مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة في حصد أعداد هائلة من الشهداء، تجد طواقم الدفاع المدني في غزة نفسها أمام خيارين: إما قضاء ساعات في محاولة انتشال الجثث، أو ترك القتلى تحت الأنقاض والإسراع إلى مناطق أخرى لانتشال من لا يزالون على قيد الحياة، وفق ما جاء في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
بينما تحصي وزارة الصحة آلاف القتلى والجرحى في الهجمات الإسرائيلية، يقول الدفاع المدني في غزة إن مئات الجثث ترقد تحت المباني المنهارة. وفي ظل نقص معدات الإنقاذ لدى الدفاع المدني والاستهداف المتكرر لطواقمه، قال أفراده إنهم يتبعون خطة تُقدِّم إنقاذ الضحايا الأحياء على انتشال جثث الموتى.
قال خليل سعيفان، أحد أفراد طاقم الدفاع المدني في غزة، لموقع ميدل إيست آي: "نصل إلى المكان المستهدف، وفي حال اكتشفنا أحياء تحت الأنقاض، نواصل الحفر حتى نخرجهم. أما إذا تأكدنا أن من تحت الأنقاض ماتوا، نغادر إلى موقع آخر".
أضاف: "القصف يحدث في أماكن مختلفة في نفس الوقت، وتُستهدف عشرات الأماكن في ظرف 10 دقائق، والمعدات وأفراد الطواقم محدودة جداً". وأوضح: "لذا علينا أن نختار بين قضاء ساعات في محاولة انتشال عدد من الجثث، أو التركيز على الجرحى المحاصرين تحت الأنقاض قبل أن ينضموا إلى عداد القتلى".
هذا واستشهد ما لا يقل عن 8000 شخص، جلهم من النساء والأطفال، منذ شنت إسرائيل حملة قصف عنيفة على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين شنت حماس هجوماً غير مسبوق رداً على الاعتداءات المتكررة للاحتلال على الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية. وقُتل حوالي 1400 إسرائيلي وأُسر أكثر من 200.
يقول سعيفان، الذي يعمل في منطقة البريج وسط قطاع غزة، إن مئات القتلى لا يزالون تحت الأنقاض. وأضاف: "لك أن تتخيل المشهد في أحد الأحياء بعد دقائق قليلة من دك مبنيين في ضربة جوية واحدة. وهنا، علينا أن نعطي الأولوية لمن لا يزالون يتنفسون تحت الأنقاض. الاختيار دائماً بين الموتى والضحايا الأحياء، وليس بين الأحياء أبداً".
كما قال: "إذا علمنا أنه يوجد أحياء، فقد يستغرق الأمر ساعات لانتشالهم من تحت الأنقاض، لكن لا يمكننا تركهم هناك أبداً". وأضاف سعيفان أن استمرار استهداف طواقم الدفاع المدني في غزة ونقص المعدات يجعل محاولاتهم لإنقاذ الجميع من تحت الأنقاض شبه مستحيلة.
سعيفان قال أيضاً: "اُستهدفنا عدة مرات، وفي عدة مناطق منذ بداية الهجوم. وتحول أفراد طاقمنا من رجال إنقاذ إلى ضحايا. لا يمكن لأي دولة أن تتعامل مع هذا الكمّ من الضربات الجوية التي تستهدف مناطق مختلفة في وقت واحد، ومع هذه الأعداد الهائلة من الضحايا. فلك أن تتخيل الوضع في غزة".
ما فاقم الأزمة عدم توفر الوقود اللازم للجرافات، التي تعتمد عليها طواقم الدفاع المدني في غزة في رفع ركام المباني السكنية متعددة الطوابق كي تصل إلى الضحايا. وبحسب أشرف القدرة، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، لا يزال نحو 940 طفلاً قتيلاً تحت أنقاض منازلهم أو المنزل الذي لجأت إليه عائلاتهم.
في حي الشجاعية، قُصفت عشرات المباني السكنية دون إنذار مسبق من الجيش الإسرائيلي لإخلائها. ونتيجة لذلك، قضت عائلات بأكملها، ولا يزال عدد كبير من الأشخاص في عداد المفقودين تحت الأنقاض.
حين اشتد القصف الأسبوع الماضي، فر أقارب أمينة مغني وأطفالهم من منازلهم إلى منزل شقيقتهم في الشجاعية، إحدى أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في قطاع غزة. وكان نحو 30 شخصاً يقيمون في المنزل حين وقع الهجوم الذي دمره على كل من فيه.
قالت أمينة، وهي من سكان غزة: "لا أذكر اليوم الذي وقع فيه، لكنني أذكر أنني تلقيت مكالمة هاتفية من أحد أقاربي عند الظهر يخبرني فيها أن المنزل سوي بالأرض وأن جميع أقاربي هناك قتلوا. وبعد يومين من الهجوم، لم تكن جثثهم قد انتشلت بعد، ولم يتمكن الدفاع المدني من الوصول إلى منزلهم؛ لأنه يقع في المنطقة الشرقية من الشجاعية، وهي منطقة خطيرة جداً".
كما قالت: "لم أتمكن من التواصل مع عائلتي خلال الأيام الخمسة الماضية لمعرفة إن كانت جثث أقاربنا قد اُنتشلت من تحت الأنقاض، لكنني أعتقد أنهم لا يزالون تحتها".
بحسب وزارة الصحة، قُضت قرابة 688 عائلة، تضم 4807 أفراد، جراء القصف الجوي والمدفعي والبحري الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر. وقال سعيفان من الدفاع المدني في غزة: "حين ينتهي الهجوم ونتمكن من انتشال جميع الجثث من تحت الأنقاض، فيحتمل أن يتضاعف عدد الضحايا عن العدد الحالي".