تسيطر حالة من الفوضى على تعامل الأسواق مع مصر، وذلك في أعقاب وضع القاهرة على قائمة المراجعة السلبية نتيجةً للصعوبات التي يواجهها بائعو السندات الحكومية في استرداد العملة الأجنبية، بحسب ما قالته وكالة Bloomberg الأمريكية، الأربعاء 27 سبتمبر/أيلول 2023.
بحسب الوكالة، فقد يحتاج مصرف "جي بي مورغان تشيس" فترةً تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر حتى يقيّم أهلية مصر للبقاء على مؤشر سندات المصرف.
فيما كان صندوق النقد الدولي أكثر الجهات تردداً على الإطلاق، بعد نحو عامٍ من موافقته على منح مصر حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار. إذ كان من المتوقع إجراء المراجعة الأولى للقرض المصري في مارس/آذار، لكنها لم تجر بعد. ولا شك في أن تأخير مراجعة صندوق النقد الدولي يعد مسألةً خطيرة بالنسبة لحكومة عاجزة عن الوصول إلى أسواق رأس المال الخارجية، وصارت الآن عاجزةً عن الحصول على الشريحة التالية من قرض صندوق النقد الدولي.
وفي غياب أي قواعد للتعامل مع واحدةٍ من أكبر فترات البيع الجماعي داخل الأسواق الناشئة، يشعر مستثمرو السندات المصرية بالشك في قدرة الدولة التي تمر بضائقة مالية على أن تحصل على الأموال التي تحتاجها، فضلاً عن القلق حيال تخصيص رؤوس أموالهم لبلدٍ تُنفق حكومته نحو نصف إيراداتها لسداد فوائد القروض.
وتواجه مصر في هذه الأثناء خطر حدوث فجوة تمويل تراكمية تتجاوز الـ11 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لمصرف غولدمان ساكس.
يقول كارلوس دي سوزا، مدير تمويل الأسواق الناشئة بشركة Vontobel Asset Management AG في زيوريخ: "تعكس التقييمات الحالية شكل سيناريو المخاطر وانعدام اليقين الذي تواجهه مصر بالفعل. ولا أعتقد أن خطر التخلف عن السداد بات وشيكاً، لكن الوضع الراهن ليس مستداماً بكل تأكيد".
بينما يحاول المستثمرون اليوم تحديد التوقيت المناسب للعودة إلى بلدٍ لطالما جذب الأموال الساخنة في الماضي بفضل أسعار فائدته المرتفعة، أو تحديد ما إذا كان ينبغي لهم العودة من الأساس.
أكثر الدول عرضة للتخلف عن السداد
وتصنف وكالة Bloomberg الأمريكية مصر في المرتبة الثانية بعد أوكرانيا على قائمة أكثر الدول المعرضة لخطر التخلف عن سداد الديون.
حيث خسرت ديون مصر الدولارية نحو 9.7% من قيمتها في العام الجاري، وهو أسوأ أداءٍ بين الأسواق الناشئة بعد بوليفيا والإكوادور وفقاً لمؤشرات Bloomberg.
ظل سعر الجنيه المصري مستقراً على مدار الأشهر الستة الماضية، بعد سلسلةٍ من تخفيضات قيمة العملة، ليحافظ الجنيه في المصارف على سعر أعلى من سعر السوق السوداء المحلية.
وتلوح في الأفق مسألة الانتخابات المقبلة في ديسمبر/كانون الأول، والتي من المتوقع أن يترشح فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة. وتزيد هذه الانتخابات من تعقيد الأوضاع، خاصةً بعد تحذير السيسي من أن الشعب لا يمكنه احتمال ارتفاع الأسعار ثانيةً نتيجة تخفيض جديد لقيمة العملة.
لكن احتمالية تحقيق انفراجةٍ سريعة مع صندوق النقد الدولي صارت بعيدة المنال بشكلٍ متزايد. إذ لا تُعلق مجموعة Vontobel آمالها على الخروج بنتيجةٍ إيجابية في اجتماعات الصندوق بمراكش الشهر المقبل، وذلك وفقاً لدي سوزا. بينما ينتظر الصندوق من مصر أن تفي بوعودها وتنفذ إصلاحات، منها الانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن.
وعند طلب التعليق من المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، أوضح المتحدث أن الصندوق يواصل "التعامل مع مصر عن كثبٍ"، وأنهم سيعلنون التحديثات "في وقتها المناسب".
تراكم الطلب على الدولار
يُمكن القول إنّ تقدم مصر البطيء على صعيد الوفاء بشروط قرض الصندوق يحرم الحكومة من الدعم، ويأتي هذا خلال وقت يُعتبر فيه جمع المال عمليةً باهظة التكلفة بالنسبة لمقترضي سندات العائد المرتفع الأكثر مخاطرة، مع عزم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعةً لوقتٍ أطول.
وقد أحرزت مصر بعض التقدم على صعيد بيع الأصول، كما صرحت مصادر مطلعة لوكالة Bloomberg بوجود قناعة لدى صندوق النقد الدولي بأن السلطات باتت أكثر جدية في تنفيذ خطة الخصخصة الطموحة. لكن مصر لم تجمع حتى الآن ما يكفي من النقد الأجنبي لتخفيف الأزمة وتصفية الطلب المتراكم على الدولار، سواءً من المستوردين أو الشركات الأخرى.
بينما يمتلك مدير محافظ الدخل الثابت في شركة Coeli Frontier Markets AB بستوكهولم، جيكوب كرابي، وجهة نظر "بناءة" بشأن ديون مصر. حيث قال كرابي: "لنر ما سيحدث في اجتماعات صندوق النقد الدولي".
ولا شك في أن المخاوف حيال إخفاق مصر في الوفاء بديونها ستظل يشغل بال المستثمرين. حيث أفادت بيانات Bloomberg بأن الحكومة يتعين عليها سداد أكثر من 45 مليار دولار نظير قروض وفوائد سندات اليوروبوند على مدار العقد المقبل.
ومن المستبعد أن تتخلف مصر عن السداد خلال الأشهر الـ12 المقبلة "إلا إذا حدثت صدمة خارجية كبيرة أخرى" وفقاً لغوردون باورز، محلل شركة Columbia Threadneedle Investments في لندن. بينما تواصل شركته المتخصصة في إدارة الصناديق توصياتها الإيجابية بشراء السندات المصرية في الحسابات "غير المقيدة".
فيما يرى باورز أن إحراز أي تقدم مع صندوق النقد الدولي قد يسفر عن تحسين حظوظ مصر وأداء سنداتها بين الأسواق الناشئة. كما يؤمن باورز بإمكانية التغلب على القيود السياسية التي تعيق التحول إلى سعر صرفٍ أكثر مرونة، وذلك في حال فوز السيسي بولايةٍ ثالثة.
ويبحث المتشككون عن فرصةٍ للخروج من السوق بالتزامن مع استمرار لعبة الانتظار لوقتٍ أطول.
حيث أطلق مصرف Societe Generale SA معاملةً يُمكن وصفها بأنها رهان على انخفاض قيمة الجنيه. بينما تشعر Fidelity International بتفاؤلٍ أقل حيال الأصول المصرية عند مقارنتها بالمعايير القياسية المتبعة، وترى أن أي قوة ستظهر على الأصول المصرية ستكون بمثابة فرصة للبيع.
إذ قال بول غرير، المدير المالي لدى Fidelity في لندن: "لا نرى أن احتمالية عقد انتخابات مبكرة ستحمل نتيجة محمودة للأسواق من وجهة نظرنا. حيث تضيف عنصراً من عدم اليقين السياسي، ومن المحتمل أن تؤخر أي تخفيض جديد لسعر الصرف إلى وقتٍ لاحق".