في ظل توافد أعداد هائلة من المهاجرين غير النظامين إلى جزيرة لامبيدوسا، اتخذت الحكومة الإيطالية إجراءات من أجل الحد من موجة جديدة، عبر إقامة المزيد من مراكز الاحتجاز، وزيادة فترة الاعتقال للمهاجرين غير النظامين، في وقت يزور فيه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان روما، لتمرير رسالة "حزم" في مواجهة الهجرة غير النظامية، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ومن المقرر أن يلتقي دارمانان نظيره الإيطالي ماتيو بيانتيدوسيفي، بعد وصوله إلى العاصمة الإيطالية، وفق ما أفادت أوساطه، إذ قال دارمانان لإذاعة "أوروبا 1" وقناة "سي نيوز"، الإثنين: "بناء على طلب الرئيس (إيمانويل ماكرون) سأذهب إلى روما بعد ظهر اليوم"، موضحاً أن فرنسا تريد خصوصاً "مساعدة إيطاليا على مراقبة حدودها" الخارجية.
وتعد إيطاليا إحدى المحطات الأولى للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، أملاً في الوصول إلى أوروبا.
تدابير جديدة في إيطاليا
وبالتزامن وافقت الحكومة الإيطالية، الإثنين، على إجراءات جديدة تهدف إلى الحد من وصول الوافدين، من بينها إنشاء المزيد من مراكز الاحتجاز المخصصة للمهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم، وزيادة المدة القصوى لهذا الاحتجاز من 4 إلى 18 شهراً.
وقال حزب الرابطة اليميني المتطرف، والعضو في الائتلاف الحكومي: "كفى كلاماً، يتوقع الإيطاليون إجراءات ملموسة من فرنسا وأوروبا وهم يستحقونها".
فيما تهدف الخطة التي عرضتها فون دير لايين، وهي من 10 نقاط، إلى تحسين إدارة الوضع الراهن من خلال توزيع طالبي اللجوء بين الدول الأوروبية بشكل أفضل، وتفادي تكرار تدفقهم بأعداد كبيرة على سواحل إيطاليا، بشكل يستنزف قدراتها اللوجستية والإدارية.
وتلحظ الخطة زيادة التعاون بين إيطاليا والوكالة الأوروبية للهجرة والوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس)، لتسجيل المهاجرين وأخذ بصماتهم وغيرها من الإجراءات، على أن تعزز "فرونتكس" ووكالات أخرى مراقبتها البحرية "ودراسة الخيارات لتوسيع العمليات البحرية في المتوسط".
وتشمل تسريع الدعم المالي لتونس، التي ينطلق منها غالبية المهاجرين، والتحاور مع أبرز الدول التي يأتون منها، مثل غينيا وساحل العاج والسنغال وبوركينا فاسو، لإعادتهم إذا لم يستوفوا شروط اللجوء.
وحضت فون دير لايين دول التكتل على أداء دورها في هذا المجال، مشيرة إلى أن "الهجرة غير النظامية هي تحدٍّ أوروبي يحتاج إلى رد أوروبي".
ووفقاً لوكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، قضى أكثر من ألفي شخص هذا العام أثناء العبور من شمال إفريقيا إلى إيطاليا ومالطا.
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، أمام الأمم المتحدة، إن الحل يجب أن يكون في التعاون بين الأوروبيين و"بين الأوروبيين وتونس".
وأطلقت أكثر من 80 جمعية ومنظمة غير حكومية، الإثنين، بياناً مشتركاً جاء فيه أنها "حلول قديمة يعيد الاتحاد الأوروبي صياغتها منذ عقود، وقد باءت كلها بالفشل".
وأعربت هذه المنظمات عن قلقها، خصوصاً إزاء "الاستجابة الأمنية" التي يقدمها الأوروبيون.
وعلى الجانب الفرنسي، تتوقع السلطات تدفقاً هائلاً لمهاجرين عند الحدود الإيطالية بعد موجات الوصول الأخيرة، وتسعى إلى توفير "مساحة" تتسع لمئة موقع احتجاز إضافي في مباني شرطة الحدود في مانتون.
تصريحات الوزير الفرنسي
من جانبه، أكد الوزير الفرنسي دارمانان أنه يريد أن يعكس موقف "حزم" يقوم على أنه "لا يمكن توجيه رسالة إلى الأشخاص الذين يأتون إلى أراضينا، مفادها أنه سيتم الترحيب بهم مهما حدث"، وأضاف: "علينا تطبيق القواعد الأوروبية. إذا كان هناك طالبو لجوء مؤهلون لنيل اللجوء ويتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية، فبالطبع هم لاجئون. وفي هذه الحالة يمكن لفرنسا (…) كما فعلت على الدوام استقبال هؤلاء الأشخاص".
لكنه أشار إلى أن 60% من الحالات تعود إلى أشخاص "يأتون من دول مثل ساحل العاج وغينيا وغامبيا"، حيث "لا ظروف إنسانية" تتطلب لجوءهم إلى الخارج، وأضاف أن "ما نريد قوله لأصدقائنا الإيطاليين الذين أعتقد أنهم متفقون تماماً معنا، هو أنه يتعين علينا حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، خصوصاً النظر فوراً في طلبات اللجوء، وإعادتهم إلى بلادهم إن كانت غير مقبولة".
وتهدف هذه الرسالة إلى تهدئة التوتر مع الحكومة الإيطالية، المشكّلة من ائتلاف اليمين واليمين المتطرف، والتي انتقدت رئيستها جورجيا ميلوني نقص التضامن الأوروبي مع بلادها، التي استقبلت حوالي 130 ألف مهاجر في 2023.
ويعد هذا الرقم ضعف عددهم مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022.
آلاف المهاجرين يتدفقون على إيطاليا
وخلال أيام، وصل إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية نحو 8500 شخص، أي ما يعادل إجمالي عدد السكان فيها، على متن 199 مركباً، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
وتسبب هذا الوضع في زيادة الضغط على الجزيرة، الذي تجاوز قدراتها الاستيعابية، وأثار جدالاً سياسياً في إيطاليا، وأعاد فتح مسألة التضامن الأوروبي الشائكة، والمتعلقة بتوزيع طالبي اللجوء على مختلف الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لدعم الدول الواقعة في الخطوط الأمامية لاستقبال الوافدين.
كانت إيطاليا قد طالبت في وقت سابق بتدخل الأمم المتحدة، لمواجهة الضغوط الهائلة المتمثلة في تزايُد عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين عليها من أفريقيا.
وقال وزير الخارجية أنطونيو تاياني، على هامش المؤتمر الصناعي السنوي لاتحاد "كونفيندوستريا" في العاصمة روما: "سنتحدث عن المشكلة الناجمة عن الوضع في أفريقيا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد الأسبوع المقبل في نيويورك"، وفق وكالة أنباء "أنسا" الحكومية.
وشدد على أنه لا ينبغي الاستهانة بالمشكلة، مضيفاً أن "الوضع في أفريقيا ليس قابلاً للانفجار، بل انفجر بالفعل"، مطالباً الأمم المتحدة "بالتدخل لمواجهة ضغوط تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين من أفريقيا" إلى بلاده.
من جانبها، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان، إن الوضع في جزيرة لامبيدوزا "حرج" بعد وصول أعداد غير مسبوقة من المهاجرين واللاجئين عن طريق البحر في الأيام الأخيرة، مؤكدة "أولوية" ضمان "المساعدة الكافية" للفئات الأكثر ضعفاً.
كما دعت إلى إنشاء آلية إقليمية توافقية لإجراءات وصول وإعادة توزيع المهاجرين الذين يصلون عن طريق البحر في إيطاليا باتجاه الاتحاد الأوروبي.