تُواصل قوات الدعم السريع تقدمها على الأرض ميدانياً في إقليم دارفور، غربي السودان، لتقترب من إحكام قبضتها عليه بالكامل، في حال تمكنت من ضم مدينة "الفاشر" إلى مناطق نفوذها، بعد سقوط مدينة "الضعين"، وانسحابات واسعة لقوات الجيش من حامياته العسكرية في تلك المنطقة، في حين أكدت مصادر أن الدعم السريع يحاصر الفاشر التي تعد مركزاً لاستقبال النازحين في دارفور.
تقع الفاشر في شمال دارفور، وهي المدينة التي يعني سقوطها سيطرة قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور، وعلى غرب السودان بأكمله، إثر الانتصارات المتتالية التي حققتها مؤخراً، ما يثير تساؤلات عن أهمية مدينة الفاشر بالنسبة لها، وكذلك الأسباب وراء الانتصارات المتتالية للدعم السريع وانسحابات قوات الجيش من حامياته العسكرية في مناطق دارفور.
الحركات المسلحة في الفاشر
تعكس أهمية الفاشر أنها مركز للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا.
وسبق أن أعلنت الحركات المسلحة في دارفور، وتحديداً في مدينة الفاشر، الحياد من الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أنها أصدرت تهديدات مع بدء الدعم السريع حصارها لمدينة الفاشر، بأنها قد تخرج عن موقفها وتنحاز إلى جانب الجيش السوداني في حال بدء معركة في هذه المنطقة.
في حين قررت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الذي يتولى أيضا منصب حاكم إقليم دارفور، الخميس 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مغادرة محطة الحياد ومواجهة قوات الدعم السريع.
وكانت قد أصدرت القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تحذيراتها للطرفين في الفاشر، قائلةً إن حيادها له حدود، وإن "مدينة الفاشر آخر مكابح حيادها، في حال دخلت الولاية في حرب بين الجيش والدعم السريع".
وسبق الموقف السياسي لقوات الحركات المسلحة نشر المزيد من عناصرها وآلياتها العسكرية داخل مدينة الفاشر.
حول ذلك، قال خبير إدارة الأزمات والكوارث، والتخطيط الاستراتيجي، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، لـ"عربي بوست"، إن "الدعم السريع ترى أن السيطرة على الفاشر من عدة جوانب سترفع الروح المعنوية والسياسية باعتبارها عاصمةً الإقليم، وبأخذ الاعتبار رمزيتها تلك عند الحركات المسلحة".
لكنه رأى أن ما يؤثر على الحركات المسلحة حقيقة أن "الفاشر المحافظة التي نزح إليها الأهالي في دارفور في المقام الأول، من ثم فإنها العاصمة التاريخية في المقام الثاني، بالإضافة إلى تأثير الانتهاكات التي قامت بها الدعم السريع في كل المناطق المختلفة في دارفور والعاصمة، وربما يكون كل ذلك سبباً في انحيازها للجيش، والدخول معه في الحرب لتأمين مناطقها".
رغم ذلك فإن الحركات المسلحة لم تعلن اصطفافاً عسكرياً إلى جانب أي من أطراف الحرب، في حين أكدت مصادر لـ"عربي بوست" وجود "اتصالات بين الحركات المسلحة مع كل من الجيش وقوات الدعم السريع، ولكن دون التوصل إلى أي اتفاق بما يتعلق بالتطورات على الأرض عموماً، والفاشر خصوصاً".
أهمية تاريخية لمدينة الفاشر
تُعدّ مدينة الفاشر حاضرة شمال عاصمة إقليم غربي السودان، وكذلك العاصمة التاريخية لدارفور الكبرى، مقر السلطان علي دينار، وحاكم إقليم دارفور منذ عام 1899م حتى 1916م.
تتمتع الفاشر بموقعها الجغرافي الذي يميزها عن بقية مدن إقليم دارفور، وتعدّ السوق الرسمية للمحصولات الزراعية، بالإضافة إلى رمزيتها السياسية لسلطنة الفور (دولة ما قبل الاستعمار)، ومكانة متحف السُّلطان التاريخي في وسط المدينة لسكان المنطقة.
كانت الفاشر المحطة الرئيسية للقوافل التجارية والطرق البرية التي تربطها بكافة مدن الإقليم ودول الجوار الغربية وبقية مناطق السودان، لاسيما المنطقة العربية أيضاً.
وعُرف عن مدينة الفاشر اهتمام أهلها بتحفيظ القرآن، وتدريس علومه، وأنها تُعدّ مجمعاً لانطلاق حجاج بيت الله الحرام من أفريقيا إلى مكة والمدينة المنورة.
وعرفت أيضاً بـ"كسوة الكعبة" المشرفة، التي يمنحها السلطان علي دينار سنوياً من الفاشر في دارفور إلى مكة المكرمة، وتتميز بنسيج اجتماعي فريد، إذ إن كل القبائل الدارفورية تقطنها، وفيها مطار دولي.
أهمية استراتيجية
وتُعدّ السيطرة على الفاشر من قوات الدعم السريع وقوع إقليم دارفور بأكمله بيدها، بالإضافة إلى أنه بذلك يمكنها فتح الطريق للربط بين العاصمة الخرطوم وبقية مدن ولايات غرب السودان في حال سيطرتها على كامل شمال كردفان، التي يستحوذ على كثير من مناطقها.
وتالياً خريطة تبين ذلك:
وكشفت مصادر محلية بشمال دارفور عن نشر تعزيزات عسكرية جديدة للدعم السريع حول مدينة الفاشر، بعد أن تمكنت من محاصرتها من 3 جهات.
بحسب مصادر ميدانية، فإن قوات الدعم السريع تحاصر الفاشر من المحور الشمالي للولاية من جهة مدينة مليط، الواقعة شمالاً، والمحور الشرقي، حيث تتمركز قواتها في البوابات الشرقية للولاية، لا سيما منطقة أمكدادة والكومة شرقاً، بهدف عرقلة دخول أي إمدادات عسكرية للجيش، وتحصيل الضرائب المالية من الشاحنات التجارية القادمة من الخرطوم وبورتسودان.
والمحور الثالث هو المحور الغربي، نحو منطقة خزان "قولو"، وهي محطة المياه الرئيسية للمدينة، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان، خاصةً النازحين بمراكز الإيواء بسبب شح المياه وانعدامها عن الولاية.
ويقع في مدينة الفاشر مقر الفرقة 6 مشاة، وهي تمثل حامية عسكرية رئيسية للجيش السوداني في دارفور.
انسحابات الجيش السوداني
تعد الفرقة 6 مشاة الحامية العسكرية الأخيرة للجيش السوداني التي لم تسقط بعد في إقليم دارفور، بعد ما شهدته الحاميات العسكرية الأخرى من انسحابات كبيرة وانهيارات كبيرة في صفوفها، أدت إلى خسارتها لصالح قوات الدعم السريع التي باتت تسيطر على شرق وجنوب ووسط وغرب دارفور، باستثناء الشمال الذي تمثل الفاشر عاصمته المحلية.
ويتداول سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي اتهامات بشكل واسع للجيش السوداني بالانسحاب من حامياته العسكرية في دارفور، وتركها دون حراسة وعتاد وسلاح.
وقال أحد سكان شرقي دارفور، لـ"عربي بوست": "شاهدنا المركبات العسكرية وهي تسارع في الانسحاب مع اقتراب قوات الدعم السريع من الحامية العسكرية للجيش في المنطقة".
وأضاف: "لقد تركوا كل شيء وراءهم، وقد استولت الدعم السريع على ما وجدته في المقرات العسكرية التي انسحب منها الجيش"، مؤكداً "استهجان الأهالي لمسارعة الكتائب العسكرية للانسحاب عوضاً عن المواجهة".
أحد الجنود في الجيش السوداني، من الذين انسحبوا مع قواتهم في ليلة الهجوم على مدينة أمكدادة شمال دارفور إلى كردفان، قال مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية: "قيادة المنطقة قررت الانسحاب، ولم تكن التعليمات صادرة عن القيادة العليا، بل تقدير موقف، لأسباب منها أن المنطقة بها تعقيدات سياسية ومشكلات قبلية سابقة، قد تؤججها صراعات إثنية، لذلك فإن البقاء كان سيكون بمثابة إشعال النار".
وأكد أن "دخول قوات الدعم السريع إلى الحامية جرى دون وجود أي مقاومة تذكر، بعد وقف إطلاق النار من جانب الجيش"، معتبراً أن ذلك "خفف من حدة الخطورة على السكان".
لكنه روى شهادته بأنه رأى "جثثاً مرمية من تلك القبائل في شوارع المدينة، إثر قتالها مع قوات الدعم السريع".
وحاول "عربي بوست" الحصول على إفادة من الجيش السوداني، إلا أن متحدثين باسمه رفضوا التعليق.
في حين قال الخبير العسكري أمين مجذوب لـ"عربي بوست"، إن "مسألة إخلاء الحاميات العسكرية الصغيرة أو انسحابها مسائل فنية وتكتيكية عسكرية تعتمد على قرار القائد العام، وعلى قرار القيادة العامة، وهيئة العمليات التي تدير هذه المعركة".
وأضاف: "في تقديري، ربما رأت القيادة أن هذه الحاميات صغيرة في تكوينها وتسليحها ومقدراتها، وأن الأفضل هو أن يتم تجميعها في حاميات أكبر، تتمكن من الدفاع، وتتمكن من صد هجمات قوات الدعم السريع، ومن ثم رد الهجوم".
واعتبر أن "هذه الخطة لا تعني أن هناك خللاً في الخطط العسكرية لدى الجيش، وليس تخلياً عن السكان هناك".
عبد الرحيم دقلو وخلافات داخلية
نشرت وسائل إعلام الدعم السريع مقاطع فيديو مصورة قالت فيها إن "عبد الرحيم دقلو، القائد الثاني لقوات الدعم السريع، وصل بالفعل إلى شمال دارفور بهدف الإشراف على عمليات السيطرة على الفاشر في أقرب وقت".
في حين أكدت مصادر عسكرية في الدعم السريع أن "هناك خلافات داخل قيادة الدعم السريع حول مدينة الفاشر، أدت إلى سحب بعض قواتھا المتمركزة داخل تلك المحاور".
وأوضحت أن "قيادات میدانیة أخرى وصلت حديثاً إلى الفاشر من مناطق متفرقة، ترى ضرورة الإسراع في التقدم والسیطرة على المدينة في شمال دارفور، حتى تكون كافة مدن الإقليم تحت السيطرة الكاملة".
وتواصل "عربي بوست" مع متحدثين رسميين باسم قوات الدعم السريع بهذا الخصوص، إلا أنه لم يتلقَّ رداً منهم.
من جهته، رأى المدون السوداني بشير يعقوب، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "انسحابات الجيش السوداني أتت بمثابة كرة ضغط على الحركات المسلحة لتحسم أمرها في مواجهة قوات الدعم السريع".
وشدد على أنه يرى في انسحاب الجيش "دفعاً منه للحركات المسلحة للتخلي عن حالة الحياد، والاصطفاف إلى جانبه في حربه ضد قوات الدعم السريع".
سقوط الضعين
أعلنت قوات الدعم السريع، الثلاثاء 21 نوفمبر/كانون الثاني 2023، عبر صفحتها الرسمية في موقع "أكس"، السيطرة على مدينة الضعين، عاصمة شرق دارفور، وأنها سيطرت كذلك على قيادة الفرقة 20 مشاة فيها، التابعة للجيش السوداني.
وأتت سيطرة قوات الدعم السريع على هذه المدينة، بعد حصارها الذي فرضته لأيام عدة، بعد انسحاب الجيش منها، وأمهلت المسلحين من القبائل الرافضين لها مهلة لإلقاء السلاح، للسيطرة على الضعين دون اشتباكات.
وكشفت مصادر في المدينة لـ"عربي بوست"، عن "مفاوضات جرت بين الإدارة الأهلية في المنطقة مع قيادات الدعم السريع العسكرية التي وصلت لمداخل ومخارج الولاية، لإقناعهم بالتراجع عن الاقتتال في المدينة، إلا أن قوات الدعم العسكري تمسكت بموقفها العسكري بالسيطرة على المدينة".
وأكدت أن قوات الدعم السريع "استولت على مطار مدينة الضعين، بعد انتهاء الهدنة".
يُشار إلى أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حرباً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلاً عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 6.3 مليون سوداني فروا من ديارهم جراء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.