وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، العملية العسكرية التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد مستوطنات غلاف غزة يوم السبت 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بأنها "سبت أسود" بالنسبة لإسرائيل، متحدثةً عن سلسلة مما وصفته بالإخفاقات الاستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية، والتي أدت إلى تمكن فصائل المقاومة من تنفيذ العملية.
الصحيفة قالت في تقرير مطول، الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن الخطأ الاستراتيجي الأول كان سياسياً، إذ انتهج رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سياسة واضحة تفرق بين حكومة حماس في غزة، وسلطة محمود عباس بالضفة الغربية، حتى يتمكن من إيصال فكرة وجود دولتين.
اعتبرت أن الخطأ الثاني الذي ارتكبته إسرائيل هو أنها "سمحت لحماس بتنفيذ عملية احتيال استراتيجي عليها، فقد تركت الحركة انطباعاً منذ عملية حارس الجدار في مايو/أيار عام 2021، بأن كل ما تريده هو تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية لسكان القطاع، وأن جميع انتهاكات السياج في الأشهر الأخيرة لم يكن الهدف منها سوى تخفيف الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة".
لفتت الصحيفة إلى الحيلة التي لجأت إليها المقاومة، وقالت إن "حماس كانت تتظاهر بأنها حكومة لا تهتم إلا براحة سكانها"، معتبرةً أن ذلك أدى إلى إغراق إسرائيل في النوم كي تخطط "حماس" وتجمع المعلومات الاستخباراتية، وتتدرب على الضربة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل.
الخطأ الثالث الذي تحدثت عنه الصحيفة، والذي ارتكبته الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية، هو الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا، واعتبارها إياها عائقاً وجهاز إنذار لا يمكن تجاوزه، بينما كانت "حماس" تستعد لاقتحام السياج والهجوم على المستوطنات في قطاع غزة.
أضافت الصحيفة أن الاستخبارات الإسرائيلية تصورت أن "حماس" لو فعلت شيئاً لمهاجمة المناطق الإسرائيلية فإنها ستفعل من خلال الأنفاق أو ثغرة في مكان أو مكانين، وبعدد محدود من المقاتلين، وبضع عشرات من قوة النخبة، لاختراق مستوطنة أو قاعدة، فيما لم يقدّر أحد في أجهزة الاستخبارات أنها تملك قوة هائلة، يتراوح عدد أفرادها بين ألف وألفي مقاتل مدرَّب، ولديها وفرة من الأسلحة والمعدات القتالية المتطورة.
لذلك، كان الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية مقتنعين بمتانة الجدار الحدودي المبني من عدة طبقات، وكان الجيش قد ركب كاميرات على الجدار وخلفه، ورادارات قوية، ترصد أي تحرك باتجاه السياج حتى في الأحوال الجوية السيئة والضباب الكثيف، إضافة إلى سياج يطلق تحذيراً في كل مرة يُلمس فيها ولا يمكن قطعه.
تُشير "يديعوت أحرونوت" إلى أن الإخفاق الأكبر على الإطلاق كان الفشل في التحذير من الهجوم، لافتةً إلى أن نحو 1500 مقاتل من قوة النخبة الخاصة بـ"حماس" شاركوا في عملية "طوفان الأقصى".
كذلك كان مئات الأشخاص الآخرين مشغولين بجمع المعلومات الاستخباراتية والتخطيط والتدريب، وقالت الصحيفة إنه "حتى لو افترضنا أن حماس تمكنت من إخفاء هدفها عن الجميع، مثلما فعل السادات قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولم تخبرهم بالهدف من التدريب، فخلال الـ48 أو الـ24 ساعة التي سبقت العملية، حين دخل مقاتلو حماس إلى نقاط الإعداد، كان يفترض بأجهزة الاستخبارات أن تدرك أن شيئاً غير اعتيادي يحدث وأن تصدر تحذيراً، لكنها لم تفعل".
سألت الصحيفة أربعة أعضاء سابقين رفيعي المستوى في أجهزة الاستخبارات والجيش الإسرائيلي: كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وقال أحدهم، وكان يشغل منصباً قيادياً رفيعاً حتى وقت قريب: "لا يمكنني استيعاب هذا".
ولم يكن نظام الإنذار والكاميرات هي وحدها التي توقفت عن العمل، لكن الاتصالات وإدارة القتال تعطلت أيضاً خلال الـ24 ساعةً الأولى على الأقل، وقالت الصحيفة إن ما حال دون وقوع كارثة أكبر كان مبادرات القادة ووحدات كاملة من جيش الدفاع الإسرائيلي.
سبب تفوق "حماس"
تقول الصحيفة إن خطة "حماس" التنفيذية كانت مبنية على عامل تتفوق فيه الحركة على الجيش الإسرائيلي نسبياً، مشيرةً بذلك إلى العدد الكبير من مقاتليها الشباب المدربين من غزة، الذين اخترقوا السياج عند 30 نقطة في وقت واحد وأبطلوا ما تبقى من أجهزة الإنذار الإسرائيلية.
أضافت أن هذا العدد الكبير من المقاتلين كان أحد العوامل التي منعت الجيش الإسرائيلي من وقف الموجة الأولى من الهجوم على السياج، وكانت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضعيفة جداً مقارنة بالقوة المهاجمة وكان معظم الجنود نائمين في تلك الساعات.
نوهت الصحيفة أيضاً إلى أن "حماس" فوجئت بنجاحها، وقالت إن مقاتلسها اندهشوا من قلة المقاومة وسهولة تحركهم في المنطقة.
في ذلك الوقت، كانت قيادة الجيش الإسرائيلي لا تزال تتساءل: لماذا قررت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إطلاق وابل صاروخي كثيف من غزة صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أن استجابت إسرائيل لجميع مطالبها تقريباً.
عقب بدء الهجوم، بدأت شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة بجيش الدفاع الإسرائيلي حشد كل قوة مستعدة وقادرة على التحرك بسرعة إلى القطاع، وهذه القوات، ومعظمها من الوحدات الخاصة، مثل شالداغ وماجلان ووحدة المظليين ووحدات أخرى، وصلت بسرعة، وبعضها في مروحيات وفرتها القوات الجوية.
لكن حين وصلت هذه القوات واجهت قوات "حماس" الخاصة التي كانت تنتظرهم على أطراف المستوطنات وبالقرب من بواباتها، ولم ينطلق سلاح الجو إلا بعد ساعة أو نحو ذلك، وحتى بعد انطلاقه، لم يكن الطيارون يعرفون مَن وماذا يهاجمون وما إذا كان هناك أي رهائن بين مئات الغزيين الذين يركضون على جانبي السياج.
تختم الصحيفة تقريرها، بالقول إن الفوضى كانت عارمة، وأي نجاحات عرضية كان سببها مبادرات كبار ضباط الاحتياط والضباط النظاميين.