"الوضع مروّع ورهيب"، بهذه الكلمات وصف مسؤول في الأمم المتحدة الوضع في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ 32 يوماً مخلّفاً أكثر من 10 آلاف شهيد وآلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين، الذين يعيشون رعباً غير مسبوق لا أحد يعلم نهايته.
يقول مسؤولون إن الملاجئ التي تديرها المنظمات غير الحكومية في قطاع غزة شديدة الازدحام لدرجة يستحيل معها إحصاء أعداد من يحتاجون إلى الغذاء والماء والدواء وغيرها من الأساسيات، مع استمرار القتال والقصف، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية الإثنين 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
حيث قال مسؤول في الأمم المتحدة في مجمع بمدينة خان يونس الجنوبية لصحيفة "الغارديان" مساء يوم الإثنين 6 نوفمبر/تشرين الثاني: "الوضع مروّع ورهيب. ولا يتوفر مكان حتى للنوم على الأرض. يوجد مرحاض واحد لـ 700 أو 800 شخص. لا خبز ولا مواقد للطهي. ونشرب من مياه الري".
كما أضاف المسؤول، الذي لم يكن مخولاً بالحديث لوسائل الإعلام: "لا أحد يمكنه تحديد العدد الدقيق للنازحين داخلياً هنا. ولا نعرف شيئاً عما يحدث في الخارج. الجميع لا يركزون إلا على النجاة".
"الوضع رهيب" في قطاع غزة
قالت نور خطيب (33 عاماً)، وهي معلمة رياض أطفال، إن جميع من في المجمع، وهو مركز تدريب مهني يضم الآن حوالي 25 ألف شخص، يشعرون بالرعب من القصف المستمر في قطاع غزة. ويثير الضجيج المستمر للغارات الجوية وأنباء وقوع هجمات قريبة من الملاجئ مزيداً من الذعر.
كما أضافت نور: "بالطبع نحن خائفون، وأبناؤنا معنا. كل من لديه أبناء في هذا العالم يرغب في حمايتهم ونحن لا يمكننا ذلك. ابنتي البالغة من العمر ست سنوات تريد أن تعرف متى ستعود إلى المنزل حتى تتمكن من العودة إلى القراءة والكتابة التي تحبها. أحاول أن أمنحها الأمل وأقول لها: "بالطبع ستعودين إلى المدرسة، لكنني لا أعرف كيف سيكون ذلك ممكناً".
بينما قالت طبيبة أسنان (37 عاماً)، تساعد في إدارة مركز للرعاية الصحية الأولية في المجمع، إنها وآخرين يشعرون "بضياع تام. لا نملك منازل، والمدينة كلها دُمِّرت. إلى أين سنذهب حتى لو حدث وقف لإطلاق النار؟"، وقالت، بعد أن طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية: "فقدنا كل شيء ونشعر بأننا هُجِّرنا هنا".
كان مركز الرعاية الصحية الذي تشارك في إدارته يواجه صعوبات شديدة، وقالت: "الوضع رهيب. فالمكان شديد الازدحام، وانتشرت القمامة والذباب والحشرات في كل مكان. والكثير من الأمراض المعدية انتشرت الآن، وكذلك مشكلات البشرة والمعدة".
أضافت طبيبة الأسنان في قطاع غزة: "الأمر شديد الصعوبة على الأمهات اللاتي لديهن أطفال حديثي الولادة. والكثير من الناس يأتون إلى هنا وهم مصابون بكسور أو حروق أو يشعرون بالصدمة مما رأوه. وبعضهم بُترت أرجلهم وأيديهم. لا يمكنني التعبير عن مدى فظاعة هذه الكارثة. ما يحدث لم يراودني حتى في أبشع كوابيسي".
أوضاع مأساوية في المستشفيات
كان القصف الإسرائيلي على قطاع غزة مساء الأحد 5 نوفمبر/تشرين الأول واحداً من أعنف عمليات القصف منذ بدء الحرب. وفي الشمال، حيث تحاصر القوات البرية الإسرائيلية مدينة غزة ومخيمات اللاجئين المجاورة لها، استهدفت الضربات الجوية والمدفعية المنطقة المحيطة بمستشفى الشفاء.
قال الدكتور مروان أبو سعدة، رئيس قسم الجراحة بالمستشفى، إن الوضع كارثي. وأضاف أبو سعدة، في بيان نقلته منظمة العون الطبي لفلسطين غير الحكومية، إلى صحيفة The Guardian: "السعة صفر. ولدينا 153 مريضاً في غرفة الطوارئ. وجميع الأسرّة مشغولة. ولا مكان لدينا ليذهب إليه المرضى بعد خضوعهم للعمليات الجراحية".
كما أوضح الدكتور أبو سعدة في البيان: "تنتشر نوعية من الديدان في الجروح بعد الجراحة. ومعظم الإصابات والعمليات الجراحية لا تجري متابعتها لأن الطواقم الطبية لا تستطيع التعامل مع حجم تدفق الإصابات كل ساعة".
تبلغ الطاقة الاستيعابية المعتادة للمستشفى 210 أشخاص، لكن العاملين يحاولون الآن علاج أكثر من 800 شخص. وقد قُتل حوالي 150 فرداً من العاملين في المجال الطبي، وهناك إمدادات محدودة من الغذاء والماء. وقال أبو سعدة إن جناح الولادة تدخله الكهرباء والأنوار أربع ساعات فقط في اليوم، ولا تتوفر الكهرباء دون انقطاع إلا في وحدة العناية المركزة وغرفة الطوارئ وغرف العمليات.
بدوره، قال الدكتور تيسير حسن، الجراح في المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، إن المرضى "على الأرض … في كل مكان، بجوار الأبواب، وفي الممرات. نوعية الإصابات التي نراها هي لأشخاص نجوا من الغارات الجوية وانتُشلوا من تحت الأنقاض؛ لذا فأجسادهم تكون مليئة بالجروح وتنزف. ونجري العمليات الجراحية والجروح مغطاة بالذباب. لا شيء نظيفاً، ولا شيء معقماً. المستشفى بأكمله مليء بالدماء والحشرات".
هروب نحو الجنوب
في جنوب قطاع غزة، الذي طلبت إسرائيل من جميع المدنيين الذهاب إليه حفاظاً على سلامتهم، يتجمع الآن أكثر من 700 ألف شخص في الملاجئ في المدارس وغيرها من المرافق التي تديرها الأمم المتحدة، على أن الأعداد الدقيقة ليست معروفة.
فيما تمتلئ المنازل الخاصة أيضاً بالنازحين الذين فروا من منازلهم، وينام كثير من الوافدين الجدد في السيارات أو الخيام. وقالت طبيبة الأسنان في خان يونس: "أنام في سيارتي منذ أربعة أسابيع. وأطفالي ينامون على الرمال".
أمام مستشفى ناصر في خان يونس، أقيمت مدينة من الخيام حول السيارات المتوقفة، ونصبت أغطية بلاستيكية على أسطح السيارات لتوفير الظل. وينام الناس أو يجلسون، ويشحنون هواتفهم من بطاريات السيارات إذا كان بها وقود، أو من الألواح الشمسية إذا لم يكن بها وقود.
قالت منة القصاص (18 عاماً) التي تعيش أسرتها الآن في السيارة لرويترز: "اللحظة الأولى التي لا يمكنني نسيانها كانت حين رأيت منزلنا. تم استهدافه وتدميره وتسويته بالأرض. اختفى هذا المكان الذي كنا نشعر فيه بالراحة والأمان في ثانية".
فقد فرّت عائلتها من مدينة غزة ثم أقامت مع أقارب لها في خان يونس، لكن منزلهم تعرض للقصف أيضاً. وقالت: "جئنا إلى هنا على أمل أن نجد الأمن والأمان، لكننا لم نجدهما. حين تنام تسمع أصوات الصواريخ في السماء… والناس متناثرون في الشوارع، وبعضهم مصابون".
على مسافة غير بعيدة، كان محمد القصاص يعيش مع عائلته تحت غطاء بلاستيكي معلق من سيارته. وقال إن منزلهم دُمر في غارة جوية، وكانت جميع الملاجئ العامة في المدارس التي تديرها الأمم المتحدة ممتلئة. وقال: "البعض ينام هنا على السرير، المغطى بالمراتب، والبعض ينام هنا على الأرض. والبعض ينام على الكراسي".
مستقبل مجهول
هذا ونزح قرابة 1.5 مليون شخص في أنحاء قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد فتح الجيش الإسرائيلي ما يسمونه "ممرات إنسانية" لمنح المدنيين فرصة للامتثال للتعليمات بمغادرة المناطق التي تشهد قتالاً عنيفاً، لكن بعضهم لم يغادر.
أمام مستشفى الشفاء في قطاع غزة قالت هنيد عبد الحكيم سعد إن أسرتها لن تغادر مدينة غزة رغم الهجوم الإسرائيلي ومطالبة المدنيين بالرحيل. فهي تخشى أنهم لو توجهوا إلى جنوب القطاع، فلن يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم أبداً. وقالت: "يمكنهم قطع الماء والكهرباء والطعام، لكننا لن نغادر. ما نريده هو أن نعيش في سلام، وأن يخرج أطفالنا دون أن نقلق عليهم".
فيما رفض بنيامين نتنياهو الدعوات لوقف إطلاق النار أو هدنة إنسانية في القتال، رغم الضغوط الدولية المتزايدة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن الهجوم الإسرائيلي سيستمر حتى يُطلق سراح الرهائن الـ 240 الذين احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
بينما لم تصل أي مساعدات إنسانية تقريباً إلى قطاع غزة في الأيام الأخيرة، لأن الوكالات لم تتمكن من تسليم حتى الكميات المحدودة التي جُلبت إلى القطاع من مصر. وتفتقد نور الخطيب الروضة التي كانت تعمل بها. وقالت: "كانت روضة رائعة، ومليئة بالأطفال الرائعين، الذين يستحقون جميعهم أن يعيشوا".