كشف رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أحد المبادئ التي يتبعها في المفاوضات التي تقودها بلاده، بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، معرباً في الوقت ذاته عن تخوفه من أن تتسبب الحرب الحالية في غزة إلى صراع أسوأ بعد بضع سنوات من الآن.
وأوضح رئيس الوزراء القطري أنه كي يكون وسيطاً موضوعياً في الحرب الإسرائيلية على غزة كان مبدؤه خلال هذا الحدث برمته هو أنه لن يصدق أي كلام من أي شخص حتى يرى الأمور أمامه كلها.
تصريحات آل ثاني جاءت في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الخميس 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حول دور قطر الدبلوماسي بشأن غزة والخطوة الأولى التي اتخذت عقب الاجتماع الذي عقد في الدوحة، بجانب مهمة آل ثاني الحساسة في التوسط في الصراع الحالي.
وضم الاجتماع مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز ورئيس الموساد ديفيد بارنيا مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي قام بدور الوسيط مع زعماء حركة حماس السياسيين المقيمين في بلاده.
وقف القتال أربع ساعات يومياً
وبعد الاجتماع بساعات أعلن البيت الأبيض عن وقف يومي للقتال لمدة أربع ساعات للسماح بالإغاثة الإنسانية؛ على أمل حدوث تبادل للأسرى.
وأوضح رئيس الوزراء القطري دوره في المفاوضات المعقدة والمتطورة في مقابلة مطولة الأربعاء، في نفس القصر الذي اجتمع فيه رؤساء المخابرات في اليوم التالي. وأضاف: "هذه خطوة أولى إيجابية نأمل أن نبني عليها في الأيام المقبلة". "نأمل أن يؤدي ذلك إلى شيء أطول وأكثر استدامة".
وبحسب واشنطن بوست، فإن التقدم الذي تم تحقيقه الخميس كان هو الاتفاق على هدنة إنسانية منتظمة لتخفيف المعاناة الرهيبة للمدنيين الفلسطينيين في غزة – وهو رد جزئي على المطالب في جميع أنحاء العالم بوقف إطلاق النار.
الروايات الإسرائيلية عن الصفقة
فيما ركزت الروايات الإسرائيلية عن الصفقة على تمهيد الطريق لإجلاء الفلسطينيين إلى جنوب غزة، لكن لا بد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أدرك أنه إذا لم يقدم بعض التنازلات، فإنه يخاطر بخسارة المكاسب الدبلوماسية الأخيرة التي حققتها إسرائيل مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أوردت الصحيفة أنه قد يأتي بعد ذلك، التوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح أكثر من 100 أسير مدني أجنبي وجميع النساء والأطفال الإسرائيليين، مقابل إطلاق سراح أكثر من 100 طفل وامرأة فلسطينيين أسرى في سجون الاحتلال، فيما أوضحت أن مفاوضات إطلاق سراح الأسرى توقفت بسبب الطلب الإسرائيلي بأن تقوم حماس بإطلاق سراح الأسرى في غزة أولاً.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قطريين وأمريكيين، أن وضع الأسرى أكثر تعقيداً مما تم الإبلاغ عنه سابقاً، وقد يكون بعض الأسرى محتجزين لدى فصائل أخرى غير حماس، كما أن تحديد موقعهم في متاهة الكهوف تحت غزة ونقلهم إلى الحرية قد يتطلب توقفاً في القتال لمدة ثلاثة أيام على الأقل، وربما لفترة أطول، كما يقول مسؤولون قطريون مطلعون.
"مهمة حساسة"
ووفقاً للصحيفة، فإن لمحمد، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، مهمة حساسة تتمثل في التوسط في الصراع المرير، مشيرة إلى أن هذا الدور قد يبدو غير محتمل وقالت: "فغالباً ما يتم انتقاد قطر من قبل مؤيدي إسرائيل لاستضافتها قادة حماس والسماح لها بالتعليق الإعلامي الإيجابي على الحركة. لكن تعليقات رئيس الوزراء القطري للصحيفة والتي استكملتها محادثات مع مسؤولين قطريين وأمريكيين كبار آخرين، توضح أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير – وأن قناة قطر مع حماس كانت ضرورية للأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء".
أما بالنسبة لحماس، أشارت الصحيفة إلى أن "الحقيقة البسيطة هي أنه بدون قطر كوسيط، لن يكون لدى الولايات المتحدة وإسرائيل قناة جيدة للتفاوض على إطلاق أسرى أو أي شيء آخر يتعلق بحماس. ولهذا السبب، قام رؤساء الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي، بزيارة الدوحة بانتظام لأكثر من عقد من الزمان. وعلى الرغم من استخفاف البعض بها، يبدو أن قطر كانت، على حد تعبير وزير الخارجية أنتوني بلينكن، "شريكاً موثوقاً به في صنع السلام".
منذ اليوم الثاني للصراع، بدأت قطر باستخدام قناتها مع القادة السياسيين لحماس لمحاولة إطلاق سراح الأسرى. وكانت إحدى المشاكل هي أن حماس قالت إنها أسرت جنوداً إسرائيليين فقط، وإن جماعات أخرى، مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وآخرين، أسرت البقية.
وأوضحت الصحيفة: "لقد كررت حماس روايتها منذ اليوم الأول قائلة: لم نأخذ أي مدنيين".
وبحسب الصحيفة فإن رئيس الوزراء القطري قد حذر من أنه لا يستطيع تقييم ما قالته حماس بأن جماعات أخرى أسرت المدنيين: "لكي أكون وسيطاً موضوعياً، كان مبدئي خلال هذا الحدث برمته هو أنني لن أصدق أي كلام من أي شخص حتى أرى الأمور أمامي".
"الابتعاد عن العداء"
وقال آل ثاني للصحيفة إنه ضغط على اتصالاته الإسرائيلية: "لقد أخبرناهم أننا بحاجة إلى الابتعاد عن العداء. نعتقد أنه من خلال حل قضية الأسرى سنكون قادرين على المساعدة في التحرك نحو حلول واقعية لإنهاء الحرب".
فيما أشار مسؤولون أمريكيون وقطريون إلى أن مفاوضات الأسرى في غزة هي أحدث مثال على لجوء الولايات المتحدة وإسرائيل إلى قطر طلباً للمساعدة. ووافقت قطر على استضافة حماس في عام 2012، بمباركة الولايات المتحدة وإسرائيل، عندما غادرت حماس سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك.
كما قال رئيس الوزراء القطري إنه سيواصل العمل مع اتصالاته الإسرائيلية: "نحن نؤمن بالاستقرار. نحن نؤمن بالسلام. ونعتقد أن العامل الأقوى لسلامة واستقرار إسرائيل والفلسطينيين هو التوصل إلى حل سلمي لهذا الصراع".
وأعرب آل ثاني عن خشيته أنه "إذا انتهت الحرب الحالية في غزة مثل الحروب السابقة، فإن إسرائيل والمنطقة ستواجهان صراعاً أسوأ بعد بضع سنوات من الآن".