تُظهر مؤشرات عدة أن إسرائيل تعد العدة لتنفيذ توغل بري في قطاع غزة، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي أعلنت عنها حركة "حماس"، والتي استطاعت خلالها فصائل المقاومة الدخول لمستوطنات إسرائيلية بغلاف غزة، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن الجيش سينفذ هجوماً برياً.
يأتي هذا فيما ارتفعت حصيلة القتلى الإسرائيليين إلى 1200 شخص، حتى صباح الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأثار هجوم فصائل المقاومة صدمة في إسرائيل وفتح الباب أمام انتقادات وضغوط عدة تتعرض لها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا سيما مع توجيه اتهامات للجيش والاستخبارات بالفشل في توقع هجوم المقاومة.
غالانت قال متحدثاً للجنود قرب سياج غزة، إن "حماس تريد التغيير وستحصل عليه. فما كان في غزة لن يكون موجوداً بعد الآن"، وأضاف: "بدأنا الهجوم من الجو، وسنأتي لاحقاً من الأرض أيضاً، سيطرنا على المنطقة منذ اليوم الثاني ونحن في حالة هجوم، وستشتد حدته".
في تأكيد آخر على قرب اجتياح إسرائيلي بري لغزة، نقلت وكالة رويترز، الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن مصدر أمني إسرائيلي- لم تذكر اسمه- قوله إن "الهجوم البري بات الآن محتوماً".
المصدر الأمني الإسرائيلي أشار إلى أنه يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي "لا يمكن تفاديه بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه، سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو".
أضاف المصدر أن الهدف هو "إضعاف الطرف الآخر، وفي غضون هذا جعْل الأفراد يفرون (من المناطق المكدسة). ويتعلق الأمر أيضاً بحجم القوة والاستراتيجية وعنصر المفاجأة، لا يمكنكم الدخول فحسب".
من جهته، قال جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي، إن الضربات الجوية على غزة "بدت مماثلة للغاية للعمليات الإسرائيلية السابقة"، واعتبر أن مثل هذه الأساليب لم تردع حماس في الماضي.
إيلاند ذكر أن "الهجوم البري قد يكون أكثر فاعلية في قتل مسلحي حماس وتدمير سلسلة قياداتهم"، لكنه أضاف: "لا تزال الحكومة مترددة في اتخاذ هذه المبادرة، لأنها قد تنطوي على سقوط قتلى إسرائيليين أكثر بكثير".
أساليب الرد توحي بتوغل بري
عقب انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، أُصيب الجيش الإسرائيلي بالتخبط، قبل أن يلملم شتات نفسه ويبدأ بتنفيذ ضربات جوية على الطرق والمباني ومواقع أخرى في غزة مع إرسال تعزيزات ضخمة إلى القطاع.
وكالة رويترز قالت إن تعبئة الجيش الإسرائيلي وقصفه يبدوان مألوفين، إلى حد يُنذر بالشؤم لأكثر من 2.3 مليون نسمة هم سكان قطاع غزة، الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية في 2005، إذ يبدوان أيضاً تمهيداً لاجتياح بري ربما يماثل، إن لم يتخط، توغلي إسرائيل في 2008 و2014.
كان تدمير الطرق أسلوباً معتاداً في التمهيد للهجوميين الإسرائيليين البريين السابقين على غزة، بالإضافة إلى تشويش الاتصالات وعرقلة حركة "حماس" وجماعات مسلحة أخرى.
يقول سكان إنه عند دخول إسرائيل فإن جرافات قواتها غالباً ما تعبّد مسارات جديدة لتتفادى مركباتها الألغام الأرضية في الطرق الحالية.
لكن يبقى إرسال القوات إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان ليس بالخيار السهل بالنسبة لإسرائيل، رغم توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بانتقام ساحق"، رداً على حصيلة القتلى الضخمة التي أنزلها مقاتلو "حماس" بإسرائيل، في أسوأ اختراق لدفاعاتها المنيعة منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أمام جيوش عربية.
وتقوّض الحرب في المدن تفوق إسرائيل العسكري الساحق، إذ تضعها في مواجهة حركة "حماس" المتمرسة في المعارك، بسبب خوضها صراعات سابقة، وجيدة التسليح بدعم من إيران.
استغرقت الحركة، التي سيطرت على غزة في 2007، سنوات أيضاً لبناء شبكة من الأنفاق التي تساعد المقاتلين في التواري عن الأنظار، وأحياناً ما تطلق القوات الإسرائيلية على شبكة الأنفاق اسم "مترو غزة".
كانت إسرائيل قد فقدت في 2008 تسعة جنود خلال توغلها في غزة، وفي 2014 زاد عدد القتلى إلى 66.
لكن "حماس" في هذه المرة احتجزت أيضاً العشرات من الرهائن خلال عملية "طوفان الأقصى"، وهؤلاء الأسرى بينهم مدنيون وعسكريون، ويمثل ذلك تحدياً ضخماً بالنسبة لتل أبيب، لا سيما مع تعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط من قبل عائلات الأسرى لتأمين سلامتهم، فضلاً عن وجود أسرى من جنسيات أخرى.
في 2011 كانت إسرائيل قد وافقت على مبادلة المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي وحيد هو جلعاد شاليط الذي ظل محتجزاً خمس سنوات.
"المقاومة تجهزت"
من جانبه، قال طلال عوكل، المحلل المقيم في غزة، إن "إسرائيل تعلم مدى حجم الاستعداد لدى فصائل المقاومة، وقدرتها على التعامل مع مثل التوغلات البرية"، مضيفاً أن إسرائيل ربما تتردد في شن هجوم بري.
أشار عوكل إلى أن إسرائيل "تريد أن تدفع غزة الثمن، ولكني لا أعتقد أنها جاهزة لدفع أثمان إضافية إذا ما دخلت غزة".
وحتى مع حشد إسرائيل قوات على حدود القطاع، وتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، لم تقل الحكومة إذا ما كانت سترسل قوات أم لا، وقال الميجر عمير دينار، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "نهاجم بنية حماس التحتية، وسنهاجم بقوة، وسنستمر في الهجوم"، وذلك عند سؤاله عن اجتياح بري محتمل. ولم يخض في التفاصيل.
بحسب وكالة رويترز، فإن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية رفضا التعليق على الموضوع، ونقلت الوكالة عن مسؤول من أحد فصائل المقاومة، طلب عدم ذكر اسمه، قوله: "في حقبة زمنية ما بين 2008 و2014، وما بين 2023، لم تعد المقاومة قليلة العدة أو العتاد".
أضاف المسؤول: "نحن دائماً على جاهزية تامة، وإذا ما دفعت إسرائيل بمزيد من الجنود فمصيرهم سيكون إما جثثاً أو رهائن".
عقب عملية "طوفان الأقصى"، بدأت إسرائيل بردّ عنيف من خلال قصف المناطق السكنية في قطاع غزة، وأشارت أرقام الأمم المتحدة إلى أن حصيلة الضحايا جراء الضربات الجوية على غزة بلغت 830 على الأقل، أمس الثلاثاء، فيما تحول أكثر من 180 ألفاً إلى مشردين.
في حين قالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، في أحدث إحصائية لها، إن عدد الشهداء في القطاع جراء الضربات الإسرائيلية وصل إلى 900 شهيد، منهم 260 طفلاً و230 سيدة، إضافة إلى إصابة 4500 مواطن بجراح مختلفة.
تقول وكالة رويترز إن "حماس" أثبتت بالفعل أنها قوة أشرس وأكثر قدرة مما توقعت إسرائيل، بشنها الهجوم يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتمثل العملية الفلسطينية إخفاقاً مخابراتياً ذريعاً لإسرائيل، التي تتفاخر بقدرتها على اختراق صفوف المسلحين ومراقبتهم، وتكشف العملية أيضاً عن ضعف القيادة الجنوبية في إسرائيل.
يقول دافيد تسور، الرئيس السابق لشرطة الحدود الإسرائيلية، الذي قاد أيضاً وحدة "يمام" الخاصة لمكافحة الإرهاب: "انهارت اتصالات الجنوب وقيادته، ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً"، لكنه قال إن القوات تعافت الآن، وأضاف: "بمجرد تأهب جميع القوات سيكون ثمة رد فعل ناجز".