كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن الإمارات تواصل دعم أحد أطراف الاشتباكات في السودان، من خلال قاعدة جوية نائية في تشاد، على الرغم من إدعائها المستمر أنها تدعم إنهاء حالة الصراع المستمر منذ 6 أشهر.
بحسب "The New York Times" الأمريكية، الجمعة 29 سبتمبر/أيلول 2023، فإن أبوظبي تدير تحت ستار إنقاذ اللاجئين، عملية سرية متقنة لدعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، حيث تقوم بتزويده بأسلحة قوية وطائرات بدون طيار، كما تعالج المقاتلين المصابين، وتنقل الحالات الأكثر خطورة جواً إلى مستشفياتها العسكرية، وفقاً لما نقلته عن مسؤولين حاليين وسابقين من الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الدول الأفريقية.
تتمركز العملية في مطار ومستشفى في بلدة نائية عبر الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بشكل شبه يومي منذ يونيو/حزيران 2023، بحسب صور الأقمار الصناعية ومسؤولين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
وتشير الأدلة التي نشرتها الصحيفة إلى دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، ومع ذلك، يصر الإماراتيون على أن عمليتهم على الحدود مع السودان هي عملية إنسانية بحتة.
مسشتفى ميداني إغاثي
منذ أن بدأت الطائرات في الوصول إلى مدينة أمدجراس التشادية، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية صوراً للمستشفى الميداني اللامع، حيث تقول إنه تم علاج أكثر من 6000 مريض فيه منذ يوليو/تموز.
وتظهر مقاطع الفيديو مسؤولين إماراتيين وهم يقومون بتوزيع حزم المساعدات خارج أكواخ القش في القرى المجاورة.
وفيما يقول الإماراتيون إن دافعهم هو مساعدة اللاجئين السودانيين، إلا أنه منذ بدء المواجهات في السودان، لم يتم تسجيل سوى 250 لاجئاً في أمدجراس، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
بحسب المصادر، فإن الإمارات تستخدم مهمة المساعدات الخاصة بها لإخفاء دعمها العسكري لقوات الدعم السريع، حيث قال مسؤول أمريكي كبير سابق: "الإماراتيون يعتبرون حميدتي رجلهم" مضيفاً: "لقد رأينا ذلك في مكان آخر، إنهم يختارون رجلاً ويدعمونه على كل الأصعدة".
فيما قال مسؤولون أمريكيون وسودانيون إن مقاتلي اللواء حمدان استخدموا في الأسابيع الأخيرة صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، التي زودتهم بها الإمارات، لمهاجمة قاعدة مدرعة محصنة في العاصمة السودانية الخرطوم.
ويوضح تقرير غير منشور أعده محققو الأمم المتحدة، وتم تقديمه إلى مجلس الأمن وحصلت عليه صحيفة التايمز البريطانية، تفاصيل كيف حصل اللواء حمدان على صواريخ أرض جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في أبريل/نيسان ومايو/أيار، وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن فاغنر قدمت الصواريخ، وقال مسؤولان سودانيان إن هذه الطائرات استخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية.
ورداً على سؤال بشأن الأنشطة الإماراتية في أمجراس، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن الولايات المتحدة أثارت مخاوف "مع جميع الجهات الخارجية التي يشتبه في أنها تقدم الدعم لطرفي الصراع في السودان، بما في ذلك الإمارات".
"أمجراس" تحولت لمركز عمليات
بدأت العملية في أمدجراس بشكل جدي في منتصف يونيو/حزيران، أي بعد حوالي شهرين من بدء الاشتباكات في السودان.
في ذلك الشهر، التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بالزعيم الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في أحد قصوره في أبوظبي، وغادر ديبي ومعه قرض بقيمة 1.5 مليار دولار.
بعد أيام، بدأت طائرات الشحن الإماراتية بالتدفق إلى "أمدجراس"، وهي واحة صغيرة يقطنها عدد قليل من السكان، ولكن بها مهبط طائرات طويل بشكل غير عادي.
ولد إدريس، والد ديبي، الذي حكم تشاد لمدة ثلاثة عقود، في أمدجراس وكثيراً ما استضاف كبار الشخصيات الأجنبية هناك، وقام ببناء مطار قريب يضم أطول مدرج في البلاد.
في 4 يوليو/تموز، بعد أن أعلن أحد متتبعي الرحلات الجوية المعروف باسم جيرجون عن الارتفاع المفاجئ في الرحلات الجوية الإماراتية إلى أمدجراس، أعلنت الإمارات أنها افتتحت مستشفى بسعة 50 سريراً على حافة المدرج، وتلا ذلك المزيد من البيانات الإخبارية، التي سلطت الضوء على توزيع المساعدات الإماراتية، وجاء في أحد البيانات الصحفية: "إن هذا إنجاز جديد في سجل العطاء المشرق لدولة الإمارات العربية المتحدة".
كانت تلك الاتهامات لها ما يبررها، حيث يقول مسؤولون أفارقة إنه في أحد أجزاء المستشفى، كان المسعفون الإماراتيون يعالجون مقاتلي قوات الدعم السريع المصابين، وتم نقل بعضهم جواً في وقت لاحق إلى أبوظبي لتلقي العلاج في مستشفى زايد العسكري.
في الوقت نفسه، تظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية أن مطار أمدجراس كان يتوسع ليصبح مطاراً صاخباً على الطراز العسكري، يبدو أنه يتجاوز احتياجات المستشفى الصغير، حيث تم إنشاء ملجأين مؤقتين للطائرات وحظيرة طائرات وتم توسيع مجمع المستشفى وإنشاء قربة تخزين الوقود.
كانت العديد من طائرات الشحن التي تهبط في أمدجراس قد نقلت في السابق أسلحة للإمارات إلى مناطق صراع أخرى، ويشتبه في أن طائرة إليوشن مسجلة لدى شركة فلاي سكاي إيرلاينز، والتي اتهمها محققو الأمم المتحدة بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، قامت بتسليم طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا في عام 2021.
ووجد تحليل أجرته صحيفة التايمز أن نمط بناء المطارات يشبه قاعدة الطائرات بدون طيار التي بنتها الإمارات في الخادم، شرق ليبيا، في عام 2016. (في الآونة الأخيرة، تمركز مرتزقة فاغنر هناك).
يتم نقل الأسلحة من أمدجراس لمسافة 150 ميلاً شرقاً إلى زوروغ، مركز قوات الدعم السريع الرئيسي في شمال دارفور، وفقاً لمسؤولين سودانيين وتشاديين والأمم المتحدة.
من جانبه، قال أحد شيوخ قبيلة حدودية سودانية إن قوات الدعم السريع اتصلت بمجموعته هذا الصيف لضمان مرور آمن للقوافل البرية من الحدود إلى زوروغ.
يستمر المطار في التوسع، وقد حصلت صحيفة التايمز على صور الأقمار الصناعية الليلية من أواخر أغسطس/آب 2023، والتي كشفت عن أضواء في ساحة الطائرات والممر والمدرج، مما يشير إلى الاستعدادات للعمليات المستقبلية المحمية من التصوير عبر الأقمار الصناعية أثناء النهار.
فيما قال كاميرون هدسون، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومحلل شؤون أفريقيا الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد فعلت الإمارات أكثر من أي شخص آخر لدعم قوات الدعم السريع، وإطالة أمد الصراع في السودان"، لكنه أضاف: "إنهم يفعلون ذلك بحذر، كي لا يتركوا أثراً، وهذا مقصود".
بدأت العلاقة الإماراتية مع الجنرال حميدتي في الشرق الأوسط وليس في السودان، ففي عام 2018، دفعت الإمارات مبالغ كبيرة لقائد الميليشيا السودانية لإرسال آلاف المقاتلين إلى جنوب اليمن، كجزء من الحملة العسكرية الطاحنة التي تشنها الإمارات ضد المتمردين الحوثيين في الشمال.
لقد أثرت تلك الحملة على اللواء حمدان وساعدت في جعل قوات الدعم السريع تحظى بشعبية كبيرة، بل أكثر قوة داخل السودان.
ومع قيامه ببناء إمبراطورية تجارية في مجال تعدين الذهب، نقل عائداته إلى دبي، حيث أسس شقيقه الأصغر ألغوني حمدان دقلو شركات لإدارة مصالح العائلة.