انطلق مؤتمر الشرق الشبابي الدولي السابع، السبت، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحت شعار "اجتياز العوائق" الذي يعقده "منتدى الشرق" في مدينة إسطنبول التركية، بحضور عدد من الشخصيات السياسية والصحفية والأكاديمية، في ظل التطورات الجارية في القضية الفلسطينية وما يجري من حرب يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، ولمناقشة أمور تهم الشباب في منطقة الشرق الأوسط وارتباطها بالتداعيات الحاصلة على النظام العالمي الناشئ.
المؤتمر الذي ينال اعترافاً دولياً لالتزامه بتمكين الشباب وتعزيز العدالة والسلام، يستمر لمدة يومين متتاليين 21 و22 أكتوبر/تشرين الأول، وينعقد في ظل ظروف استثنائية، حيث يشهد العالم العدوان الغاشم على قطاع غزة.
يجمع مؤتمر الشرق الشبابي السابع أكثر من 1500 شخص من القادة الشباب والناشطين من 50 دولة، إلى جانب 60 شخصاً من الخبراء وصناع القرار، الذين يشاركون في مناقشات وجهود تعاونية بهدف الوصول إلى "مستقبل أفضل لمنطقة الشرق وخارجها". وينعقد المؤتمر بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والتركية.
وأفاد منتدى الشرق (الجهة المنظمة) في بيان إعلامي قبيل انطلاق مؤتمر الشرق الشبابي السابع، وصل "عربي بوست"، بأنه "انطلاقاً من إيمان فريق منتدى الشرق بأن هذه الأوقات الصعبة تتطلب إحساساً متزايداً بالمسؤولية والتزاماً أكبر بمعالجة قضايا المنطقة؛ سيتضمن المؤتمر جلسات عدة تناقش التطورات الحاسمة الجارية في القضية الفلسطينية، علاوة على موضوعات مثل كسر حواجز الهيمنة واستعادة الرواية الفلسطينية".
في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، بدأ الرئيس التنفيذي لمنتدى الشرق، وضاح خنفر، حديثه بـ"السلام على أهل غزة وفلسطين، وعلى الذين لم يقبلوا الخضوع والاستسلام، وسلام على أرض غزة وجوها وبحرها ورجالها، وعلى الذين يساندونهم في كل مكان".
وقال: "أيها الشباب، أنتم الذين ستصنعون المستقبل، أما جيلنا فعاش نكبة ونكسة وهزائم كثيرة، ولكنني أرى في وجه كل واحد منكم معنى جديداً وكلمة جديدة لنصر قادم. الذي نستطيعه أن نقول لكم عن تجربتنا، ثم نترك لكم المجال لكي تقودوا نحو المستقبل، فأنتم في واقع الحال أعلم، وأنتم بطرق الخير ربما تكونون أفضل، لكننا نستطيع أن نشارككم تجاربنا فاسمعوا مني أولاً، فقد عشنا قرناً من الزمن منذ عام 1917 حين انهارت الخلافة في هذا البلد الذي نقف فيه (تركيا)، عشنا قرن إهانة وتيه، وحاولنا أن نؤسس نظماً ودولاً وكيانات، لكن الفرقة والتمزق لم يقودانا إلا إلى مزيد من الضعف والهوان، والارتماء في أحضان الغرب في بعض الأحيان، وبأحضان بعض دول الشرق أيضاً".
مفهوم الأمة
وقال وضاح خنفر: "لا ينبغي عليكم أيها الشباب إلا أن تفكروا بنماذج جديدة، لأن مفهوم الأمة الذي صنع منا قوة اقتصادية وسياسية وأخلاقية تم تمزيقه، وحلت مكانه مفاهيم جديدة، حتى إن أوروبا التي صدّرت لنا مفهوم القومية هي ذاتها تخلّت عن جزء كبير من سيادة الدولة القومية لصالح الاتحاد، ونحن تخلّينا عن الاتحاد لصالح التجزئة، فهم استطاعوا أن ينهضوا، ونحن لا نزال نعرج في سبل الرقي والتقدم".
وأضاف: "أود أيضاّ أن أقول لكم إن أوروبا التي صنعت قيم التنوير والنهضة والحرية والعدالة والمساواة قبل 3 قرون، وأرادت أن تقدمها للعالم أجمع، عبر قيم الليبرالية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان تقف اليوم عارية من كل ذلك، لأنها سلحت قيمها ووضعتها أداة في يد منظومتها الاستعمارية ومنظومة الهيمنة التي أرادت أن تفرض على العالم الهيمنة لعالم أحادي يرى بعين واحدة ويستخدم هذه القيم لمحاكمة ومحاسبة البلدان".
وأوضح أن الغرب "أتوا إلى بلداننا نحن معشر العرب والمسلمين، قائلين إنهم يريدون أن يعلمونا احترام المرأة والطفل والأقليات وحقوق الإنسان، فماذا يحدث عندما يسكتون عن قتل الأطفال والنساء في غزة، بل يبررونه كما فعلوا سابقاً في العراق وأفغانستان؟".
وقال: "هذا يجعلنا نتساءل: هل ينظر الغرب في مراكز قوته ونفوذه إلينا معشر العالم غير الغربي، أبناء الجنوب، أبناء العالمين الإسلامي والعربي، على أننا لسنا بشراً، لسنا مساوين لهم ولا نستحق الحقوق التي كانوا يقولون إنهم يعلموننا إياهم، لقد انكشف القناع وسقطت مجموعة القيم التي سلحت، فهي ليبرالية مسلحة وأرادت الهيمنة فأفشلت الجميل في الليبرالية الأولى التي صنعها فلاسفة التغيير".
عن مفهوم الأمة، قال أيضاً: "يُقال لنا اتركونا من مفهوم الأمة وإن كل دولة لها خصوصيتها وتعمل وحدها، ولكن هذه الأمة في كل مرة تمتحن فيها في فلسطين تنجح فيه، فنحن نرى في عواصم العالمين العربي والإسلامي الرجال والنساء والأطفال حين رأوا الإجرام وبطش النظام العالمي بإخواننا في فلسطين، وحين رأوا حالة النفاق وازدواجية المعايير، هبّوا لكي يدافعوا عن الحق، فهذه أمة لا تموت، لأنها اتصلت بحبل الله المتين".
وشدد على أنه "ينبغي أن نرد على محاولات التفريق، ونرد بالوحدة، فليعانق المغربي الجزائري، وليعانق التركي السوري، وليعانق العربي الكردي، والإندونيسي الماليزي، ولنعد أمة تستطيع أن تؤسس مركزاً للثقافة والفكر والوعي، ومركزاً جيوسياسياً واقتصادياً وتكافلياً، لا بالشعار، بل بجهود الشباب والمثقفين والمفكرين والنخب، لنبني واقعاً جديداً، يكون مستغنياً عن الغرب والشرق".
ووجّه رسالته إلى الشباب بالقول: "أنتم أبناء الجيل القادم عليكم أن تطوروا منظومة قيم جديدة للعالم أجمع، ومن هنا علينا التسلح بالشجاعة، فلا دونية بعد اليوم أمام غربي أو شرقي، ولا عجز أمام أفكار لم تنبت من تراب الحق والعدل والخير والمساواة الحقيقية بين الناس عرباً وعجماً، مسلمين وغير مسلمين، من كل الأعراق والأجناس، كما فعل إمامنا الأول الرسول ص ليكون رحمة للعالمين".
انهيار النظام الدولي
وشدد وضاح خنفر على أن "العالم اليوم يتغير والنظام الدولي الذي بناه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية يتفكك أمام أعيننا، لأنهم ساهموا بتدميره، لقد استطاعت أمريكا منذ 11 سبتمبر/أيلول ثم في العراق إلى أفغانستان ووصولاً إلى حرب غزة الجارية حالياً، تدمير القيم ذاتها التي قام من أجلها النظام الدولي، فالأمم المتحدة تم تجاوزها، والقانون الدولي من يسمع عنه اليوم، لا أحد، كل القيم التي كانت يجب أن تقف كعمود فقري لنظام دولي انهار".
وأكد أنه "نحن اليوم أمام واقع دولي متفكك ويحاول أن يبحث عن نقطة توازن، وبوجود هذه المنظومة الحالية، التي تسيطر بالسلاح والقوة والمال والإعلام، يبدو أننا سنتأخر للوصول إلى نظام عادل؛ لذلك فإن معركتنا؛ أبناء المشرق وأبناء الأمة العربية والإسلامية، أبناء الجنوب، أن نبني نموذجاً عالمياً بديلاً، وألا نقع في نفس الفخ الذي وقع فيه الوعي الغربي المسكون بالهيمنة ومركز السلطة والمال".
وقال: "من هنا، أود أن أتحدث معكم عن معنى الحليف، حلفاؤنا هم الذين لا يزالون يؤمنون بالعدل والحب والحقيقة وهم كثر، نحن لسنا وحدنا، مثل أفريقيا التي عانت مرارات الاستعمار والاستبداد حليف طبيعي لنا، وأمريكا اللاتينية التي عانت محاولات الغرب مص ثرواتها والاستيلاء على قيمها، وآسيا بعمقها الحضاري العريق حليف كبير لنا، وحتى في الغرب كثير من رجالها ونسائها الذين لا يزالون يدافعون عن الحق حلفاء لنا؛ لذلك علينا التحالف مع كل هؤلاء. فأولئك الذين يظنون بأننا غرباء واهمون بذلك. كلنا متساوون، وينبغي أن نمد أيدينا ونتعامل مع غيرنا لبناء كل ذلك".
حول مؤتمر الشرق الشبابي السابع، قال وضاح خنفر: "قيم الشرق عندما انطلقت قبل 10 سنوات، جاءت لبناء وعي جديد في أوساط الشباب، وأظن أن هذا الوعي بدأ يصل إلى لحظة فارقة هي اللحظة التي نقف فيها، لم يعد الأمر هو مسألة تحفيز، بل عمل؛ لذلك فلنخرج من هذا المؤتمر وفي ذهن كل واحد منا، مشروع ليعمل عليه، عندها فعلاً نحقق الرسالة التي تأسس لها هذا المؤتمر، وعندها نحقق ذواتنا ونرتقي بإنسانيتنا".
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المواضيع التي سيتم استكشافها خلال مؤتمر الشرق الشبابي السابع تشمل "السياسة وشبكات وديناميكيات التغيير والاقتصاد والأعمال والتكنولوجيا والصحة النفسية للشباب والإعلام والتعليم والمناخ والذكاء الاصطناعي".
يُذكر أنه من أهداف انعقاد هذا المؤتمر بشكل دوري، تركيزه على تعزيز الحوار والتفاهم بين الشباب من خلفيات متنوعة عبر توفير منصة لتبادل الأفكار والخبرات والحلول المبتكرة لبعض التحديات الأكثر إلحاحاً في العالم. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عُقدت ستة مؤتمرات مختلفة لمناقشة أهم التحديات التي تواجه منطقتنا والعالم، بدءاً من مؤتمر الشرق الشبابي الدولي الأول عام 2012، وحتى مؤتمر الشرق الشبابي السابع 2023.
يُشار إلى أنه منذ تأسيس منتدى الشرق عام 2012؛ عمل المنتدى كمنظمة دولية مستقلة غير ربحية تهدف إلى "ترسيخ قيم التعددية والعدالة مع تطوير استراتيجيات وبرامج طويلة المدى، تساهم في تحقيق المساواة، والتنمية السياسية والازدهار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي لشعوب منطقة الشرق والعالم".