احتدمت معركة تحرير التوكيلات اللازمة لخوض الانتخابات الرئاسية في مصر بين أنصار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمرشح الأبرز ضده أحمد ابطنطاوي، الرئيس السابق لحزب تيار الكرامة المعارض.
وكثرت شكاوى عديدة من التضييق على أنصار الطنطاوي المرشح المحسوب على المعارضة، ما قاد إلى تصعيد سياسي من جانب الحركة المدنية الديمقراطية التي لوَّحت بالانسحاب من المعركة الانتخابية في حال لم تتوقف تلك المضايقات.
وعقدت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي تضم مجموعة من الأحزاب والشخصيات المحسوبة على المعارضة مؤتمراً صحفياً الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تضمَّن سرد العديد من وقائع التضييق على أنصار المرشح أحمد الطنطاوي.
وكان الهدف من هذا المؤتمر الذي عُقد من طرف أحزاب المعارضة المصرية، التعريف بما يدور أمام مكاتب الشهر العقاري، وهي المختصة بعملية تحرير التوكيلات المطلوبة للترشح في الانتخابات.
منع التغيير بشكل سلمي سيؤدي إلى الانفجار
وقال المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، وهو مؤسس حزب تيار الكرامة، خلال المؤتمر الصحفي، إن الحركة المدنية ستقاطع الانتخابات الرئاسية إذا ظل الوضع كما هو عليه الآن، مضيفاً: "ما يحدث الآن هو محاولة لمنعنا من المشاركة في الانتخابات".
وأكد صباحي في المؤتمر الذي شهد حضور شخصيات معارضة، أن الدولة المصرية بحاجة إلى التغيير، وأن المعارضة ليست عدواً للسلطة، ولكن لها موقف مستقل ومعبر عن مجموعة معارضة للسلطة الحالية.
وأشار المتحدث، إلى أن المصريين إذا مُنعوا من التغيير بشكل سلمي فسيتجهون إلى الانفجار، وأن سياسات الدولة الحالية تدعو إلى انفجار وستكون نتائجه سلبية جداً ولن تتحملها الدولة المصرية.
وطالب المتحدث بوقف كل الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون أمام مكاتب الشهر العقاري، قائلاً: "ما تشهده مصر الآن غير مُبشر بأي شكل من الأشكال، ونحن لدينا حلم بأن نشهد انتخابات حقيقية ونزيهة ينتج عنها تغيير آمن للسلطة".
وتعرض المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي لمضايقات من جانب عدة أشخاص من أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي بمحافظة الشرقية، وحاول بعض الموجودين أمام أحد مكاتب الشهر العقاري في مدينة الزقازيق منعه من الوصول إليه.
وفي فيديو نشره الطنطاوي، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، ظهر الطنطاوي بجانب عدد من أنصاره قبل أن يعترضهم عدد من أنصار السيسي، وتحدث إليه أحد الأشخاص قائلاً: "لو بتحب الناس اللي معاك متخشش علشان هتحصل مشاكل".
مؤيدو ابطنطاوي متمسكون بالأمل
وقال مصدر مطلع بحملة أحمد الطنطاوي لـ"عربي بوست"، إن مندوبي الحملة أمام مكاتب الشهر العقاري بالمحافظات المختلفة رصدوا ووثقوا وقائع التضييق والمخالفات بشأن تحرير التوكيلات.
وأضاف المصدر أن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى أن هناك ازدحاماً يومياً من جانب مواطنين يقولون إنهم يدعمون الرئيس عبد الفتاح السيسي وجاءوا لتحرير توكيلات له، وهؤلاء يتصدرون الصفوف قبل أن تبدأ عملية تحرير التوكيلات.
ووصف المصدر نفسه ما يحدث قائلاً: "هناك دائماً عطب تقني في المنظومة الإلكترونية الخاصة بتحرير التوكيلات، وفي بعض الأحيان يمل المواطنون من الوقوف ساعات طويلة، ولكن من يبقون هم من يدّعون أنهم أنصار الرئيس المصري ويمر يوم تلو آخر دون أن يتمكن المواطنون من تحرير التوكيلات".
وأشار إلى أن كثيراً ممن يحاول تحرير توكيلاتهم للمرشح أحمد الطنطاوي لا يفقدون الأمل ويذهبون مرات عديدة إلى مكاتب توثيق مختلفة؛ أملاً في إنجاز مهمتهم، لكن ذلك لا يكفي لضمان الحصول على العدد الكافي من التوكيلات.
وكشف المتحدث أن "ما جرى تحريره حتى الآن، أي قبل فتح باب الترشح بشكل رسمي، غير مطمئن لكن هناك يقين بأن الحملة ستتمكن في النهاية من جمع التوكيلات المطلوبة، وأن أعضاء الحملة يراهنون على المنطق وأنه عندما يقدم المرشح المنافس أوراقه للترشح فليس لمؤيديه الحق في الوجود والزحام على مكاتب الشهر العقاري، وعليهم أن يفسحوا المكاتب للآخرين لعمل التوكيلات، وإن حدث عكس ذلك فسنطلب تدخُّل الجهات الأمنية".
ويوضح المصدر أن القانون يفوض إلى الهيئة الوطنية للانتخابات التحقيق في المخالفات التي يرتكبها المرشحون لمنصب الرئيس، ومخول لها توقيع جزاءات عليهم تصل لحد المنع من خوض الانتخابات في حال ثبت لها أي إخلال بالقانون.
وأشار المتحدث، إلى أن الحملة ستطالب الهيئة الوطنية للانتخابات بفتح تحقيق موسع في كل المخالفات القانونية التي شهدتها مرحلة عمل التوكيلات بمكاتب الشهر العقاري وقامت بتوثيقها.
الانسحاب من السباق الانتخابي وارد
ويحتاج المرشحون المحتملون إلى توكيلات 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة مختلفة، بحد أدنى 1000 توكيل من كل محافظة، أو دعم 20 عضواً في البرلمان لخوض الانتخابات.
وستبدأ الهيئة الوطنية للانتخابات في تلقي أوراق الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر الخميس 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليُغلق باب التقديم في الـ14 من الشهر ذاته، على أن تعلن الهيئة القائمة المبدئية للمرشحين في 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أما القائمة النهائية للمرشحين فسيعلَن عنها في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعدها ستبدأ الحملات الانتخابية.
ونفت الهيئة المشرفة على الانتخابات الرئاسية بمصر، في وقت سابق، بشكل رسمي، وجود مخالفات أو أعمال محاباة أو مضايقات، من قبل الجهات المكلفة بتنفيذ قراراتها المتعلقة بانتخابات الرئاسة، ومن بينها مكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري.
سياسي قريب من المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي قال لـ"عربي بوست إن الانسحاب من السباق الانتخابي يبقى وارداً إذا لم تتحسن الأجواء المصاحبة لعملية جمع التوكيلات، وفي تلك الحالة لم يتمكن المرشح من خوض الانتخابات من الأساس.
وأضاف المتحدث أن ما تقوم به حملته في الوقت الحالي هو توثيق ما يحدث على الأرض من مضايقات حتى يكون الموقف السياسي المستقبلي مبنياً على أسس واضحة وموثقة أمام جموع المصريين.
وأشار المصدر إلى أنه في حال خرج الطنطاوي من السباق الانتخابي ستكون كل الخيارات مفتوحة، والأمور من الممكن أن تخرج عن السيطرة إذا فقد مؤيدوه الأمل في التغيير السلمي، ووقتها لن يكون الطنطاوي هو المسؤول عما سيحدث، بل من وضعوا العراقيل أمام مؤيديه.
مؤشر سلبي على نزاهة الانتخابات الرئاسية في مصر
وعن دلالة ما يحدث يقول المصدر لـ"عربي بوست"، إنه "دليل على أن النظام المصري يخشى مواجهة مرشح محسوب على المعارضة، ما يبرهن على أن الطنطاوي على وجه التحديد وأحزاب المعارضة بصفة عامة لديها ثقل شعبي في الشارع تخشاه الحكومة".
ويرى المصدر أن الحكومة المصرية خلقت أزمة بلا داعٍ عبر تضييقها على تحرير التوكيلات ووضعت نفسها في موقف ضعف، لأنه في حال استُكمل السباق الانتخابي فإن عملية الاقتراع لن تكون سهلة وسيتم تسليط الضوء بصورة أكبر، من جانب الداخل والخارج، على ما يحدث فيها من مضايقات في حال تكررت.
وقال مصدر "عربي بوست" إنه في حال ابتعد المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي عن السباق، أو انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية في مصر، فإن ذلك سيعد مؤشراً سلبياً على نزاهة وشفافية الانتخابات.
ويحتاج المرشح الفائز في السباق، وفقاً للمتحدث ذاته، أن يأتي عبر صناديق انتخاب حقيقية ومنافسة قوية تجدد شرعيته بما يساعده على تجاوز الأزمات الاقتصادية المتصاعدة والتعامل معها بحنكة.
وكان الرئيس المصري قد قال إن الانتخابات الرئاسية المقبلة تمثل فرصة أمام الشعب المصري للتغيير، قائلاً: "كلمة واحدة عاوز أقولها للناس.. ده اللي إحنا عملناه وعندكم فرصة في الانتخابات الرئاسية اللي جاية.. عندكم فرصة للتغيير".
وتضم قائمة الذين أعلنوا رغبتهم في الترشح للرئاسة، رئيس حزب الوفد (ليبرالي مؤيد للحكومة)، عبد السند يمامة، والبرلماني السابق والرئيس السابق لحزب الكرامة (ناصري معارض)، أحمد الطنطاوي، ورئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يساري وسط معارض) فريد زهران.
إضافة إلى رئيسة حزب الدستور (ليبرالي معارض) جميلة إسماعيل، ورئيس حزب الشعب الجمهوري (ليبرالي مؤيد للحكومة) حازم عمر، ورئيس تيار الاستقلال (تحالف يضم عدة أحزاب وائتلافات سياسية صغيرة قريب أيضاً من توجهات الحكومة)، أحمد الفضالي.
واستوفى 3 رؤساء أحزاب مصرية أحد أهم شروط الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو جمع تزكية من 20 عضواً في مجلس النواب، وهؤلاء أصبحت محسومة بصورة كبيرةٍ مشاركتهم في السباق الانتخابي أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهم: عبد السند يمامة، وحازم عمر، وفريد زهران.
قيادي حزبي معارض يحكي تجربته
قيادي حزبي معارض، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"عربي بوست" إن الانتخابات الرئاسية في مصر بدأت مبكراً عبر معركة التوكيلات التي ستؤثر على شكل باقي إجراءات العملية الانتخابية.
وأشار المتحدث، إلى أنه خاض تجربة منح توكيل للمرشح أحمد الطنطاوي في أحد مكاتب الشهر العقاري بمحافظة الجيزة، لكنه اضطر إلى الوقوف ساعة ونصف الساعة قبل أن يتمكن من الدخول، بسبب الزحام أمام المقر وكذلك وجود مجهولين قاموا بتوجيه أسئلة مباشرة لمن يوجدون، حول هوية المرشح الذين يحررون توكيلات له.
وأضاف أن "وجود عدد من الشخصيات السياسية التي توافدت لمنح التوكيلات الخاصة بالطنطاوي دفع المسؤولين عن مكتب الشهر العقاري إلى إدخالهم سريعاً، لكن وجدنا مواطنين مكثوا ساعات طويلة واستغلوا فرصة وجودنا للدخول معنا".
وقال المتحدث مشيراً إلى أن السائد في غالبية المكاتب هو محاولة تعطيل وصول المواطنين إلى الموظفين قدر الإمكان، وهو ما يخصم من رصيد الطنطاوي، وجميلة إسماعيل والأخيرة فشلت في الحصول على تزكية أعضاء مجلس النواب.
الأمر الإيجابي فيما يحدث الآن، بحسب المتحدث ذاته، هو حالة الحراك السياسي التي ظن كثيرون أنها خمدت للأبد، فهناك أكثر من مرشح معارض لديهم مندوبون ومؤيدون يوجدون أمام مقار الشهر العقاري، وهو ما يُعيد ارتباط المعارضة بالجمهور.
وقال المتحدث إنه لم يكن مسموحاً بوجود كل هذا العدد من الشباب في الشارع طيلة السنوات الماضية، وفي حال استمر الطنطاوي في السباق الانتخابي من المتوقع أن تحقق المعارضة مكاسب أكثر على الأرض بعد أن لفت الأنظار إليه خلال الأيام الماضية.
ونشر النائب البرلماني السابق رئيس حزب الكرامة السابق، أحمد الطنطاوي، مقاطع فيديو في صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي خلال وجوده أمام مقار الشهر العقاري لتوثيق توكيلات تأييد ترشحه للانتخابات الرئاسية، وشكا من صعوبة توثيق هذه التوكيلات.
واتهم الطنطاوي حشوداً منظمة في مقار التوثيق قال إنها ترتبط بالرئيس المصري، وإنها تحول دون قدرة مؤيديه على تسجيل توكيلات لصالحه، كما أن محمد أبو الديار، منسق حملة الطنطاوي، قال إن بعضاً ممن حضروا إلى مكاتب الشهر العقاري لعمل توكيلات، طُلب منهم العودة لاحقاً أو عمل التوكيل في مكان آخر.
الانتخابات مجرد استفتاء على شرعية الرئيس
وكانت المحكمة الإدارية العليا قد رفضت، الإثنين 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الطعون التي قدمتها حملة الطنطاوي من أجل الإشراف القضائي على عملية تحرير التوكيلات، بعد ادعاءات تعرض مؤيديه لمضايقات في إصدار توكيلات تأييده للترشح من مكاتب الشهر العقاري.
ويشير سياسي مصري إلى أنه لا يمكن الفصل بين الممارسات الحالية التي تشهدها معركة تحرير التوكيلات وتاريخ الانتخابات الرئاسية المصرية التي في الأغلب تكون مجرد استفتاء على شرعية الرئيس الموجود على رأس السلطة.
وقال إن رئيس الدولة القابع في منصبه ويقرر خوض الانتخابات، دائماً ما يبقى تركيزه الأساسي على كيفية حفاظه على منصبه، وهو ما نتج عنه تأليه الحكام في مصر ليس الآن فقط ولكن على مدار عقود سابقة.
ووفقاً للسياسي ذاته، فإن ما يحدث الآن في معركة التوكيلات قد يكون نتاجاً لمواقف موظفين وبعض نواب البرلمان والسياسيين المقربين من الحكومة ممن يسعون لإثبات ولائهم للسلطة من خلال عرقلة أنصار المعارضة من تحرير التوكيلات.
وتابع: "لا يمكن أن يكون هناك عاقل يتصور أن يُحشد مواطنون من أجل المشاركة في عملية التوكيلات بمقابل مادي، لأن ذلك من شأنه أن يضرب عملية الإدلاء بأصوات الناخبين داخل صناديق الاقتراع في مقتل".
وأضاف المتحدث أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس بحاجة إلى توكيلات المواطنين من الأساس، لأنه يحظى بتأييد ودعم غالبية نواب البرلمان، كما أن هذه الممارسات تستفز المواطنين العاديين والمعارضة وستكون نتائجها سلبية على السلطة.
وكانت "المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان" قد عبّرت عن "قلقها" بشأن ما وصفتها بـ"التجاوزات التي تشهدها مرحلة جمع التوكيلات للمرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية".
وطالبت بالتحقيق في المئات من الشكاوى "المدعمة بالأدلة" عن استمرار منع إصدار التوكيلات، وكذلك محاسبة المتورطين في عمليات الاعتداء على أنصار المرشحين المعارضين أمام العديد من مكاتب الشهر العقاري في مختلف محافظات الجمهورية.
كانت الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت الإثنين الماضي، الجدول الزمني للانتخابات المقرر إجراؤها داخل البلاد على مدار 3 أيام، في 10 و11 و12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأوضحت الهيئة أن تصويت المصريين في الخارج سيجري في 1 و2 و3 ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن تعلن نتيجة الانتخابات رسمياً في 18 ديسمبر/كانون الأول، ما لم تكن هناك جولة إعادة.
ووافقت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر على منح تصريحات لـ34 منظمة مجتمع مدني مصرية، إضافة إلى تسع منظمات أجنبية غير حكومية لمتابعة الانتخابات.