ساعات قليلة بعد بداية عملية "طوفان الأقصى" باتجاه مستوطنات غلاف غزة، وبدأت الاعترافات الإسرائيلية تخرج بشأن الإخفاق العسكري والأمني الذي حصل، ومن المسؤول عنه، وماذا حققت حركة حماس من هذا الهجوم النوعي.
أبرز العناوين في الصحافة العبرية عكست الصدمة وحالة الذهول الإسرائيلي من العملية الفلسطينية التي أعلنت عنها المقاومة الفلسطينية تحت عنوان "طوفان الأقصى"، من بينها: "إنه الكابوس" و"إخفاق غير مسبوق".
ونشر نوعام أمير، المراسل العسكري لصحيفة "مكور ريشون" اليمينية عنواناً عريضاً هو "حرب العار"، يتحدث فيه عن العار الذي لحق بالجيش الإسرائيلي جراء عملية المقاومة التاريخية في مستوطنات غلاف غزة.
أما "القناة 12" فجاء عنوانها الرئيسي "إنه الكابوس" مستعرضة ما تعرض له المستوطنون من صدمة جراء مشاهدتهم المقاومين الفلسطينيين أمام أعينهم فجأة دون سابق إنذار، في عملية راح خلالها العشرات من القتلى والأسرى على يد المقاومة الفلسطينية.
في عنوان آخر، جاء في موقع "ويللا" العبري بقلم نير كيبنس، وصفٌ لما حصل بأنه "إخفاق غير مسبوق" للجيش الإسرائيلي، الذي لم يتجهز لمثل هذا السيناريو من دخول المستوطنات ومهاجمة المستوطنين براً وبحراً وجواً.
معظم الاعترافات في الإعلام العبري حول "طوفان الأقصى"، جاءت بأن "عملية حماس التي حصلت فجر السبت، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تأتي بعد 50 سنة ويوم واحد على هزيمة حرب أكتوبر، وأن الإسرائيليين أصابتهم ذات الغطرسة والغرور الذي قاد إسرائيل آنذاك إلى نفس الكارثة التي تعيشها الآن".
واعتبر خبراء إسرائيليون أن مفاجأة 1973 شكلت خطراً وجودياً حقيقياً على إسرائيل، إلا أن "ما حصل اليوم "طوفان الأقصى" أثبت أن إسرائيل كانت مخطئة، فقد فازت حماس بالفعل بهذا الحدث، وتمكنت من مفاجأة الأجهزة الأفضل والأكثر استخباراتية في العالم، وتمكنت من السيطرة على الحدث لساعات طويلة، مع ضخ العشرات من المقاتلين داخل إسرائيل؛ ما أسفر عن مقتل عدد غير قليل من المستوطنين"، بحسب موقع "زمان" العبرية.
المقاومة تتجول
في سياق متصل، أكدت تقديرات أخرى أن "أصوات سكان المستوطنات الجنوبية الخائفة أعادت إسرائيل 50 عاماً إلى الوراء بالضبط، على أصوات الرعب التي ارتفعت على شبكات الاتصالات من معاقل الجنوب، ولذلك ستأتي فترة الحساب المؤلمة مع المؤسسة الأمنية بسبب المشاهد القاسية التي انكشفت أمام أعين الإسرائيليين، وهم يصوّرون خلايا مسلحة تتجول في الشوارع، ويبدو أنهم خدعوا أنفسهم حتى هذا الصباح بأن جهاز الأمن على الأقل يختلف عن بقية الأنظمة الاقتصادية المنهارة".
في الوقت ذاته، فإن وقوع عملية "طوفان الأقصى" اليوم بالتزامن مع إحياء إسرائيل للذكرى السنوية الخمسين لحرب أكتوبر، "يعني أنها أمام تكرار للفشل الذريع، لأن المشاهد القادمة من حدود قطاع غزة لا يمكن تصورها من قبل الإسرائيليين، والمستوطنون يسألون: أين الجيش الإسرائيلي؟ لأن الدهشة والخيبة والانكسار هي نفسها، وانهيار الجهاز الأمني في لحظة الحقيقة ليس أقلّ من مذهل"، بحسب موقع "وللا" الإسرائيلي.
تشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن "التجارب العسكرية منحت المقاومين مزيداً من الخبرة، مستفيدين من تجارب سابقة في عمليات لم تحقق النجاح المرجوّ منها، وحاولت بعض المجموعات العسكرية العمل في محيط المواقع والمستوطنات اليهودية، ولم تكن النتائج كاملة رغم محاولات اصطياد دوريات الاحتلال ودباباته على طرق تحركها من وإلى هذه المواقع، والوصفة الأخيرة التي اكتشفها القادة الميدانيون لقوى المقاومة هو تنفيذ العمل بعد الوصول لبيت العدو، وليس مهاجمته من الخارج، وقد ثبت نجاح هذا الأسلوب في بعض العمليات".
شكل هجوم المقاومة "طوفان الأقصى"، وفق الاعتراف الإسرائيلي، فجر السبت، "نجاحاً للمقاومة من اكتشاف وصفة جديدة لكيفية مواجهة المستوطنات اليهودية المحصنة والمنيعة، من خلال تنفيذ عدة عمليات عسكرية نوعية، وقد استفادت قوى المقاومة في قطاع غزة من تجارب تراكمية خلال أعوام من العمل العسكري، خصوصاً في مجال اقتحام مواقع الاحتلال، بحيث شكل تسلل المسلحين إلى مستوطنة ما تحقيقاً لكابوس إسرائيلي قديم مروّع منذ سنوات السبعينيات، ولكن بنسخة منقحة وحديثة، والإحساس الذي يسود منذ ساعات بين الإسرائيليين هو انهيار سور آخر من أسوار الردع".
طوفان الأقصى وهزيمة نكراء
ربط الكثير من الإسرائيليين في الساعات الأخيرة بين مهاجمة مستوطنات غلاف غزة من مسلحي المقاومة الفلسطينية وما نفذته من عمليات اقتحام سابقة، والهزيمة التي حلّت بجيش الاحتلال وتحصيناته وجدرانه الأمنية الكبيرة جداً، وأهمها أن منفذيها هاجموا حتى النهاية، وكأنهم خاضوا على طريقة حرب العصابات.
وتمكن الفدائيون خلال عملية "طوفان الأقصى"من اقتحام المستوطنات من فوق الأرض وتحتها، ولذلك من الطبيعي أن تبادر حماس لتوفير عنصر المفاجأة للعملية، لأن الاقتحام تم عبر الجدار الإلكتروني، حيث قام المقاومون، كما يبدو، وفق المصادر الإسرائيلية، بقصّ الأسلاك، ثم دخول مستوطنات غلاف غزة، دون أن يكتشفهم أحد، إلى أن تمت مهاجمة الأهداف الإسرائيلية.
في الوقت ذاته، ورغم أن مستوطنات غلاف غزة تبدو محصّنة، لكنها شهدت مهاجمتها، والاشتباك معها في مساحات واسعة، لذلك كانت مدة الاشتباك طويلة، ولعدة ساعات، ويبدو أن المقاومين استغلوا المساحات الواسعة والمنازل في الحركة والمواجهة؛ لذا كانت مدة الاشتباكات طويلة والخسائر طالت العديد من الإسرائيليين، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
لا جدار عصياً على الاختراق
مع العلم أن اختراق المقاومين الفلسطينيين للجدار الحدودي في عملية "طوفان الأقصى" أكد فرضية أنه لم يولد بعد الجدار الذي لا يمكن اختراقه، كما اعترف ضباط آخرون أن جدار الإنذار العسكري الدقيق كان بمقدوره تشخيص المقاومين بوقت أكبر بربع ساعة، الأمر الذي يدل على أن عمليات الرصد التي سبقت العملية كانت ناجحة، وهي حصيلة عدة تجارب سابقة؛ لذا تم اختيار الثغرة في منظومة الأمن لمستوطنات غلاف غزة.
وأكد العديد من التقارير الإسرائيلية في الساعات الأخيرة أن المقاومين الفلسطينيين أخضعوا مواقع الاحتلال للمراقبة بعدسات مكبرة، لأنهم يدركون أنه يجب أن تكون هناك ثغرات، وبعد الرصد والمتابعة تحقق النجاح لعملية اليوم، من خلال إحداث عنصر المفاجأة حتى آخر لحظة، ولم يتم اكتشافهم، أو ملاحظتهم.
ولذلك وقع الجيش الإسرائيلي في حيرة امتدت فترة طويلة، حيث مر وقت طويل بعد الاشتباكات قبل أن تتضح الصورة لجنوده، الذين بقوا لساعات طويلة يتعاملون مع فرضيات وتخمينات حول عدد المقاومين، وإمكانية احتجازهم للمستوطنين رهائن في المنزل.
حرب عصابات
تكشف التقديرات الإسرائيلية عن أحداث الساعات الأخيرة من "طوفان الأقصى"، أن غلاف غزة الذي تعرض لهجوم المقاومة الفلسطينية المحاط بكتل من المستوطنات لم تكن الوسائل الدفاعية من كل اتجاهاتها ذات فاعلية، وكذا المنطقة الزراعية لها المنفصلة عن المستوطنة نفسها، وتعتبر جزءاً من مجال الحماية لجيش الاحتلال، وفي محيطها تنتشر عشرات من مواقع الحراسة، التي يفترض أن يشغلها جنود على مدى 24 ساعة في اليوم، لكن ذلك لم يكن فعلياً لدى اقتحام المقاومين لهذه المواقع.
شكلت مستوطنات غلاف غزة هدفاً مفضلاً لقوى المقاومة للكثير من الاعتبارات الميدانية والعسكرية، وحظيت على مدار السنوات بالتحصين الجيد، وتفرض عليها حراسة مشددة باستخدام تقنيات عالية، بجانب تمشيطها باستمرار، وإعلان حالة الاستنفار جراء سماع أي حركة في محيطها، لكن ما بثه المقاومون من مشاهد صباح اليوم أكد أن الطريق كانت معبّدة أمامهم، بعكس ما كان متوقعاً.
أكدت عملية "طوفان الأقصى" في مستوطنات غلاف غزة أن الوسائل الإلكترونية الجيدة جداً، ووسائل الرؤية الليلية، والجدران المعقدة وأبراج الحراسة لا تكفي ضد مقاومين منفردين يحملون أسلحة فردية، لكنهم يعرفون كيف يستغلون الروتين والثقة بالنفس للطرف الأكثر تسلحاً وتجهيزاً لخوض حرب عصابات ضد الجيش، ولعل مثل هذا الحدث القاسي يكشف أن الروتين الميداني هو العامل الأبرز في الفشل المحلي لجيش الاحتلال.
ورغم أن جيش الاحتلال شرع بعد تصاعد العمليات ضد مستوطنات غلاف غزة في السنوات الأخيرة في تنفيذ برنامج لتدريب المستوطنين، بهدف تأهيلهم لإحباط عمليات تستهدفهم، ورفع حالة التأهب في المستوطنات، بحيث يستطيعون بأنفسهم صدّ أي عملية تسلل لفدائيين، بناء على التجارب السابقة لاقتحامهم المستوطنات، وتنفيذ عمليات داخلها، لكن ما حصل فجر السابع من أكتوبر، أثار هلعهم ودفعهم إلى الهروب الجماعي من مستوطنات غلاف غزة.
كابوس تحقق
شهدت الساعات الأخيرة صدور العديد من ردود الفعل الإسرائيلية التي تحمل الحكومة والجيش مسؤولية الثمن الدموي الذي دفعه المستوطنون والجنود، وطالبوا بفحص الإخفاقات في الحراسة حول مستوطنات غلاف غزة، الأمر الذي أسفر عن خروج مشاهد صادمة للإسرائيليين.
أمام كل هذه التطورات، فإن جيش الاحتلال تريث قبل شروعه بالرد على هجوم المقاومة، ما أثار عليه الكثير من الانتقادات الداخلية التي اتهمته بالتردد والخشية من الرد على حماس، وفي الوقت ذاته تحدثت أوساط عسكرية إسرائيلية أن الجيش ربما يحضّر لبنك أهداف خاص بالمقاومة في غزة، ما قد يجعل من الساعات القادمة فرصة لمعرفة ما قد تسفر عنه المباحثات الجارية بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية أمام الانتكاسة التي أصيبت بها الدولة.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الشروع بعملية "السيوف الحديدية" للرد على هجوم حماس، دون أن تتضح طبيعتها وحجمها العسكري وعمقها الجغرافي، وسط ترجيحات من الأوساط الإسرائيلية أفادت: "أننا أمام أيام طويلة من القتل والمواجهة بين المقاومة والاحتلال، الذي يشعر باستهداف ما يصفه بـ"كبريائه العسكري" من شبان فلسطينيين محاصرين في غزة.
يشار إلى أن المقاومة الفلسطينية في غزة أطلقت عملية أسمتها "طوفان الأقصى" السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضد المسجد الأقصى والمقدسيين، تمكنت من خلالها السيطرة مؤقتا على العديد من مستوطنات غلاف القطاع، وقتل العديد من الجنود الإسرائيليين وأسر آخرين بالإضافة إلى مستوطنين في عملية تعد الأكبر للمقاومة ضد إسرائيل.