدية الاحتلال في القدس".
وقال تفكجي إن "مشروع القناة السفلى في القدس جاء نسبةً إلى قناة رومانية كانت في العهد الروماني تجلب المياه من منطقة العروب في الخليل إلى مدينة القدس المعروفة بشح المياه، فكانت تزودها بها، لذلك سمي المشروع بهذا الاسم، لأنه فوق هذه القناة".
وتابع بأن "هذه المستعمرة تم الإعلان عنها عام 2022، وتمت المصادقة عليها 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، علماً أن هناك مستوطنة أخرى تمت المصادقة عليها ولم يتم العمل عليها بعد، وهي جفعات هماتوس".
عن أهداف أخرى وراء المصادقة على هذا المشروع الاستيطاني، قال تفكجي إن الاحتلال "أصبحت لديه مشكلة التفوق الديموغرافي التي يريد التغلب عليها لصالح المستوطنين".
وأوضح أن "هناك ما نسبته 87% من مساحة القدس الشرقية المحتلة تحت سيطرة الاحتلال، لذلك تم رفع عدد الوحدات الاستيطانية بهذه المستعمرة التي كانت 1400 إلى 1792، ليزيد من نسبة المستوطنين الذين يستوطنون هذه المنطقة فوق الـ40% من السكان".
"لا عاصمة للفلسطينيين في القدس"
وشدد تفكجي على أن "الاحتلال يريد زيادة هذه النسبة ليصبح المستوطنون أصحاب الأغلبية السكانية في المستقبل، لمجابهة أي تحرك سياسي لحل القضية الفلسطينية، مع عودة الحديث الدولي عن حل الدولتين".
وقال إن "الاحتلال يرفض تقسيم المدينة بينه وبين الفلسطينيين، فهو يريد إقامة مشروع القدس اليهودية الموحدة، لتكون عاصمة له".
وأوضح أن المشروع الاستيطاني الجديد "سيجعل من الأحياء الفلسطينية في القدس مقطّعة عن بعضها البعض، من خلال البؤر الاستيطانية، فيما سيتم ربط المستوطنات ببعضها من خلال شبكة طرق سريعة وأنفاق وجسور حديدية، وكل ذلك على حساب الوجود الفلسطيني".
وباتت الأحياء الفلسطينية بحسب المتحدث ذاته "تندرج ضمن خطة أمنية بتطويقها بالمستوطنات، واختراقها، من خلال إقامة بؤر استيطانية تفصلها عن بعضها، ثم تحويلها إلى تجمعات سكانية داخل أحياء يهودية".
مشروع "القناة السفلى"
نشرت وسائل الإعلام العبرية أن مشروع "القناة السفلى" سيقوم على حوالي 186 دونماً من الأراضي الفلسطينية شرقي مدينة القدس المحتلة.
ويقام مخطط المشروع على جانبي الخط الأخضر جنوب مستوطنة "رمات راشيل"، جنوب مدينة القدس المحتلة، وغرب قرية صور باهر، وبين مستوطنة "هار حوما" شرقي القدس، ومستوطنة "جفعات هامتوس".
وقالت منظمة "عير عميم"، التي تتابع بناء الأحياء الاستيطانية في شرقي القدس إنه بموجب الخطة سيتم بناء طريق وصول إلى الحي الجديد فوق الخط الأخضر على أراضٍ فلسطينية خاصة، مملوكة لسكان أم طوبا، وأنه "ومن المرجح أن تتم مصادرة هذه الأرض"، وفق قولها.
وأشارت إلى أنه منذ بداية عام 2023 تم تقديم أكثر من 18500 وحدة سكنية للمستوطنات الإسرائيلية الجديدة أو القائمة في شرقي القدس، في حين تم إهمال التطوير السكني للفلسطينيين تقريباً.
توقيت الخطوة
من جهته، يرى مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد "أريج" للدراسات التطبيقية، سهيل خليلية، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الاحتلال يستغل الانشغال بالحرب على قطاع غزة لتنفيذ مخططات كهذه أُقرت سابقاً، والدفع بها للأمام، في مدينة القدس".
وأكد خليلية أن "هذا المشروع يتم على حساب الأراضي الفلسطينية وأصحابها في أم طوبا وبيت صفافا، الذين ستُصادر أراضيهم".
بحسب المتحدث فإن "المشروع يهدف لجلب المستوطنين إلى المدينة المقدسة، وتعزيز وجودهم فيها، بينما في الوقت ذاته يعاني المواطنون الفلسطينيون أصحاب هذه الأراضي من منع البناء، والصعوبة في الحصول على تراخيص للبناء، وتكاليف عالية لن يتمكنوا من توفيرها لإقامة منزل".
وأشار خليلية إلى أن "الاحتلال يعطي تسهيلات للمستوطنين للتوسع من خلال مساحات البناء أو عدد الطوابق، وإعطاء التراخيص اللازمة، في الوقت الذي يتم فيه تقييد ذلك على الفلسطينيين، من أجل دفعهم خارج المدينة، وترحيلهم عن أرضهم، خاصةً في ظل ارتفاع أسعار الشقق، وصعوبة الحصول على التراخيص".
وأوضح خليلية أن ما يجري "يندرج تحت ممارسة الاحتلال أشكال التمييز التي تريد ضرب البنية الوجودية الفلسطينية"، مؤكداً أن "هذه الممارسات وضعت الفلسطيني تحت الأمر الواقع، ليذهب بنفسه إلى مناطق تتبع للقدس، لكنها خارج التنظيم، وخارج حدودها، إذ يضطر مئات آلاف الفلسطينيين للذهاب للعيش في مناطق مثل كفر عقب أو بيت جالا، وعددهم ما بين 130-150 ألف فلسطيني".
وأضاف أن "الاحتلال يريد من خلال هذه الإجراءات إعادة تعريف مدينة القدس، وتغيير طابعها بشكل كامل".
عزل القدس عن محيطها الفلسطيني
في الإطار ذاته أوضح الخبير في شؤون القدس، فخري أبو دياب، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الاحتلال يسعى لفصل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني بشكل كامل، وعزلها، بما يسمى الحزام الاستيطاني، خشية حدوث أي تغييرات دولية تسعى لحل الدولتين.
وقال إن "الاحتلال بدأ فعلياً بفصل جنوب القدس عن الضفة الغربية، وإبقاء ممرات من أجل حركة المستوطنين فقط، لتغيير التركيبة السكانية، إضافة إلى نظرة عليا للنواحي الأمنية، وعزل المدينة من المنطقة الجنوبية والشرقية وكذلك الشمالية بإقامة المستوطنات".
أورد خطوات عملية حول ذلك، موضحاً أن "الاحتلال بدأ يضع مخططاً لفصل جنوب القدس عن مدن الضفة الغربية، من خلال حزام المستوطنات، ومحاصرة الأحياء المقدسية في القدس لمنع تمددها، ومنع الفلسطينيين من استخدام أراضيهم".
وكانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، طالبت بتدخل دولي وأمريكي عاجل لوقف تنفيذ المخطط الإسرائيلي المعروف بالقناة السفلى في القدس، الذي صادقت عليه الحكومة في تل أبيب.
وأكدت أن هذا المخطط "جزء لا يتجزأ من مخططات الاحتلال الرامية لإغراق القدس بالمستعمرات والمستعمرين، وتغيير واقعها التاريخي والسياسي والقانوني والديمغرافي القائم، وتهويدها، وتعميق فصلها بهذا المخطط عن جنوب الضفة الغربية المحتلة، بما يلتهم مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية المخصصة للتنمية، ومحو أية خطوط أو حدود فاصلة للقدس الشرقية المحتلة".
ووصفت المخطط بأنه "استغلال إسرائيلي لظروف الحرب الدموية على قطاع غزة وانشغال العالم بها، علماً أنه مُعد مسبقاً منذ عشرات الأعوام"، معتبرة أنه "عدوان صارخ على شعبنا، وفي إطار محاولات إسرائيل الرامية لحسم مستقبل قضايا الحل النهائي التفاوضية من جانب واحد، وبقوة الاحتلال".
وحاول "عربي بوست" الحديث مع أهالي المناطق التي ستقام عليها المستوطنة الجديدة في القدس، ولكنهم فضلوا عدم الحديث خوفاً من انتقام الاحتلال منهم، مشيرين إلى أن هناك تصعيداً إسرائيلياً ضدهم، وسط محاولات فرض مخططاته التي لا يقبل معارضتها، ويعتقل رافضيها وينكّل بهم ويصدر قرارات بإبعادهم، وفق ما أكدوه.
يذكر أن "الخط الأخضر" هو الخط الفاصل بين الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1948 والأخرى التي احتلتها عام 1967، وكان يعرف بخط الهدنة بين الأردن والاحتلال بعد النكبة، ونشأ عنه مصطلح "المنطقة الحرام" التي يمر منها، وتعد أي مستوطنات إسرائيلية خارجه غير شرعية بنظر القانون الدولي، وذلك وفق الأمم المتحدة.
ويعد كذلك مشروع "القناة السفلى في القدس" أول حي يهودي جديد خارج الخط الأخضر بنحو 50% منه، وذلك بعد مستوطنة "هارحوما" على جبل أبو غنيم، التي بُنيت في أواخر التسعينيات على أراضي قرية صور باهر، إبان اتفاق أوسلو، وحظيت حينها بضجة دولية.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحتل شرق مدينة القدس منذ عام 1967، ولا تعترف الأمم المتحدة بسيادته عليه، وتطالبه بالانسحاب منه، فضلاً عن اعتبار بناء المستوطنات على أراضيه أمراً غير قانوني.
وتأتي مصادقة الاحتلال على المشروع الاستيطاني بينما يشن عدواناً منذ شهرين على قطاع غزة، خلّف أكثر من 16200 شهيد فلسطيني، بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، وأكثر من 43 ألف مصاب، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع المحاصر.