لم تتوقع الأسيرة المحررة فاطمة عمارنة (47 عاماً) أن تنتهي رحلتها إلى المسجد الأقصى، يوم 4 سبتمبر/أيلول الماضي، بهذه الوحشية التي تعرضت لها بعد أداء صلاة العشاء، والاستعداد للعودة إلى مسقط رأسها في بلدة يعبد جنوب غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
فور أن وصلت فاطمة إلى أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، حتى باغتها جندي من شرطة الاحتلال معتدياً عليها بوحشية، فسقطت أرضاً وقام بركلها عدة مرات على وجهها وأنحاء جسدها حتى كادت تفقد الوعي، ليتم القبض عليها.
تقول فاطمة لـ"عربي بوست" إنها تعرضت لتنكيل وتعذيب وحشي أثناء اعتقالها واحتجازها في سجن الدامون، ظلماً ودون أن تفعل شيئاً سوى أنها أدت صلاتها في الأقصى، وهذا حقها الطبيعي.
واعتادت فاطمة نصر عمارنة ألا تضيع فرصة الذهاب إلى المسجد الأقصى المبارك، وهي من حفظة ومتطوعي تحفيظ القرآن الكريم، فبعد أن أبلغتها إحدى صديقاتها بتوفر مقعد للذهاب إلى الأقصى سارعت بالتسجيل لزيارته على الفور.
أيام صعبة في سجون الاحتلال
وتوضح فاطمة عمارنة في حديثها لـ"عربي بوست"، بعد تحريرها بصفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بوساطة قطرية مصرية، أن أيام الاعتقال الأولى كانت الأصعب في ظل التعذيب والضرب الوحشي.
تصف فاطمة ما حدث معها في تلك الأيام بالقول: "تعرضت للضرب والتنكيل حتى شعرت أني سأفقد حياتي"، مضيفة أنها بعد وصولها إلى سجن الدامون بدأت الأسيرات في قسمها بالتخفيف عنها وتقديم الدعم لها، وصولاً إلى أول مكالمة هاتفية مع عائلتها التي شدت من عزيمتها وأخرجتها من الحالة النفسية الصعبة.. كانت تلك اللحظات من أصعب أيام حياتها.
فاطمة عمارنة وظلام السجن
وتشير عمارنة إلى ظروف قاسية تعانيها الأسيرات داخل السجون، فيكفي أنه سجن يمنعهن عن الأهل، موضحة أن الأوضاع غاية في الصعوبة داخل السجون من حيث صغر حجم الغرف، حيث لا شمس ولا هواء، بالإضافة إلى اكتظاظها.
إلى جانب ذلك، توضح فاطمة عمارنة لـ"عربي بوست" سلسلة الإجراءات التي تنفذها إدارة السجون بحق الأسيرات من تضييق عليهن ومنعهن حتى من وقت الاستراحة، أو سياسة العزل الانفرادي، وهي أوضاع صعبة للغاية على الجميع.
معركة طوفان الأقصى
كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت هجمة شرسة ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونها أدت لاستشهاد ستة أسرى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي نتيجة التعذيب والاعتداء الوحشي، من لحظة الاعتقال حتى الاحتجاز.
وحذرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية من إقدام الاحتلال على تنفيذ سياسة الإعدام بحق الأسرى، وهو ما جرى مع عدد منهم؛ حيث لم يمض إلا أيام قليلة على اعتقالهم لتعلن استشهادهم.
وشوهد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير داخل أحد السجون، وهو يعطي تعليمات لجنوده بمنع الأسرى من رؤية الشمس، في إِشارة إلى ما يتعرض له الأسرى من سلسلة إجراءات عقابية.
تحكي عمارنة عن أوضاع الأسيرات بعد ذلك التاريخ بأنها باتت مأساوية جداً، إذ منعت إدارة سجون الاحتلال كل مقومات الحياة عن السجون.
كما سحبت إدارة السجون مقتنيات الأسيرات من أدوات كهربائية لتسخين الماء أو (بلاطة الكهرباء التي تستخدم للطهي)، سياسة العزل الانفرادي والتضييق على الأسيرات بوقت الاستحمام أو منع الخروج للاستراحة.
وتضيف أيضاً أنه جرى إغلاق الغرف والأقسام التي تحولت لزنازين عزل بسبب الاكتظاظ الشديد. ومنعت إدارة سجون الاحتلال أي جهات حقوقية من زيارة الأسيرات والاطلاع على أحوالهن، حتى الصليب الأحمر لم يستطع زيارتهن.
رسالة الأسرى والأسيرات
وتنقل عمارنة رسالة الأسرى من السجون وهي الحرية؛ إذ تقول إنها هي الرسالة الأساسية والمطلب الأساسي لجميع الأسرى والأسيرات.
وتؤكد عمارنة أنها تنوي العودة من جديد للمسجد الأقصى، قائلة: "الأقصى في قلوبنا، لم يأخذوه ولن يأخذوه، وفي أي فرصة تتاح لي لن أتأخر وسأدخل للأقصى، وهذا حقنا الشرعي الخالص من الله الذي كلفنا به وأكرمنا بهذا الواجب".