منذ إعلان الملك محمد السادس عن طلبه الموجه لرئيس الحكومة عبد العزيز أخنوش بتعديل مدونة الأسرة في المغرب (قانون الأسرة)، افتتح النقاش المؤسساتي مرفوقاً بجدل على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي حول المواد المفروض تعديلها في القانون.
وتُعتبر مدونة الأسرة في المغرب هي القانون الذي بموجبه تُصدر محاكم الأسرة أحكامها في الأمور المتعلقة بنزاعات الزواج والطلاق وحقوق الأطفال والإرث والوصية، وكانت قد صدرت آخر نسخة منها سنة 2004.
في هذا التقرير يرصد "عربي بوست" أهم المواد المنتظر تعديلها في النسخة الجديدة لمدونة الأسرة في المغرب.
لجنة تعديل مدونة الأسرة في المغرب
تشكلت لجنة تتكون من وزير العدل، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والوزيرة المكلفة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
واجتمعت اللجنة بعد الأمر الملكي في مقر أكاديمية المملكة، وذلك للاشتغال وفق منهجية المزاوجة بين مركزية الأبعاد القانونية والقضائية، مع زوايا النظر الشرعية والحقوقية، أو المتعلقة بالسياسات العمومية في مجال الأسرة، بوصفها الخلية الأساسية للمجتمع.
وتدارس الاجتماع منهجية العمل، التي تكفل لجميع مكونات هذه اللجنة المشاركة بشكل في مختلف مراحل التفكير، والتشاور الجماعي لتعديل المدونة، مع تحديد دورية وانتظامية الاجتماعات، وطريقة العمل، سواء فيما يتعلق بالاستماع والإصغاء لمختلف الفعاليات، أو فيما يخص تدارس القضايا المطروحة والتداول فيها.
وليست هذه المرة الأولى التي يطلب فيها الملك محمد السادس تعديل مدونة الأسرة في المغرب، ففي خطاب العرش (عيد الجلوس) لسنة 2022، دعا الملك لتفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعيتها.
وحسب خبراء قانونيين تواصل معهم "عربي بوست"، فإن مدونة الأسرة لن تكون خاصة بالمرأة فقط، بل ستعمل على الحفاظ على حقوق مكونات الأسرة، يعني المرأة والرجل والأطفال بما يتماشى مع التغييرات المجتمعية الحالية.
زواج القاصرات
من بين الأمور المنتظر تعديلها في النسخة الجديدة من مدونة الأسرة في المغرب هو زواج القاصرات، إذ يسمح القانون القديم بزواج الفتيات أقل من 18 سنة، شرط أن يتم عقد القران على يد قاض في محكمة الأسرة.
وتسعى لجنة تعديل مدونة الأسرة إلى إلغاء زواج القاصرات أقل من 18 سنة بشكل نهائي، ومحاسبة كل من ساهم في أي زيجة لفتاة قاصر، لأن طفلة في هذه السن غير مؤهلة لتأسيس أسرة ورعاية أطفال.
حق السعي
تسعى المدونة الجديدة أن يكون للزوجين معاً حق في الأموال والممتلكات التي تم اكتسابها خلال فترة الزواج، سواء كانت في اسم الرجل أو المرأة، وإذا حصل الطلاق فإن للاثنين معاً نصيب في هذه الأموال.
ومن المتوقع أن تتضمن مدونة الأسرة في المغرب حق اقتسام الأموال المكتسبة إبان العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة إذا حصل طلاق الزوجة تشارك في الإنفاق، وتساهم مادياً، إذا كانت تعمل، كما أنها تتحمل مسؤولية تدبير البيت وتربية الأبناء.
موافقة التعدد
ومن المتوقع أن تُبقي النسخة المعدلة من قانون مدونة الأسرة موانع الزواج على رأسها التعدد، فإذا كانت الزوجة وضعت شرط عدم التزوج عليها، فعقد قران الرجل على الجديدة يبقى مقروناً بموافقة المرأة الأولى.
ويقول الفصل 40 باب الموانع المؤقتة للزواج في النسخة الحالية من مدونة الأسرة في المغرب: "يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها".
وستبقي النسخة الجديدة من المدونة شروط توفر الرجل على الموارد المادية للتعدد لإعالة الأسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، ولن تأذن له المحكمة في غياب أي مبرر استثنائي موضوعي.
ويبقى للمرأة الحق أن ترفع دعوى قضائية تثبت من خلالها بالحجج عدم المساواة بينها وبين الزوجة الأخرى أو عدم الإنفاق عليها وعلى أطفالها، حتى وإن تمت الزيجة ومرت عليها سنوات.
الحضانة
من بين الثغرات القانونية التي تسعى لجنة تعديل مدونة الأسرة في المغرب لاستدراكها هو سحب الطفل من المرأة الحاضن إذا ما تزوجت والطفل عمره أكثر من 7 سنوات، هنا القانون يعطي الحق للرجل في الحضانة.
ويرى خبراء أن من مصلحة الطفل أن يظل مع والدته حتى وإن تزوجت؛ لأنها هي من حضنت عليه منذ أن حصل الطلاق، إلا في حالة هي تخلت عنه لوالده أو حصل بينهما توافق بخصوص الحضانة.
النسب
حسب مدونة الأسرة الحالية، فإن نسب الأطفال يُثبت بالفراش، ويعني تأكيد حصول علاقة زوجية كاملة، والشبهة وهي حصول حمل في فترة الخطوبة والإقرار عندما يعترف الطرفان أن المولود هو ابنهما، سواء كان بينهما عقد أم لا.
وفي حالة رفض الأب الاعتراف بالمولود الجديد يتم إخضاعه لفحص ADN لكن المدونة الحالية لا تُلحق الطفل بوالده إذا رفض هذا الأخير، حتى لو جاءت نتائج الفحص متطابقة بين الطفل والأب.
وتشتغل اللجنة على قضية أن يحصل الطفل على نسب والده بشكل مباشر إذا ما تم حصول تطابق في نتائج فحص الحمض النووي حتى لو رفض الأب الاعتراف بابنه البيولوجي وتسجيله في اسمه.
وعلى الطفل أن يتمتع بنسبه سواء ولد بعلاقة شرعية أو غير شرعية، ويتحمل الأب مسؤولية الإنفاق على الطفل حتى بلوغه سن الرشد، وإلا يُحاكم طبقا للقوانين المغربية الأخرى.
الوثائق الإدارية
من بين الثغرات القانونية الموجودة في النسخة الحالية من مدونة الأسرة في المغرب هي إعطاء الصلاحية الكاملة للأب في تحديد مصير أطفاله من طليقته، رغم أن الأم هي الحاضنة منذ حصول الطلاق.
ولا يحق للزوجة استخراج شهادات الولادة لأطفالها ولا جواز السفر ولا تسجيلهم في مدارس ولا نواد ترفيهية ولا السفر بهم لخارج البلاد قصد قضاء العطلة والعودة إلى بموافقة الزوج.
وأظهرت هذه الثغرة القانونية مجموعة من التجاوزات على أرض الواقع، إذ يرفض الآباء تعنتاً السماح لأطفالهم بالسفر للعطلة أو الدراسة لفترة قصيرة خارج البلد، كما أن هناك أطفالاً لم يلتحقوا بالمدرسةش لأن الأب رفض منحهم الموافقة لاستخراج الوثائق الإدارية.
التعصيب على البنات
من بين الأمور الخلافية التي أحدثت جدلاً خلال جلسات مناقشة النسخة الأولى من مدونة الأسرة سنة 2004 بين الإسلاميين والعلمانيين هي مسألة المساواة في الإرث، في الأخير احتكم رأي عدم تغيير القواعد الإرثية.
لكن لجنة تعديل مدونة الأسرة المجتمعة حالياً ترى ضرورة إيجاد مخرج لقضية أن يرث الأعمام مع بنات أخوهم، نظراً للأحداث التي يعرفها المجتمع بخصوص هذه المسألة.
من بين مخرجات هذه المسألة الشائكة، من المتوقع أن تربط اللجنة مسألة تعصيب عائلة الأب على بنات أخوهم المتوفى بالإنفاق عليهن بشكل إجباري، وتحت يد المحكمة.