سحبت روسيا الجزء الأكبر من أسطولها في البحر الأسود من قاعدتها الرئيسية في شبه جزيرة القرم الأوكرانية المحتلة، وهي خطوة تنطوي على اعتراف دامغ بالصعاب التي تعترض سيطرة موسكو على الجزيرة أمام هجمات الصواريخ والطائرات المسيَّرة الأوكرانية، بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكشف مسؤولون غربيون وصور الأقمار الصناعية التي تحقق منها خبراء بحريون، أن روسيا نقلت قطعاً بحرية قوية، منها 3 غواصات هجومية وفرقاطتان، من سيفاستوبول إلى موانئ أخرى أفضل حمايةً في روسيا وشبه جزيرة القرم.
"انتكاسة لموسكو"
ووفقاً للصحيفة الأمريكية فإن هذه الخطوة تمثل انتكاسة بارزة لمساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان استيلاؤه العسكري على شبه جزيرة القرم في عام 2014 بمنزلة الطلقات الأولى في محاولته السيطرة على أوكرانيا، لكن الغزو الواسع النطاق لأوكرانيا، العام الماضي، عاد على أسطوله بالضرر، ما اضطره الآن إلى إخراج السفن من ميناء كانت روسيا قد طالبت به لأول مرة في عام 1783 في عهد الإمبراطورة كاثرين العظيمة.
ويأتي الانسحاب من سيفاستوبول في أعقاب سلسلة من الضربات التي شنتها أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، وألحقت أضراراً جسيمة بالسفن الروسية ومقر الأسطول.
من جهته، قال خبراء بحريون إن الآثار العسكرية المباشرة لهذه الخطوة محدودة، لأن السفن الروسية لا تزال قادرة على إطلاق صواريخ كروز على البنية التحتية المدنية، مثل الموانئ وشبكات الطاقة. وقد كسرت الضربات الأوكرانية بالفعل حصار الأسطول على الموانئ الأوكرانية، ومنعت روسيا من الوصول إلى أجزاء من البحر الأسود، وفتحت ممراً جديداً لأوكرانيا لإرسال شحنات الحبوب المهمة اقتصادياً.
ومع ذلك، فإن الانسحاب الروسي دفعة معنوية جاءت في الوقت المناسب لأوكرانيا، إذ إن هجومها المضاد أبطأ تقدماً مما كان مخططاً له، وقواتها تعاني خسائر فادحة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تشهد خلافات سياسية فيما يتعلق بتمويل جهود كييف لطرد قوات الاحتلال الروسية.
"هزيمة لأسطول البحر الأسود"
وفي جلسة بمنتدى وارسو الأمني، هذا الأسبوع، وصف جيمس هيبي، وزير القوات المسلحة البريطاني، خروج السفن من قاعدتها بشبه جزيرة القرم، بأنه "هزيمة لأسطول البحر الأسود في أداء وظيفته".
فيما قال ميخائيل بارابانوف، أحد كبار المحللين في مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، إن صور الأقمار الصناعية المؤرخة في 1 أكتوبر/تشرين الأول، والتي قدمتها شركة Planet Labs، كشفت أن معظم القطع البحرية بالأسطول نُقلت إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود.
وتضمنت القطع المنقولة جميع الغواصات الهجومية الثلاث العاملة من طراز "كيلو"، وفرقاطتين للصواريخ الموجهة، وسفينة دورية واحدة. وقال بارابانوف إن روسيا نقلت سفناً أخرى، منها سفينة إنزال كبيرة، وعدداً من سفن الصواريخ الصغيرة وكاسحات ألغام جديدة، إلى ميناء فيودوسيا الواقع شرقاً على امتداد شبه جزيرة القرم.
الصداع اللوجستي
وفي حين أن هذه الخطوة قد لا تمثل سوى إجراء مؤقت للحماية من الضربات الأوكرانية، فإن الصداع اللوجستي المتمثل في نقل هذه القطع، التي تعد من أثقل السفن الروسية، تُبرز الخطر الكبير الذي تمثله قدرات كييف الهجومية.
واستهدفت أوكرانيا شبه جزيرة القرم في الأسابيع الأخيرة بصواريخ كروز، ألحقت أضراراً جسيمة بغواصة روسية وسفينة إنزال كبيرة، فضلاً عن مقر أسطول البحر الأسود. ويرجح المحللون أن تلك الضربات استخدمت صواريخ كروز قدمتها بريطانيا وفرنسا.
من جانبه، قال يوروك إيسيك، الخبير البحري ورئيس شركة بوسفورس أوبزرفر الاستشارية، إن صور الأقمار الصناعية أظهرت شبكات وصنادل موضوعة عند مدخل حوض بناء السفن في فيودوسيا، ما يوضح أن روسيا متخوفة من وقوع المزيد من الهجمات الأوكرانية على المنشأة.
وقالت ناتاليا هومينيوك، المتحدثة باسم قوات الدفاع الجنوبية الأوكرانية، الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول، إن أوكرانيا دفعت خط المواجهة في البحر الأسود إلى مسافة 135 كيلومتراً بحرياً على الأقل من الشواطئ الأوكرانية، وإن السفن الروسية لم تعد تتجاوز كيب تارخانكوت، في الطرف الغربي من شبه جزيرة القرم.