عندما بدأت طائرات الاحتلال بقصفِ حي الكرامة في مدينة غزة مساء الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هرع المسعف أمير أحمد وطاقم الإسعاف التابع له نحو أعمدة الدخان الأسود المتصاعدة فوق أسطح المنازل التي انهارت تحت وقع الغارات. إلا أن الانفجارات استمرت بلا هوادة، فلم يتمكنوا من الاقتراب. ولما وصلوا أخيراً اندفعت نحوهم حشود من الناس المذعورين الذين فروا من منازلهم المدمرة للتو، ولم تتوقف الأرض خلال ذلك عن الاهتزاز تحت وقع الضربات الإسرائيلية.
وفقاً لما نقلته صحيفة The New York Times الأمريكية 12 أغسطس/آب 2023، قال أحمد: "الناس يبكون على الأطفال الذين تركوهم وراءهم تحت الأنقاض"، و"يتوسلون إلينا للدخول وإخراج أطفالهم من تحت الأنقاض. كان هذا كل ما يريدونه، أن نذهب ونخرج أطفالهم". و"في بعض الأحيان لا نجد أي شخص على قيد الحياة" تحت أنقاض المباني التي نصل إليها.
ولا يزال الاحتلال يشن موجات من الغارات الجوية على غزة منذ السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد دافع مسؤول إسرائيلي عن الغارات ومنها القصف المكثف الذي أصاب المستشفيات والمدارس والمساجد، زاعماً أن حماس تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية.
إلا أن الضربات الإسرائيلية لم تستثن أحداً من هجومها، حتى المسعفون وعمال الإنقاذ في الهلال الأحمر الفلسطيني. إذ يكافح رجال الإنقاذ والمسعفون والأطباء للوصول إلى الضحايا المدفونين تحت الأنقاض جراء الغارات الجوية الإسرائيلية وإنقاذهم، لكن مساعيهم تعترضها عقبات جسيمة، ليس أقلها انقطاع التيار الكهربائي، وشح إمدادات الوقود التي أوشكت على النفاد، والقصف الجوي الذي يجعل الحركة خطيرة.
وانقطعت الكهرباء في قطاع غزة المحاصر ظهر الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول بعد إغلاق محطة الكهرباء الوحيدة هناك، فقد أمرت إسرائيل بفرض "حصار كامل" على غزة، وقطع جميع إمدادات الكهرباء والغذاء والمياه والوقود.
نقص في الخدمات الطبية
في غضون ذلك، قالت السلطات بغزة إن المستشفيات وخدمات الطوارئ لن تتمكن من مواصلة العمل إذا انقطعت عنها المياه والكهرباء. وقال الدكتور محمد أبو سليمة، مدير مستشفى الشفاء، يوم الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، إن الوقود المتاح لدى المستشفى يكفي لتشغيل المولدات الاحتياطية 4 أيام أخرى على الأكثر، و"إذا توقفت الكهرباء، فإن مستشفياتنا ستصبح مقابر جماعية".
ويكافح عمال الإنقاذ في عدة أحياء لإخراج الناس من تحت أنقاض الكتل الخرسانية المتساقطة والمعادن الملتوية، وتشير مقاطع الفيديو المنقولة عن أماكن القصف إلى أنهم صاروا يعتمدون على مصابيح السيارات والمصابيح الكهربائية والهواتف المحمولة. ويستخدم السكان البطانيات للمساعدة في سحب جثث جيرانهم ونقلهم من المباني المدمرة.
وقال نسيم حسن (47 عاماً)، الذي يعمل سائق سيارة إسعاف في غزة منذ 25 عاماً، إنه لم يشهد حرباً كهذه من قبل، "حين نذهب إلى الأماكن المنكوبة، لا ننقل سوى المصابين والقتلى الموجودين خارج المباني، ولا نستطيع انتشال الجرحى والجثث من تحت الأنقاض"، لأننا "بحاجة إلى الجرافات والمعدات الثقيلة، ولا نملك ذلك، وهناك في مختلف أنحاء غزة كثير من المباني المهدمة التي لا يمكننا انتشال الجثامين من تحتها".
وتقول السلطات إن الحصار المستمر منذ 16 عاماً، يمنع عن القطاع كثيراً من المعدات، مثل سيارات الإطفاء وسيارات الإسعاف والسلالم، وهو ما يزيد من إعاقة جهود الإنقاذ.
من جانبه، حذر فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، من أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، وسيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني "المتردي بالفعل" هناك.
وحاول أحمد وطواقم الإسعاف الأخرى عدة مرات، الاقتراب من المناطق التي تعرضت للهجوم، إلا أن استمرار الغارات الجوية يُجبرهم على التراجع. وقال إن إحدى الضربات وقعت على بعد 5 أمتار من سيارة الإسعاف، لكنهم لم يصابوا بأذى.
وأعلن الهلال الأحمر، الأربعاء، أن الغارات الجوية الإسرائيلية قتلت 4 مسعفين في هجمات على سيارات إسعافهم. وقال أحمد: "هم لا يفرقون بين الأهداف"، "فالمسعفون أنفسهم مستهدفون".
وقالت الأمم المتحدة إن 9 سيارات إسعاف تعرضت للقصف في غزة، وقد وردت بلاغات عن 13 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية منذ يوم السبت. واتهمت وزارة الصحة في غزة إسرائيل باستهداف سيارات الإسعاف استهدافاً منهجياً.
وقال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني في غزة: "عدد كبير من الناس محاصرون تحت الأنقاض حتى هذه اللحظة"، و"بعض العائلات تحت الأنقاض منذ يومين"، و"لا يستطيع عمال الإنقاذ الوصول إليهم بسبب نقص المعدات".
وقال رجال الإنقاذ أيضاً إنهم عاجزون عن مسايرة وتيرة الغارات الجوية والدمار الذي يلحق بها. فالغارات الجوية الإسرائيلية لا تستهدف مبنى هنا أو هناك، بل مربعات سكنية بأكملها.