كشف مصدر أمني في المقاومة الفلسطينية لـ"عربي بوست" أن "القصف الذي شنه سلاح الجو الإسرائيلي خلال اليومين الأخيرين على غزة يأتي في سياق سعي الاحتلال لفرض واقع سكاني وجغرافي جديد في القطاع".
وأضاف المصدر نفسه أن "إسرائيل تنتهج سياسة الأرض المحروقة، انطلاقاً من مبدأ حصر سكان غزة في تجمعات الإيواء بعيداً عن المناطق الحدودية حتى لا تشكل غطاء واسناداً للمقاومة".
رغبة إسرائيل في التهجير
وأضاف المصدر أن "الجيش الإسرائيلي في اليوم الثاني للحرب، قام بضرب الشريط الحدودي لشرق غزة، وتحديداً أحياء الشجاعية، والتفاح، والدرج، ومناطق الشمال الشرقي لبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا بأكثر من 100 طن من المتفجرات".
هذا التكتيك الإسرائيلي، حسب مصدر "عربي بوست"، أرغم نحو 100 ألف غزاوي من سكان هذه المناطق لمغادرتها نحو وسط غزة، هروباً من القصف.
وفور وصول النازحين لمناطق الإيواء وسط غزة، شرع سلاح الجو مرة أخرى عبر طائرات F-16 بإنشاء حزام ناري امتد على مساحة 10 كيلومترات.
واستهدف القصف الوحشي مناطق الرمال الشمالي والغربي، وحي تل الهوى، ومحيط مستشفى الشفاء، ومجمع أنصار الحكومي، ومحيط الجامعة الإسلامية، وغرب مدينة غزة.
وأدى هذا القصف لموجة نزوح أخرى من سكان شرق ووسط القطاع والفرار بشكل جماعي نحو المنطقة الوسطى والجنوب، عبر فتح ممرات إنسانية لم يشملها القصف الإسرائيلي دفعت بآلاف العائلات للجوء جنوباً.
الأمم المتحدة تنشر خرائط القصف قبل وقوعها
وتمكن "عربي بوست" من الحصول على وثيقة خاصة وزعتها الأمم المتحدة على المسؤولين التنفيذيين والإداريين العاملين في مؤسساتها، تحذرهم فيها من البقاء أو المكوث في مناطق وأحياء سكنية للحفاظ على حياتهم كونها ستتعرض لقصف إسرائيلي.
هذه الخرائط مطابقة بصورة كبيرة للمناطق التي تعرضت لأكبر موجة قصف إسرائيلي منذ بدء الحرب، إذ استمر القصف المتواصل لهذه المناطق لمدة 18 ساعة، ما يشير لنية إسرائيل بمسح مربعات سكنية كاملة لدفع المواطنين لمغادرتها.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قد نشر خرائط تفصيلية لتجمعات سكنية يدعو من خلالها المواطنين لمغادرتها فوراً للحفاظ على حياتهم، وهي مطابقة للأماكن التي حذرت منها الأمم المتحدة مسؤوليها من البقاء فيها.
ثم عاد المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي ليؤكد صباح الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على ضرورة مغادرة سكان غزة نحو مصر للحفاظ على حياتهم.
قصف بدون تحذير مسبق
دأبت إسرائيل في الكثير من حروبها مع غزة على أن تتعامل مع قصف المناطق المدنية بصورة حذرة لتجنب الانتقادات الدولية والحقوقية أو إمكانية محاكمة مسؤوليها أمام المحاكم الدولية.
وتطلق إسرائيل صاروخاً من طائرات الاستطلاع لأسقف المنازل المنوي استهدافها تمهيداً لإخلائها، وفور التأكد من مغادرة السكان يشرع سلاح الجو بتدمير المنازل بصواريخ تدميرية.
إلا أن هذه المرة غيرت إسرائيل من سياساتها، وبدأت إسرائيل تقصف المنازل على رؤوس ساكنيها، دون أي تحذير أو إخطار مسبق، ما تسبب بمجازر فضلاً عن موجات الهلع التي أصابت سكان القطاع.
وقد دفع هذا الوضع المقلق والوحشي لطريقة القصف الإسرائيلي لأن تحذر كتائب القسام عبر تصريح للناطق باسمها أبو عبيدة من أن الاستمرار في قصف المنازل على رؤوس ساكنيها دون تحذير مسبق سيدفع بكتائب القسام مضطرة لإعدام الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
يشير المصدر ذاته في المقاومة لـ"عربي بوست" إلى أن مخطط الاحتلال من تغيير طريقة القصف هو خلق صدام بين المقاومة والشارع، عبر تشكيل رأي عام عكسي من خلال مطالبة الجمهور للمقاومة بوقف الحرب وتقديم تنازلات تحت ضغط أزمة اللجوء التي تتفاقم في كل ساعة تستمر فيها الحرب.
إسرائيل تدفع سكان غزة نحو سيناء
ومنذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين سياسيين آخرين أهالي القطاع لمغادرته فوراً.
فقد جاءت الدعوة الأولى من نتنياهو في اليوم الأول للحرب، حيث قال: أدعو سكان قطاع غزة للرحيل والابتعاد فوراً عن غزة، دون الإشارة إلى الجهات المحتملة لمغادرتهم لها.
ثم عاد وجدد دعوته في خطابه أمس الإثنين 9 من تشرين الأول/أكتوبر قائلاً بأن الحرب التي يشنها جيشه ستغير من شكل الشرق الأوسط للأجيال القادمة.
فيما دعا الصحفي اليميني إيدي كوهين سكان غزة للهروب إلى مصر لإنقاذ حياتهم.
مصر تحذر من مخطط دولة سيناء
تهديد نتنياهو تزامن مع قلق أبداه مسؤولون سياسيون كبار في مصر، من أن أطرافاً لم تسمها تدفع الفلسطينيين في غزة نحو حدودها في سيناء ضمن نزوح جماعي.
ونقل مسؤولون رفيعو المستوى في القاهرة بأن دعوات النزوح الجماعي من غزة كفيلة بتفريغ القطاع من سكانه، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، فضلاً عن كون السيادة المصرية ليست مستباحة.
يفهم من هذا التحذير المصري بأن القاهرة لديها ما يؤكد سعي إسرائيل بضوء أخضر أمريكي لزج الفلسطينيين في غزة ونقلهم لسيناء كنازحين.
ولعل ما يثير المخاوف المصرية، هو حادثة قصف سلاح الجو الإسرائيلي للمنطقة الحدودية الفاصلة بين غزة وسيناء، وكأنها إشارة إسرائيلية بنية فتح ممر إنساني لعبور الفلسطينيين نحو سيناء.