لأول مرة منذ سنوات، تمكنت 10 زلاجات جيت سكي من التسلل باتجاه الشاطئ وسط الظلام، وصوت محركاتها يختفي وسط ضربات الأمواج، إذ حملت كل زلاجة على متنها اثنين من رجال الضفادع البشرية الأوكرانيين الذين أخفاهم ظلام الليل عن الأعين، بينما لم يتوقع الروس قدومهم على الإطلاق.
إذ قالت صحيفة The Times البريطانية إن هؤلاء الجنود هم أول قوات أوكرانية تطأ أقدامها شبه جزيرة القرم منذ قرابة عقدٍ كامل، وقبلها بأسبوعين، أحصى المخططون ووزنوا كل غرام من المعدات، حتى يخففوا حمولتهم قدر الإمكان. في ما قضى قائدهم ليفان أسبوعين في قطع ذلك المسار داخل البحر الأسود، قبل أن يخلص إلى أن خطتهم قد تنجح فعلياً.
حيث سافر مسافة تصل إلى 140 كيلومتراً على متن زلاجة جيت سكي. واكتشف أن الرحلة منهكة وتحتاج لإعادة التزود بالوقود مرتين.
بينما لم يكن مستشاروه العسكريون البريطانيون واثقين من نجاعة الخطة؛ إذ صرح ليفان لصحيفة The Times البريطانية، قائلاً: "يعرف حلفاؤنا البريطانيون البحر ويفهمونه جيداً، لكن المهمة بدت شبه مستحيلة من وجهة نظرهم".
مهمة جريئة لأوكرانيا
يُذكر أن ليفان هو واحدة من 4 رجالٍ شاركوا تفاصيل دورهم في المهمة الجريئة، ويحمل ليفان ثاني أعلى رتبة في فرقة تيمور، وهي كتيبة قوات خاصة نخبوية تحمل اسم قائدها. وتعمل الفرقة تحت قيادة المخابرات العسكرية الأوكرانية التي يقودها الفريق كيريلو بودانوف.
إذ كلّف بودانوف الفرقة بالعثور على طريقة لرفع العلم الأوكراني على شبه جزيرة القرم للمرة الأولى منذ احتلالها عام 2014؛ حيث أراد بودانوف أن يبعث برسالة جريئة إلى الروس وإلى حلفائه وإلى القوات الأوكرانية المشاركة في الهجوم المضاد الدموي جنوب البلاد، ومفاد الرسالة أن جنود أوكرانيا قادرون على الضرب في أي زمانٍ ومكان.
ووقع الاختيار على يوم استقلال أوكرانيا الموافق 24 أغسطس/آب لتنفيذ العملية.
حيث كان يتعين على 20 رجلاً أن يسافروا بطول البحر الأسود سراً، ويتسللوا إلى قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم ليقاتلوا الروس، قبل أن يقطعوا الرحلة الطويلة عائدين، مع احتمالية أن تطاردهم الطائرات وأسطول البحر الأسود الخاص بالرئيس بوتين.
أهداف أوكرانية في شبه جزيرة القرم
وأوضح بورغيز، قائد الكتيبة الذي شارك في تنسيق المهمة ذلك اليوم: "تمثّل هدفنا الأول في محطة حرب إلكترونية كانت قويةً لدرجة أن البوصلة لم تكن تعمل على مسافة 30 كيلومتراً من الشاطئ. وأثرت تلك المحطة على عمل مشغلي الصواريخ، ولم يكن نظام تحديد المواقع العالمي يعمل بسببها. لقد كان رجالنا يعتمدون على قراءة النجوم فحسب".
وزحف ليفان ورجاله صوب القاعدة الروسية داخل القرم، وتحركوا في هدوء لتجنب الاشتباك مع الروس، بينما كانت أصوات الرشاشات الآلية الثقيلة على الجانب المقابل من شبه الجزيرة تشق صمت الليل.
واتجهت الفرقة صوب القاعدة التي تحوي محطة الحرب الإلكترونية، وكانت تحوي كذلك معدات مراقبة وأجهزة رادار. وتمثّل الهدف في زرع المتفجرات، ثم مغادرة المكان قبل تفجيره. لكن الروس رصدوا إحدى الفرق المتقدمة على بُعد 200 متر من الهدف.
ففتح جندي روسي رشاشه الآلي في اتجاه الفريق، ليبدأ تبادل إطلاق نار استمر لمدة 30 دقيقة. وأوضح بورغيز: "كانت مهمتنا هي السيطرة على مركز التحكم، وزرع المتفجرات، ثم تفجيره. لكننا عجزنا عن الاقتراب من المكان في هدوء بسبب المعركة التي اندلعت".
وعندما أدركت الفرقة أنها لن تتمكن من بلوغ هدفها لزرع المتفجرات، قرر الفريق اللجوء إلى الخطة ب: إمطار المبنى و3 مركبات بأسلحتهم المضادة للدبابات وقذائفهم الصاروخية.
وبعد 10 دقائق، عادت الفرقة إلى الشاطئ ليصعد أفرادها على متن زلاجاتهم. وفي تلك المرحلة، كان الروس قد حشدوا طائراتهم الحربية وزوارق دورياتهم من طراز رابتور. وقال بورغيز: "لقد كانوا يطاردوننا بشراسة. وخرجت 4 زوارق معادية لاعتراضنا ومنعنا من الوصول إلى شواطئنا".
لكن بورغيز أوضح أن جميع الرجال المشاركين في العملية قد عادوا أحياء. وأردف: "رجالنا مؤمنون للغاية، وقد سارت العملية برمتها كالمعجزة. كانت هناك غيوم أثناء الفجر، ولهذا لم تعمل طائرات العدو الحربية والمسيّرة بشكل جيد. بينما أشرقت الشمس بعد أن قطعنا نصف طريق العودة، وصار الطقس جميلاً".