قبل أيام قليلة من انطلاق العام الدراسي الجديد في مصر شهدت العديد من المدارس الخاصة والدولية حالة من الغضب والفوضى من جانب أولياء الأمور الذين وجدوا أنفسهم أمام زيادات غير منطقية في مصاريف أبنائهم الدراسية.
واتخذت الحكومة المصرية مجموعة من القرارات تهدف إلى زيادة المصروفات الدراسية بالمدارس الخاصة والدولية بنسبة تتراوح بين 10% و25%، فيما وصلت الزيادة الفعلية لأكثر من 50%.
وقررت وزارة التربية والتعليم قبل أيام على بدء العام الدراسي الجديد، زيادة مصروفات المدارس الخاصة والدولية التي تتراوح مصروفاتها بين 10 و15 ألف جنيه سنوياً بنسبة 15%، بدلاً من 3 إلى 5 آلاف جنيه.
وبخصوص المدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 5 و10 آلاف جنيه بنسبة 20%، بدلاً من ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه، و25% للمدارس التي تقل مصروفاتها عن 5 آلاف جنيه بدلاً من ألفي جنيه.
ونص قرار الحكومة المصرية على زيادة مصروفات المدارس الخاصة والدولية التي تتراوح مصروفاتها السنوية بين 20 و25 ألف جنيه لزيادة نسبتها 10%، بدلاً من 5 إلى 10 آلاف جنيه.
وزيادة قدرها 12% للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 15 و20 ألف جنيه، كما أقرت زيادة تصل إلى 7% لتلك التي تتراوح مصروفاتها بين 25 و35 ألف جنيه، و6% للتي تتجاوز مصروفاتها 35 ألف جنيه.
احتجاجات على القرار الحكومي
أحمد ممدوح، وهو مسؤول شؤون الطلاب بإحدى المدارس الخاصة، قال إن "القرار الحكومي جاء متأخراً للغاية، وبعد أن حددت المدارس مصروفاتها السنوية، بل إن أغلبها قامت بتحصيل جزء من المصروفات على هذا الأساس".
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أن الكتاب الدوري الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم المصرية دفع المدارس إلى إدخال تعديلات على المصاريف، خاصةً المدارس ذات المصاريف القليلة وهي تشكل الجزء الأكبر.
وقال المتحدث إن المتضرر الأكبر من قرارات الحكومة المصرية هم أبناء الطبقة المتوسطة الكادحة الذين يفرون هاربين من سوء جودة التعليم في المدارس الحكومية.
وأشار إلى أن هذه الفئة مصروفات أبنائها بين 5 آلاف و15 ألف جنيه في السنة الدراسية الواحدة، وهؤلاء وصلت نسبة الزيادة إلى 25%، في حين أن المدارس وضعت مصروفات هذا العام وفقاً لزيادة كانت مقررة بـ7% فقط.
مسؤول شؤون الطلاب بإحدى المدارس الخاصة قال إن المدرسة قامت بإبلاغ أولياء الأمور بالزيادات المقررة في المصروفات، لكنها واجهت اعتراضات كبيرة وخلال الأيام الماضية توافدوا للاحتجاج عليها.
وكشف المتحدث أن إدارة المدرسة واجهت الاحتجاجات بتأكيدها أن ذلك يعد قراراً حكومياً ولن تخالف القانون، وهو أمر لم يقتنع به جزء كبير من أولياء الأمور، ومن وجهة نظرهم أنه جرى الاتفاق على المصروفات منذ بضعة أشهر، كما أنه جرى تحصيل جزء منها كقسط أول.
مضاعفة الضغط على المدارس الحكومية
من جهتها توضح أماني إبراهيم، وهي مسؤولة عن إحدى المجموعات التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الزيادة التي أقرتها وزارة التربية والتعليم أخيراً يتضرر منها الطلاب الذين يمكن وصفهم بأنهم فقراء لكنهم يضطرون إلى الضغط على أنفسهم لدفع مصروفات المدارس الخاصة.
وقالت المتحدثة لـ"عربي بوست" إنه لا توجد مدارس خاصةٌ الآن تقل مصروفاتها عن 5 آلاف جنيه، كما أن المدارس التي تزيد مصروفاتها على 35 ألف جنيه يدخلها على الأغلب الأغنياء وهؤلاء لا تتجاوز معدلات الزيادة لديهم نسبة 6%.
وأكدت أن قرار "التعليم" يشجع المدارس الخاصة على رفع المصروفات وعدم البقاء في الشرائح الدنيا التي تتماشى مع ظروف قطاع كبير من أولياء الأمور الذين يخشون نقل أبنائهم إلى المدارس التجريبية (مدارس حكومية لا تتجاوز مصروفاتها 2000 جنيه) أو الحكومية لسوء مستواها.
كما أن قرار الحكومة المصرية، حسب المتحدثة، من المتوقع أن يضاعف الضغط على المدارس الحكومية ذات الكثافات المرتفعة من الأساس، ولن يكون بمقدور أولياء الأمور مواجهة الزيادات الراهنة.
ولا تلتزم المدارس الخاصة، بالأساس بالنسب القانونية التي تقدرها وزارة التربية والتعليم سنوياً للمدارس الخاصة، وفقاً لأماني إبراهيم، التي أشارت إلى أن الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم العلاقة بين المدارس وأولياء الأمور لا تقوم بدورها الرقابي.
وقالت أن الحكومة تترك الطلاب وأسرهم فريسة لأصحاب المدارس الذين يرفعون المصروفات بنسب تتجاوز ما كانت تحدده وزارة التعليم في السابق، والأزمة تكمن بأن صدور قرار قانوني بالزيادات ستعقبه أيضاً زيادات أخرى غير قانونية، في ظل قناعة أصحاب المدارس بأنهم في معزل من العقاب.
وكانت وزارة التربية والتعليم في السابق تشدد إجراءاتها على المدارس الخاصة للالتزام بالمصروفات المقررة قبل أن يُصرح وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي بأن التعليم سلعة ويخضع لظروف العرض والطلب.
هذا التصريح كان بمثابة إشارة خضراء للمدارس الخاصة من أجل رفع المصروفات وفقاً لأهوائهم، ولم تعد هناك قرارات بالإشراف المالي والإداري على المدارس الخاصة نتيجة لمخالفتهم القوانين، وفقاً لأماني إبراهيم أيضاً.
ووفقاً لإحصاءات حكومية يصل عدد المدارس الخاصة والدولية في مصر إلى 10 آلاف مدرسة من بين 60 ألف مدرسة، تتنوع ما بين (حكومية وتجريبية وخاصة ودولية)، وتضم ما يقرب من ثلاثة ملايين طالب من إجمالي 25 مليون طالب يدرسون في جميع المدارس المصرية، ويعمل بها ما يقرب من 115 ألف معلم من إجمالي 950 ألف معلم.
قرارات لا يتم تطبيقها على أرض الواقع
أميرة ممدوح، ولي أمر طالبة بالصف الأول الثانوي، قالت لـ"عربي بوست" إن الزيادة الفعلية لمصروفات هذا العام تصل لما يقرب من 50%، مشيرة إلى أن أسعار الكتب الدراسية التي تقرها الحكومة أو التي تخصصها المدارس الخاصة تضاعفت عن العام الماضي.
وأضافت المتحدثة أن الحال كذلك بالنسبة للزي المدرسي، إلى جانب أن المدارس قامت برفع قيمة رسوم الأنشطة أسوة بما حدث مع المصروفات الأساسية، ونهاية بزيادة مصروفات الباص المدرسي.
وأكدت أن مصروفات ابنتها العام الماضي لم تتجاوز 10 آلاف جنيه، في حين وصلت هذا العام مع الزيادات المقررة لـ16 ألف جنيه، والأكثر من ذلك أن المدرسة قامت برفع المصروفات قبل أيام من بدء العام الدراسي ولم يكن لدى الأسر علم بها من قبل، وكان يجب تحديدها في وقت مسبق؛ حتى يتمكن أولياء الأمور من حسم مصير أبنائهم.
وأشارت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست"، إلى أن المشكلة الأكبر تتمثل في أن الطلاب بالمرحلة الثانوية لا يذهبون إلى المدرسة من الأساس، وكان من الممكن تحويلهم إلى مدارس حكومية.
وكانت وزارة التعليم قد حذّرت أولياء الأمور من تحصيل المدارس الخاصة أية مبالغ، تحت مسمى "رسم التحاق"، أو "رسم قبول"، أو "رسوم اختبارات قبول"، أو "رسوم فتح ملفات الطلاب بالمدرسة"، أو "رسوم زي مدرسي"، أو "رسوم أدوات مدرسية ومستلزمات تعليم"، أو تحت أي مسمى آخر، بخلاف المصروفات الدراسية المقررة على كل تلميذ، غير أن هذا كله لا يتم تطبيقه على أرض الواقع.
من جهته يشير ياسر محمود الذي يعمل وسيطاً بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور، إلى أن مهنته جرى استحداثها أخيراً في ظل بحث أولياء الأمور عن مدارس مناسبة لأوضاعهم الاجتماعية.
وقال المتحدث إنه يحصل على نسب خصم لقبول الطلاب في مدارس تبقى بحاجة لاستكمال أعداد المسكنين داخل فصولها، في مقابل توجيه أكبر عدد من الطلاب إليها، لافتاً إلى أن الزيادات السنوية غير المنطقية في المصروفات تتسبب في اتجاه الطلاب للمدارس الحكومية.
ويعتبر أن القرارات الأخيرة قد تكون في صالح بعض المدارس لكنها ليست في صالح البعض الآخر، خاصةً تلك التي لا تتجاوز مصروفاتها 10 آلاف جنيه، وقد يضطر بعض أولياء الأمور إلى تحويلهم لمدارس تجريبية، وكذلك الوضع بالنسبة للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 15 و20 ألفاً، وقد تصل بعد الزيادات الأخيرة إلى 30 ألف جنيه، وهو رقم لا يستطيع كثيرون تحمُّله.
الوزارة لم تتحرك لمواجهة مخالفات المدارس
وكشف محمود عن معضلة أكبر تثقل كاهل أولياء الأمور تتعلق بمصروفات الطلاب بالمدارس الخاصة والدولية في المرحلة الثانوية، خاصة مع قرار وزارة التربية والتعليم وقف تحويلات الطلاب في هذه المرحلة إلا بعد العرض على لجنة من قياداتها، وذلك بعد تعدد حالات الغش بها بمرحلة الثانوية العامة.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن تلك المدارس، خاصة في المحافظات البعيدة عن العاصمة القاهرة، تحدث بها حالات غش جماعي لا تتمكن وزارة التربية والتعليم من إيقافه، وحينما ضيقت الوزارة على التحويلات إليها قامت بمضاعفة المصروفات على مرأى ومسمع من الوزارة التي لم تحرك ساكناً أمام تصرفاتها.
وفقاً لبرنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA)، فإن المدارس الخاصة هي تلك التي تدار بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل منظمة غير حكومية، وهناك نوعان من المدارس الخاصة.
الأول يتمثل في مدارس خاصة مستقلة بشكل كامل عن الحكومة، وتعتمد في تمويلها على المصروفات الدراسية للطلاب والمساهمات الخاصة الأخرى، والثاني يتمثل في مدارس خاصة مدعومة من قبل الحكومة، حيث يديرها القطاع الخاص، ولكنها تتلقى أكثر من نصف تمويلها من مصادر حكومية.
وتوضح نتائج التقييم الدولي للطلاب (PISA) الذي أُجري في 2018 وشاركت فيه 68 دولة حول العالم، أن 18% من طلاب التعليم الأساسي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ملتحقون بمدارس خاصة، وهي نسبة لا تبتعد كثيراً عن المتوسط العالمي.
ويشير التقرير العالمي لرصد التعليم، الصادر عن اليونسكو في 2022، إلى أن مدارس التعليم الخاص تخدم نحو 17% من تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي و26% من طلاب المرحلة الثانوية.
وتطور عدد المدارس الخاصة في مصر وعدد الطلاب الملتحقين بها في جميع المراحل التعليمية بمعدلات ثابتة تقريباً خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث ارتفع عدد فصول التعليم الخاص من 70 ألفاً في 2019 إلى 82 ألف فصل خلال العام الدراسي الحالي، تمثل أكثر من 16% من إجمالي الفصول المدرسية في مصر.
كما زاد عدد الطلاب في المدارس الخاصة بنحو نصف مليون طالب خلال الفترة نفسها ليضم التعليم الخاص، بذلك 11% تقريباً من إجمالي الطلاب في مصر.
توجه لإنشاء المدارس الخاصة على حساب الحكومية
ويؤكد مسؤول سابق في وزارة التربية والتعليم إلى أن المدارس الخاصة والدولية خرجت عن سيطرة وزارة التربية والتعليم، وأن القرارات الأخيرة لن تؤثر كثيراً مع عدم الالتزام بمعدلات الزيادة السنوية.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن التراخي في ضبط أوضاعها يعد توجهاً حكومياً يدفع إلى التوسع في إنشاء المدارس الخاصة على حساب الحكومية، وإن وزير التربية والتعليم الحالي الدكتور رضا حجازي، أعلن عن ذلك صراحة مؤخراً.
وقال حجازي، خلال إطلاق الحوار المجتمعي للخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم 2024-2029، الشهر الماضي، إن "مصر بها 10 آلاف مدرسة خاصة، ونرغب في أن تصل إلى 30 ألف مدرسة خاصة، فالوزارة تشجع القطاع الخاص، وتقدّم تسهيلات كبيرة".
ويوضح المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، أن الحكومة ليست لديها رغبة في زيادة ميزانية التعليم على الرغم من العجز الصارخ في أعداد المدارس والمعلمين، وتسعى لتحميل تلك الفاتورة للقطاع الخاص، لأن ذلك لن يكلفها أي أموال في الإنشاءات المقررة وكذلك الوضع بالنسبة لتعيين معلمين جدد، مشيراً إلى أن أصحاب المدارس الخاصة يفرضون رؤيتهم بالنسبة للمصروفات، وأضحت العلاقة مختلة بين الطرفين.
وتصل ميزانية وزارة التربية والتعليم في موازنة الدولة المصرية للعام المالي 2023-2024، إلى 160 ملياراً و341 مليون جنيه، بما يعادل نحو 1.2% من الناتج القومي الإجمالي، المُقدر من الحكومة بنحو 13 تريليوناً و233 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، في حين أن الدستور ينص على أن تصل تلك النسبة إلى 4% من إجمالي الناتج القومي المحلي.