في غمار الهجوم الجوي والمدفعي العنيف الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجّه المتحدث باسم قوات الاحتلال، أفيخاي أدرعي، رسالة على موقع فيسبوك إلى سكان "حي الدرج"، يحثهم فيها على مغادرة منازلهم قبل الغارات الجوية الوشيكة.
لكن موقع The Intercept الأمريكي قال، في تقرير له، نُشر الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، لا أحد يعرف كيف كان من المفترض أن يرى الناس في منطقة الدرج هذا التحذير، في إشارة إلى غياب الإنترنت عن القطاع المحاصر بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل، والذي يستهدف كل شيء في غزة.
الإنترنت "مسألة حياة أو موت"
فقد أدى القصف العنيف على القطاع وانقطاع الكهرباء، إلى انقطاع الإنترنت عن معظم الفلسطينيين في غزة، وهو ما يعرض المدنيين المحاصرين لخطر أفدح مما هم فيه، لا سيما أن الوصول إلى الإنترنت، في ظل الظروف الحالية، أمرٌ بالغ الأهمية، بل ربما مسألة حياة أو موت.
في هذا السياق، قالت ديبورا براون، كبيرة الباحثين في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لموقع The Intercept الاستقصائي الأمريكي، إن "قطع الإنترنت أثناء النزاعات المسلحة يعرّض المدنيين للخطر"، بل "يمكن أن يزيد من الخسائر والوفيات لأن الناس يعتمدون على الإنترنت في التواصل بشأن الأماكن والظروف الآمنة".
حيث كشفت الشركات والمنظمات البحثية التي تراقب التدفق العالمي لحركة الإنترنت، أن وصول سكان غزة إلى الإنترنت قد انخفض انخفاضاً كبيراً منذ بدء ضربات الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن الانقطاع الكامل لشبكة الإنترنت عن بعض العملاء.
كما قال دوغ مادوري من شركة مراقبة الإنترنت "كنتيك" لموقع The Intercept: "قلة قليلة من الناس في غزة هم من لا يزال لديهم خدمة الإنترنت". وقال مادوري إنه تحدث إلى جهة اتصال تعمل مع مزود خدمة الإنترنت في غزة، فأخبروه أن الوصول إلى الإنترنت قد انخفض بنسبة 80 إلى 90% بسبب نقص الوقود والطاقة، والغارات الجوية الإسرائيلية.
تعمُّد الاحتلال الإسرائيلي قصف شركات الاتصالات
أما عن أسباب انقطاع خدمة الإنترنت، فقالت مروة فطافطة، محللة السياسات في مجموعة الحقوق الرقمية Access Now، إن السبب الرئيسي هو قصف الاحتلال الإسرائيلي لمباني المكاتب التي تضم شركات الاتصالات في غزة، مثل برج الوطن الذي دمرته إسرائيل خلال الأيام الماضية؛ والسبب الثاني هو الأضرار التي لحقت بشبكة الكهرباء.
قالت فطافطة لموقع The Intercept: "هناك تعتيم معلوماتي شبه كامل في غزة". فالبنية التحتية للاتصالات مدمرة تحت الأنقاض، وقد وجد سكان غزة أنفسهم في انقطاع رقمي عن العالم بينما هم في أمس الحاجة إلى وسائل الاتصال والبيانات الآن.
كما أشارت فطافطة إلى أن "الناس في غزة يحتاجون إلى الإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية للاطمئنان على أسرهم وأحبائهم، والبحث عن المعلومات اللازمة لإنقاذ حياتهم وسط القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع".
أضافت أنه "من الضروري كذلك توثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في هذا الوقت الذي تنتشر فيه المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي".
اختفاء مزودي خدمة الإنترنت
قال ألب توكر، من شركة NetBlocks العاملة بمراقبة الانقطاع في شبكات الإنترنت، لموقع The Intercept: "هناك بعض الاتصال الطفيف بشبكة الإنترنت، لكن معظم مزودي خدمة الإنترنت في غزة قد اختفوا".
على الرغم من صعوبة التحقق مما إذا كانت هذه الانقطاعات ناجمة عن نقص الكهرباء أم عن قصف الاحتلال الإسرائيلي أم كلا السببين، قال توكر إن التقارير التي تلقاها من مزودي خدمة الإنترنت في غزة تشير إلى أن السبب الجذري هو التدمير الإسرائيلي لكابلات الألياف الضوئية التي تربط غزة بالإنترنت.
لفت توكر إلى أن مزودي خدمات الإنترنت يعرفون مواقع تضرر البنية التحتية أو تدميرها في العموم، إلا أن الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة تجعل إرسال طواقم لإصلاحها أمراً خطيراً للغاية.
مع ذلك، كتبت شركة فيوجن، إحدى شركات الإنترنت الشهيرة في غزة، في منشور على فيسبوك لعملائها، أن تواصل السعي لإصلاح الأضرار في البنية التحتية لشبكة الإنترنت.
قال توكر إن ما تبقى من وصول إلى شبكة الإنترنت في غزة ربما يرجع إلى استخدام المولدات الاحتياطية التي قد ينفد وقودها قريباً في ظل الحصار العسكري المكثف الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.
الإنترنت اختفت عن قطاع غزة
تذهب تقديرات أماندا منغ، الباحثة في معهد جورجيا للتكنولوجيا، إلى أن الاتصال بالإنترنت في غزة انخفض بنحو 55% في الأيام الأخيرة، ما يعني أن أكثر من نصف الشبكات داخل غزة أصبحت معطلة، ولم تعد موصولة بالإنترنت الخارجي.
كما شبهت منغ هذا التعطل بما لوحظ سابقاً خلال الحرب في أوكرانيا وفي السودان. وقالت: "الناس لم يعد يمكنهم استخدام أجهزة الاتصال الشبكية التي تعتمد على الإنترنت".
بينما قال مادوري من كنتيك: "بمقتضى القانون، تمر شبكات الاتصال بالإنترنت في غزة عبر البنية التحتية الإسرائيلية المتصلة بالعالم الخارجي، ولذلك يحتمل أن يترك الاحتلال الإسرائيلي الاتصال متاحاً لأنه قادر على اعتراض الاتصالات" ومراقبتها.
فيما أشارت مروة فطافطة إلى أن إسرائيل تستطيع قطع الإنترنت عن غزة، سواء أثناء الحرب أم في أي وقت عموماً، و"سيطرة إسرائيل الكاملة على البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية والحظر طويل الأمد على تحديث تقنيات الاتصالات" من العقبات البارزة.
كما قالت إنه كلما اشتد الحصار على شبكات الإنترنت، "لا يستطيع الناس في غزة الوصول إلا إلى خدمات الجيل الثاني البطيئة والمتقطعة".
في حين أن التقارير الواردة من غزة تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم وسائل أخرى لتحذير الفلسطينيين، فإن فعالية هذه الوسائل مشكوك فيها، إذ "قال السكان الفلسطينيون في مدينة بيت لاهيا في المنطقة الشمالية من قطاع غزة، يوم الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، إن الطائرات الإسرائيلية أسقطت منشورات تُنذرهم وتحثهم على إخلاء منازلهم".
بينما قالت وكالة The Associated Press الأمريكية إن "المنطقة كانت تتعرض بالفعل لقصف شديد في الوقت الذي سقطت فيه المنشورات".