أفادت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الخميس 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بأن العراق يسعى للحصول على شحنةٍ خاصة تحوي مليار دولارٍ نقداً من مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، لكن المسؤولين الأمريكيين امتنعوا عن الموافقة على الطلب، وقالوا إنه يتعارض مع جهودهم لكبح جماح استخدام الدولار في العراق وتعطيل تدفقات النقد غير الشرعية إلى إيران.
الصحيفة أشارت إلى أنه منذ غزو الولايات المتحدة للعراق قبل عقدين، ترسل الولايات المتحدة 10 مليارات دولار أو أكثر إلى بغداد على متن رحلات شحن نصف شهرية تحمل منصات ضخمة من النقود، على أن تُخصم من عائدات مبيعات النفط العراقية المودعة لدى الاحتياطي الفيدرالي.
لكن الأوراق النقدية تحولت في يد العراقيين إلى مصدر مربحٍ للدولارات غير المشروعة لصالح الميليشيات النافذة والساسة الفاسدين، وكذلك إيران، بحسب المسؤولين الأمريكيين.
تدفق الدولارات لبغداد
وتسلط المشاحنات في الكواليس الضوء على اعتماد بغداد الفريد من نوعه على الدولار، وعلى نظامٍ غير معروف يمد بغداد بالعملة الأمريكية الثمينة.
حيث تتدفق مبالغ هائلة من الدولارات عبر المصارف العراقية ومكاتب صرافة العملات التي لا تخضع لتنظيم كبير، والتي يقول الأمريكيون وبعض المسؤولين العراقيين إنها تعج بالمعاملات الاحتيالية وأنشطة غسيل الأموال.
وحسب الصحيفة فإن واشنطن قد حظرت تعامل 18 مصرفاً عرقياً بالدولار منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفرضت مجموعة قواعد أكثر صرامة على تحويلات الدولار الإلكترونية من مصارفها.
بينما أخبر مسؤولو الخزانة الأمريكية مسؤولي المصرف المركزي العراقي بأن إرسال شحنة إضافية ضخمة يتعارض مع هدف واشنطن، التي تسعى لتقليل استخدام الأوراق النقدية الأمريكية في العراق وزيادة المعاملات الإلكترونية التي يسهل تتبعها، وفقاً لمسؤولين عراقيين.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن هناك أدلةً قوية منذ سنوات على أن بعض الدولارات المتجهة للعراق قد جرى تهريبها نقداً إلى إيران، وكذلك لبنان وسوريا والأردن.
من جانبها، أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخزانة في تعليقها على طلب النقود العراقي: "تواصل الولايات المتحدة دعمها للعراق بالأوراق النقدية الأمريكية، ولم تُقيّد وصول العراقيين العاديين والشركات العراقية إلى العملة".
وأردفت: "سنواصل التعاون مع زملائنا في البنك المركزي العراقي". وأضافت أن الولايات المتحدة تدعم الخطوات العراقية "لتعزيز استخدام العملة المحلية داخل العراق".
غضب عراقي
بينما أثار الرفض الأمريكي الأول غضب بعض المسؤولين العراقيين، الذين يقولون إنهم طلبوا مليار دولار إضافية من حسابهم بسبب انخفاض الاحتياطي النقدي في البلاد.
وأوضح المسؤولون أن انخفاض الاحتياطي جاء نتيجة محاولات الولايات المتحدة لتقييد تدفق الدولار، ما أثار حالة شراء مذعور للعملة الخضراء ودفع مكاتب الصرافة لاكتناز الدولارات.
يُذكر أن سعر الصرف غير الرسمي للدولار في العراق قفز من 1.470 ديناراً إلى 1.560 ديناراً مقابل الدولار الواحد منذ يوليو/تموز، ما رفع أسعار الواردات وأثار قلق المسؤولين العراقيين قبيل الانتخابات المحلية المزمع عقدها في ديسمبر/كانون الأول. بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 1.300 دينار مقابل الدولار الواحد.
أما بالنسبة للمسؤولين العراقيين الذين تجمعهم علاقات بالميليشيات النافذة المتورطة بشدة في تحويلات الدولار؛ فقد أدانوا القيود الجديدة التي فرضتها واشنطن ووصفوها بأنها تعدٍ على السيادة العراقية.
من جانبه، قال معين الخادمي، عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي وعضو منظمة بدر (الميليشيا الشيعية وثيقة الصلة بإيران): "يختلق الجانب الأمريكي الأعذار حتى لا يمنح العراق أموالها الشرعية القانونية".
فيما قال داوود عبد زاير، رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي، إن طلب البنك المركزي لدولارات إضافية يمثل خطوة احترازية "حتى يمتلك البنك النقد الكافي للتدخل والتحكم في تقلبات السوق".
يُذكر أن الهدف من إغراق بغداد بالدولارات طوال فترة الاحتلال الأمريكي، الذي استمر لعقدٍ كامل، كان إحلال الاستقرار في الاقتصاد العراقي الذي انهار تحت وطأة العقوبات والغزو المدمر، وفقاً للصحيفة.
"مزاد الدولار"
ومن أجل المساعدة في تدفق النقد، ابتكر المسؤولون العراقيون ومستشاروهم الأمريكيون نظام "مزاد الدولار" المزعوم في أواخر عام 2004. ويمثل هذا المزاد عملية بيع يومية للعملة الأمريكية بسعر ثابت عن طريق البنك المركزي، وتشارك في المزاد المصارف ومكاتب الصرافة العراقية. بينما يُعاد بيع تلك الدولارات بسعر صرف أعلى في السوق السوداء بعدها، لتدر أرباحاً سريعة على أصحابها.
ولم يتغير هذا النظام كثيراً منذ ذلك الحين، لكنه ساعد في زيادة الفساد وتفشي غسيل الأموال بحسب المسؤولين الأمريكيين والعراقيين. ولم يتوقف الأمر عند النقود التي يجري توصيلها في طائرات الشحن فحسب. إذ يرسل الاحتياطي الفيدرالي قدراً أكبر من المال -يصل إلى 40 مليار دولار سنوياً- عبر التحويلات المصرفية إلى المصارف الأجنبية (وغالبيتها في دبي) بالنيابة عن المصارف العراقية، من أجل سداد قيمة الواردات في الظاهر.
وقد أخفقت جهود الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتعطيل تدفق الدولارات غير الشرعية. ويرجع سبب ذلك جزئياً إلى أن قطع تدفق الدولارات يخاطر بإغراق الاقتصاد العراقي في الفوضى.
وجاء الطلب النقدي الأخير في خضم سلسلة من الاجتماعات بين المسؤولين العراقيين ومسؤولي الخزانة الأمريكية. حيث اجتمع رئيس الوزراء محمد السوداني مع وكيل وزارة الخزانة برايان نيلسون في نيويورك يوم الـ18 من سبتمبر/أيلول. كما اجتمع قبلها بأسبوع في بغداد مع مساعدة وزير الخزانة إليزابيث روزنبيرغ، المكلفة بالإشراف على جهود مكافحة تمويل الإرهاب.
ورفض المسؤولون العراقيون ذكر مقدار الانخفاض في حجم احتياطياتهم النقدية الحالية. بينما يتجاوز إجمالي احتياطيات العراق الدولارية في مصرف الاحتياطي الفيدرالي حاجز الـ100 مليار دولار، وغالبيتها من إيرادات النفط العراقي. لكن البنك المركزي العراقي اعتاد الاحتفاظ بمليار دولار من النقد في الخزائن العراقية خلال السنوات الماضية.
وقال مسؤولون عراقيون إنهم في انتظار شحنتين أخريين من الدولارات الأمريكية المقرر وصولهما في وقتٍ لاحق من العام الجاري.