ناشد مدير العلاقات العربية بوزارة الصحة في غزة، أنور عطا الله، في مقابلة له مع "عربي بوست"، إدخال الوقود بشكل عاجل إلى القطاع، لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات التي خرج عدد منها عن الخدمة بسبب النقص الحاد فيه، وأن يكف العالم عن إرسال الأكفان عوضاً عن المساعدات الطبية اللازمة والعاجلة.
وأكد في حديثه أن الأولوية الطبية بالنسبة لوزارة الصحة في غزة فتح معبر رفح بالكامل، وأنه لا يمكن أن تسد المساعدات المرسَلة الحاجة الطبية الملحة دون أن يكون هناك فتح كامل للمعبر، ووقف للعدوان الإسرائيلي.
وأشار إلى أهمية توفير الكوادر الطبية لمساعدة الجرحى الذين تصل أعدادهم لعشرات الآلاف، مشيراً إلى أن هناك نقصاً كبيراً وشحاً في الأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية.
وشدد على ضرورة نقل المستشفيات الميدانية المقامة قرب القطاع، إلى داخله، موضحاً أن هناك معيقات كبيرة فنية وإدارية وأمنية تحول دون نقل المصابين إليها من القطاع، لا سيما مع الاستهداف الإسرائيلي لسيارات الإسعاف.
إلى نص المقابلة:
الانهيار الذي يشهده القطاع الطبي في غزة جراء العدوان الإسرائيلي، إلى أين وصل؟ وهل يمكن تعويضه بالمساعدات؟
الانهيار في القطاع الصحي وصل إلى ذروته، فهناك نقص حاد في الوقود، أجبرنا ذلك مثلاً على إغلاق أحد المولدين الكهربائيين في مستشفى دار الشفاء، وتركنا الآخر فقط يعمل بسبب نقص الوقود.
غرف المرضى لا يوجد بها إنارة إلا في النهار، بضوء الشمس، كذلك الأمر في غرف العيادات الخارجية.
الكهرباء لا تتوفر إلا في بعض مناطق وزارة الصحة في غزة، مثل غرف العناية المركزة وحضانات الأطفال وغرف غسيل الكلى والأجهزة المرتبطة بها، وغرف العمليات، وفي الساحة الخارجية للمستشفيات، لوجود عدد كبير من النازحين وهم بالآلاف يلجأون إلى مراكز وزارة الصحة في غزة، ولا يمكن أن نتركهم دون إنارة، فقد يسبب ذلك حوادث من شدة الازدحام.
لقد وصل الأمر إلى ذروته، فلا توجد أدوية أو مستهلكات طبية، وما يصلنا إلى قطاع غزة من مساعدات قليلة جداً، لا يساوي واحد بالألف من المساعدات الضرورية.
بالنسبة لمستشفى دار الشفاء (الأكبر في غزة) هو العدد الأقل حتى الآن من المساعدات، فلم يصل إلى شيء قليل جداً والباقي مخصص حسب الاتفاقيات الظالمة إلى منطقة جنوب غزة التي فيها عدد أقل من المرضى والمصابين.
أما المركز الطبي الأساسي، وهو مستشفى دار الشفاء فما يصله من مساعدات غير كافية، ومعظمها مساعدات مما تبقى منذ أزمة كورونا، وعدد قليل جداً من الكمامات والأدوية ومستهلكات خاصة بتثبيت العظام وخيوط الجراحة ومواد التعقيم والتخدير، وكل هذه الأمور تقريباً نفدت بشكل كامل دون بديل حتى هذه اللحظة.
ما عدد الشهداء في القطاع الطبي، وأبرز التحديات التي يواجهها العاملون فيه؟
ناهيك عن الإرهاق الشديد الذي وصل إليه الكادر الطبي، الذي يعمل ليلاً ونهاراً منذ بداية العدوان، قبل أكثر من 25 يوماً، استُشهد منه حتى هذه اللحظة حوالي 135 شهيداً منهم 35 طبيباً، والباقي من سائقي الإسعاف أو موظفي وزارة الصحة في غزة من ممرضين ومسعفين وخلافه، وتضررت حتى الآن أكثر من 45 سيارة إسعاف.
قبل 3 أيام، تم إخراج جميع المرضى والعاملين في مستشفى الصداقة التركي لسببين، الأول تعرضه للقصف 3 مرات، والثاني عدم وجود وقود نهائياً لتشغيل المولدات بالمستشفى، رغم أن المرضى فيه من مرضى الأورام السرطانية.
توفي الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، 4 مرضى سرطان كانوا يقيمون بالمستشفى التركي قبل خروجه عن الخدمة، بسبب عدم تلقي العلاج.
ما الذي تحتاجونه الآن بشكل عاجل في القطاع الطبي؟
لا يمكن حتى هذه اللحظة سد الاحتياجات الطبية اللازمة عبر المساعدات القادمة، فلا بد من فتح معبر رفح بالكامل دون إعاقة؛ لإدخال كل المساعدات والوفود الطبية.
ما نحتاجه بشكل عاجل الآن في القطاع الطبي، أولاً وقف العدوان، فمهما أرسلوا من مساعدات ووقود غير كاف ما دام الجرح لا يزال ينزف.
فالمطلوب وقف العدوان الهمجي الذي يستهدف المدنيين، ثم بالتوازي وبشكل سريع إدخال الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات، ومن ثم الأدوية والمستهلكات الطبية الأساسية اللازمة للتخدير، وتثبيت العظام، والخيوط الجراحية والأدوات الجراحية، وكل أنواع العلاجات والأدوية اللازمة.
وثالثاً، فتح معبر رفح بالكامل ودخول الكوادر الطبية والمستشفيات الميدانية إلى القطاع، فإخراج المرضى للعلاج أمر نواجه فيه عراقيل إدارية وفنية وأمنية، إذ قامت قوات الاحتلال بقصف سيارات الإسعاف المتوجهة إلى منطقة الجنوب وعلى متنها مرضى، وكان يجب أن يصلوا إلى معبر رفح البري.
ما هي العراقيل الإدارية والفنية لخروج المصابين، وهل المستشفيات الميدانية التي أقامتها مصر بالقرب من غزة تساعد بالفعل؟
حتى هذه اللحظة لم يخرج إلا عدد قليل جداً إلى المستشفيات الميدانية، وهناك عرقلة إسرائيلية متعمّدة لخروج الجرحى إليها.
سمعنا من وسائل الإعلام أن المستشفيات الميدانية المقامة في مصر التي أقامتها السلطات هناك أو دول أخرى صديقة وشقيقة، جاهزة للعمل، ولكن عدد من خرج إليها قليل، فالإجراءات معقدة جداً.
إذا ما خرج أحدهم حياً من بيته تعرض للقصف الإسرائيلي، فيخرج الجريح دون بطاقة هوية ولا جواز سفر ولا إثبات شخصي.
بالإضافة إلى أن عملية السفر تحتاج إلى تنسيقات وتحققات وتحقيقات، وكل هذا يعيق نجاح المستشفيات الميدانية ووصول الجرحى إليها.
لذلك نعتقد في وزارة الصحة في غزة، أن نقل المستشفيات الميدانية إلى قطاع غزة هو الأكثر نجاعة ونجاحاً، وكذلك إدخال الوفود الطبية لتشاهد بعينيها الحالات في القطاع.
كذلك، فإن خروج المصابين يفتت العائلات لا سيما في ظل الفقد الكبير لأفرادها بسبب القصف الإسرائيلي، على سبيل المثال إذا رافق أحدهم مصاباً إلى الخارج لا يعرف من يظل مع من تبقى من أفراد أسرته الصغار.
كم تحتاجون لتعويض النقص في الكوادر الطبية، مع استشهاد العديد من الأطباء وجرح آخرين؟
لا يمكن حصر عدد الكوادر الطبية التي نحتاجها بسبب ضغط العمل، فنحن نعمل بشكل مستمر، ولا يمكن أن نعطي أرقاماً دقيقة وسط هذه الظروف بشأن الكوادر اللازمة.
نحن نحترق بالنار، ولكننا بحاجة إلى كل كادر طبي، خاصة في عمليات الجراحة والجراحة التجميلية والحروق وجراحة العظام والعناية المركزة، فنحن نعاني من نقص حاد في الكوادر.
هناك عدد كبير من الجرحى تم إخراجهم من المستشفيات وهم في حالة يرثى لها، وذلك بسبب الازدحام الشديد بأعدادهم، وبسبب خطورة استمرار وجودهم خوفاً من انتقال عدوى لهم من خلال جروحهم.
لكن أين خرجوا وبأي ظروف يعيشون الآن، وما هي المضاعفات التي حصلت معهم، فلا نعلم ذلك.
هل وصلتكم منذ بداية العدوان الإسرائيلي أي مساعدات طبية ضمن الشاحنات؟
لم تصل أي مساعدات تخص الوقود بالمطلق، فحتى الآن لم يدخل إلى قطاع غزة لتر وقود واحد، وهو أولوية بالنسبة لنا.
وصلتنا مساعدات، ولكن جزءاً منها هي مساعدات غذائية، وأخرى طبية وصل من بينها أكفان.
وكأن الرأي العام العالمي ودول العالم والأمم المتحدة تقول لنا أنتم فقط موتوا ونحن نتكفل بأكفانكم.
كذلك تصلنا خيام، من يتبقى حياً في ذروة التكنولوجيا الحالية يريدون منه أن يعود إلى ما قبل 75 عاماً ليعيش في خيمة.
المساعدات الطبية التي وصلت لا تمثل واحداً في الألف مما تحتاجه وزارة الصحة على المستوى الطبي، أما على المستوى الغذائي، فلا تساوي المساعدات 100 غرام نصفه من الماء لكل مواطن فلسطيني، وذلك إذا ما قسمنا ما وصل إلى قطاع غزة على المواطنين.
كم عدد الحالات الطبية المستعجلة من الإصابات التي لا يمكن التأخر في نقلها للعلاج خارج القطاع؟
يؤسفني القول إن هذه الحالات قليلة نسبياً، لأن من يحتاج إلى النقل ولا يتم نقله مباشرة يستشهد فوراً.
العدد الأكبر من هؤلاء الناس يستشهد قبل أن يأتيه الدور للخروج لأجل العلاج، ومثال على ذلك أن الـ80 شخصاً الذين خرجوا الأربعاء الماضي للعلاج كان الحديث عن خروجهم قبل حوالي أسبوعين أو 10 أيام، استُشهد عدد منهم بالفعل والنصف الثاني خرج من المستشفى بسبب الضغط الشديد عليها، ولم نتمكن من الوصول إلا إلى بعضهم.
يشار إلى أنه منذ 29 يوماً، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدواناً على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 9488 فلسطينياً بينهم 3900 طفلاً، وإصابة 24185 شخصاً، معظمهم مدنيون، وتسبب بوضع إنساني كارثي، وفق تحذيرات أطلقتها مؤسسات دولية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ بدء حرب طوفان الأقصى.