نشرت صحيفة Yedioth Ahronoth في تقرير لها يوم الثلاثاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سلسلةً من التفاصيل الجديدة حول الإخفاق الذريع على كل المستويات قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وشمل ذلك الإخفاق كل شيء، بدايةً بالتصوّر الاستراتيجي للجناح الاستخباراتي عن نوايا حركة المقاومة الإسلامية حماس، ووصولاً إلى تفويت نوايا الحركة بشن غزو غير مسبوق للمستوطنات المحيطة.
الصحيفة، قالت إنه في ليلة "عيد فرح التوراة المصيرية" بين يومي الجمعة 6 أكتوبر/تشرين الأول، والسبت 7 أكتوبر/تشرين الأول. تلقت الأجهزة الأمنية "إشارات ضعيفة" تُفيد بحدوث شيءٍ ما على الحدود مع غزة. وكان قائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) اللواء أهارون هاليفا يقضي عطلته مع عائلته وأطفاله في إيلات.
وفي تمام الساعة 03:00 صباحاً، اتصل مساعد هاليفا باللواء لإطلاعه على معلومات وصلت من ضابطة مخابرات في القيادة الجنوبية، والتي أفادت بأن حماس ربما تخطط لعملية استباقية -ولكن ليس بحجم المذبحة التي جرت. وجاءت تلك المؤشرات مُرفقةً بـ"إشارات مطمئنة" أيضاً، وكان الاستنتاج يُفيد بضرورة إطلاع هاليفا على كل التطورات.
لكن قيادة الجيش، آنذاك، كانت قد قررت التشاور على مستوى رفيع للغاية بمشاركة رئيس الأركان الفريق هرتسي هاليفي، ورئيس شعبة العمليات اللواء عوديد باسيوك، وقائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، الذي كان يقضي عطلته في هضبة الجولان أيضاً. ولم يشارك في تلك المشاورات هاليفا ولا العميد عميت ساعر، رئيس قسم الأبحاث بشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) الذي يُعد خبيراً في شؤون غزة. ولم يشارك في المشاورات كذلك قائد القوات الجوية، الذي له دور رئيسي في التحضير لهجومٍ بهذا الحجم، حسب ما نشرته هذه الصحيفة في 15 من أكتوبر/تشرين الأول.
كيف تتم معرفة خطة حماس بشكل مسبق؟
فكيف يُفترض بكبار القادة معرفة ما تفكر فيه حماس حالياً؟ وكيف لم تُطبق هنا القاعدة التي يعرفها كل مُبتدئ، وهي أن "ليس هناك دخان من دون نار"؟ يقول رئيس الأركان في إجابته إن التحذير الذي وصلهم لم يكن كبيراً. وربما استُدعي فينكلمان وضباط آخرون إلى المشاورات، لكن التقييم العام كان يقول إنه مجرد تدريب آخر لحماس. ولم يعتقد جهاز الشاباك أن الأمر أكثر من مجرد عمليةٍ محدودة، ولهذا اكتفوا بإرسال وحدة تكيلا الخاصة إلى الجنوب، دون إصدار أي توجيهات صارمة. وحتى داخل الشاباك، ظنّ البعض أن إرسال الوحدة يمثل خطوةً لا داعي لها، بناءً على المعلومات المتاحة. وبعد مضي 3 ساعات، انفتحت أبواب الجحيم على مستوطنات غرب النقب.
وقد اعترف رئيس أمان، في وقتٍ لاحق، بأنه كان سيُفسر البيانات التي حصل عليها رئيس الأركان في ذلك الاجتماع رفيع المستوى بالشكل نفسه. إذ تنتقل المعلومات الاستخباراتية في هذا السياق من أسفل لأعلى، والمعلومات التي وصلت من الأسفل لم تقترب من الحديث عن غزو. لكن ترك كبار مسؤولي الاستخبارات خارج الصورة في الوقت الفعلي، بينما يتعامل الجيش والشاباك مع هذه المسألة، هو خطأ كبير للغاية. ويُعد الأمر خطأ كبيراً بالنظر إلى أن رئيس أمان تلقى من مساعده إخطاراً بأن هناك شيئاً ما يحدث. لكن هذه التفاصيل سيتعين التحقيق فيها بواسطة اللجنة التي ستتشكل لتوضيح تسلسل الإخفاقات، التي قادتنا إلى الواقع الذي استيقظنا عليه في يوم فرح التوراة.
ولا حاجة للقول إن هذه المسألة يجب توضيحها بالكامل، إلى جانب نطاق مسؤولية رئيس أمان ورئيس قسم الأبحاث المتخصص في الساحة الفلسطينية وقطاع غزة على وجه التحديد.
تجاهل جيش الاحتلال خطة حماس
خلف كواليس القيادات العليا، هناك استياء حيال ما نُشر في أكثر من مناسبة بشأن أن أمان تلقت معلومات عن نوايا حماس، لكنها تجاهلتها بالكامل. وارتبطت إحدى الأخبار بضابطة تُدعى "في"، وهي الوحيدة التي حذرت ضابط استخبارات كبير من حدوث غزو بالطريقة نفسها التي وقع بها الهجوم. وهناك اتهام خطير بأن تقييم "في" وصل إلى هاليفا الذي قرر أن "يتجاهله". وبدت هذه الفكرة مألوفةً لدى الكثيرين، حيث لم يستمعوا إلى "في" لأنها مجرد مراقبةٍ أنثى.
لكن من الضروري القول إن كبار قادة الاستخبارات بدايةً بهاليفا، ومروراً بساعر في قسم الأبحاث، ووصولاً إلى قائد الوحدة 8200 يدّعون أن الوثيقة المعنية لم تصل إليهم. وتُشير الحقائق إلى أن هاليفا زار الوحدة قبل 3 أيام من الحرب في منتصف عيد العرش، ولم تكن "في" موجودة آنذاك. بينما يزعم شخص آخر أنه رافق القائد خلال الزيارة وأخطره بقلقه حيال شن حماس لهجوم على المستوطنات، كما ذكر له مخاوف "في". لكن لم يجر رفع أي وثائق لكبار المسؤولين الثلاثة في الاستخبارات.
وهذا لا يعني التقليل من خطورة ما كتبته "في" في تقريرها؛ إذ نشرت إيلانا دايان بعض ما ورد في التقرير، حيث قالت "في" إنه "سيناريو واقعي يقدم معلومات ذهبية عن استعداد حماس لعملية سيطرة في الجنوب". لكن الضابط الأعلى منها رتبةً تجاهل كلماتها، قائلاً: "هذا السيناريو خيالي وليس واقعياً". لهذا لا تزال التساؤلات مطروحةً حول ما كان كبار مسؤولي الاستخبارات يعرفونه فعلاً.
وفي السياق نفسه، نشرت Yedioth Ahronoth ملخصاً لزيارة هاليفا إلى الوحدة، ولم يتضمن الملخص أي نقاش للسيناريو الذي ذكرته "في". بينما أورد الملخص الجملة التالية: "يحيى السنوار ليست لديه أي نية للتسبب في تدهور الأوضاع: لقد فرضت حماس ضبط النفس داخل المنطقة، وقد أمر السنوار بالتهدئة".
يُذكر أن تلك الضابطة لها قائد مباشر برتبة مقدم، كما أنها لم ترفع المسألة لقائد الوحدة 8200. ولهذا لا يستطيع هاليفا أن "يتجاهل" تحذيراً لم يصله من أي شخص في تسلسل القيادة. ولا أساس للمزاعم بأن هذا التحذير قد وصل لقيادة أمان، لأن أي تحذير مصرح به من هذا النوع سيمر على عدد من الضباط الآخرين بطول الطريق. ولم يُطرح موضوع التهديد بغزو جاد من غزة خلال زيارة هاليفا المذكورة. ولا شك أن رسائل البريد الإلكتروني التحذيرية من أسفل لأعلى كانت ستذكر ذلك الموضوع في حال طرحه.
كواليس جديدة تخص هجوم حماس
من الناحية العملية، يُمكن القول إن رسائل "في" تعرضت للحجب على مستوى قسمها داخل القيادة الجنوبية، وهذه مأساة. حيث قال ضابط كبير في ذلك القسم إن "في" أدركت أن التدريبات صارت أكثر جدية، مما دلّ على أهميتها، لكنها لم تكن نذيراً بالحرب. بينما زعم ضابط استخبارات كبير أنه أجرى تحقيقاً متعمقاً في ما ذكرته "في"، ووجد أن "التحذير" الذي يُزعم أن "هاليفا" تجاهله لم يكن "تحذيراً" بالمصطلحات الاستخباراتية، ولم يكن يُشير إلى اندلاع حرب بكل تأكيد.
لكن كل ما سبق لا يُعفي شعبة الاستخبارات عموماً، وهاليفا خصوصاً من المسؤولية الشاملة عن الإخفاق الذي أسفر عن اندلاع الحرب. ولا خلاف على أن التحذير المتوقع لم يتم تقديمه.
وفي الواقع، فإنه ينشر وللمرة الأولى ، إن رئيس قسم الأبحاث أجرى تقييماً للوضع بمناسبة أعياد الغفران، وذلك بمشاركة الجيش والشاباك ومنسق العمليات في المناطق المحتلة. وقد صرّحت جميع تلك الجهات بالتالي: "ما نفهمه هو أن السنوار ليست لديه أي مصلحة في خوض صراع واسع النطاق". ورأت تلك الأجهزة أن حماس قد ارتدعت وليست مهتمة بأي تصعيد استباقي.
ورغم ذلك، وضعت فرقة غزة خطة تحضيرية لهجوم مماثل قبل نحو عامٍ ونصف، ومنحتها اسماً حركياً. لكن هذا لم يغير تقييم الاستخبارات العسكرية أو الشاباك، الذي كان يرى أن السنوار يريد الحكم وتحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة. وقد كان هذا هو الخطأ الاستراتيجي والكبير. حيث قال ضابط كبير: "ليس هناك عنصر عسكري لم يتعرض لمسألة تدريبات حماس. وقد ظهرت تلك التدريبات في كل الوثائق الاستخباراتية بوضوح، لكن جميع كبار القادة كانوا مخطئين في تقييم نوايا السنوار". وها نحن ندفع ثمن هذا الخطأ لـ52 يوماً على التوالي دون نهايةٍ تلوح في الأفق.
وهذا يعني أن الخطيئة الأصلية لا تتعلق بتفويت رسائل "في" فحسب، بل تتعلق بوهم البصيرة. وخير دليل على مدى قوة ذلك الوهم غير الاعتيادي هو ما ورد في تقييم الوضع السنوي الذي أعدته شعبة الاستخبارات لعام 2024، قبل اندلاع الحرب بالطبع؛ حيث ننشر اليوم للمرة الأولى ما خلص إليه ذلك التقييم عندما قال إن "الفلسطينيين لن يكونوا العامل المُحفِّز لحرب متعددة الجبهات".