صدّقت الحكومة الإسرائيلية على منح السلطة الفلسطينية أول شحنة من معدات عسكرية وقتالية بتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2023، في إطار تأهيل أجهزة الأمن الفلسطينية لمواجهة المقاومة شمال الضفة الغربية.
وقال مسؤول أمني في السلطة الفلسطينية لـ"عربي بوست" إن "الأسلحة هي جزء من مخرجات الاجتماع الذي عقده اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكية باربرا ليف في العاصمة عمان 27 من أغسطس/آب 2023".
وأضاف المتحدث أنه "تم في هذا الاجتماع استعراض التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في ملاحقة وتتبع المطلوبين من أبناء التنظيمات المسلحة، وكان أبرزها وجود قصور في العمل الاستخباري والسيبراني لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية".
"بالإضافة إلى تهالك الآليات العسكرية وعدم امتلاك الأجهزة الأمنية لآليات مصفحة، ما يعيق عمليات الاقتحام ويعرض سلامة الجنود للخطر"، حسب المصدر نفسه.
وأكد المصدر أن "السفيرة الأمريكية تعهدت بنقل المطالب للجانب الإسرائيلي والموافقة عليها ضمن منحة بقيمة 50 مليون دولار لدعم الأجهزة الأمنية ستشمل تدريب قوات الأمن على استخدام الأسلحة في دورات تدريبية يشرف عليها ضباط أمريكيون في مقر المخابرات العامة في بيتونيا برام الله بدءاً من الشهر القادم".
كما تعهدت السفيرة الأمريكية بتأهيل ضباط فلسطينيين من جهاز المخابرات العامة والأمن الوقائي في الأراضي الأمريكية لاكتساب الخبرات التي تؤهلها لقيادة المرحلة الجديدة.
أسلحة أمريكية في الضفة
ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية عن مصادر فلسطينية قولها، إن السلطة الفلسطينية تسلمت عدداً من ناقلات الجند المدرعة، و18 مركبة عسكرية مصفحة ضد الرصاص، و1500 بندقية من طراز كلاشينكوف، وm-16 موجهة بالليزر.
بالإضافة إلى ذلك استلمت السلطة الفلسطينية كلاباً لكشف المتفجرات، ووسائل لتفريق المظاهرات، وهراوات وقنابل صوت وغاز مسيل للدموع، إضافة لمعدات تقنية واستخبارية تتيح لأجهزة الأمن الفلسطينية اختراق الهواتف المحمولة لتعقب المسلحين واعتقالهم.
فيما أشارت "القناة 12" الإسرائيلية عن مصدر خاص في المنظومة الأمنية الإسرائيلية قوله، إن "إسرائيل حددت شرطين أمام السلطة الفلسطينية لاستخدام هذه الأسلحة".
ويتجلى هذان الشرطان في استخدام هذه الأسلحة ضد مطلوبين أمنيين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي وليست ضد مجرمين جنائيين، وأن يقتصر استخدام الأسلحة على يد فئات محددة من الأجهزة الأمنية، في إشارة لجهاز الأمن الوقائي والمخابرات.
انتقادات أمريكية إسرائيلية لأداء السلطة الأمني
وتأتي الموافقة الإسرائيلية على تزويد أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بأسلحة قتالية، في ضوء انتقادات أمريكية وإسرائيلية لأداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية من ملاحقة الخلايا العسكرية في الضفة الغربية.
واستطاعت هذه الخلايا، حسب الرؤية الأمريكية، في العامين الأخيرين من تشكيل بنية تحتية للمقاومة المسلحة، تحديداً في شمال الضفة الغربية في مدينتي نابلس وجنين التي باتت معروفة باسم كتيبة جنين، وعرين الأسود.
إلا أن هذا الطرح الإسرائيلي بتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية "الفوضى الأمنية" يتنافى مع سلوك الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ملاحقة المطلوبين من أبناء التنظيمات المسلحة.
ووفقاً لمركز محامون من أجل العدالة، تواصل السلطة الفلسطينية اعتقال 40 مواطناً من خلفية سياسية، فيما بلغت حالات الاعتقال منذ مطلع العام 300 معتقل.
الجهاد: ندرس إعادة تقييم العلاقة مع السلطة
مصعب البريم المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي أكد لـ"عربي بوست" أن "الأجهزة الأمنية تواصل اعتقال العشرات من كوادر الحركة على خلفية نشاطهم في العمل المقاوم".
وأضاف المتحدث أن "استمرار هذا الوضع سيفرض علينا في حركة الجهاد الإسلامي إعادة تقييم العلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح، كونه يمس سياستنا ونهجنا في دعم وتبني مشروع المقاومة".
وأضاف المتحدث أن الحديث عن نقل أسلحة أمريكية للسلطة يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة قد تصعد فيها الأجهزة الأمنية الفلسطينية من ملاحقة المطلوبين في محاولة للحفاظ على مكاسبها، تحت ذريعة الخوف مما تروج إليه آلة الدعاية الإسرائيلية من أن الفصائل تسعى للانقلاب على السلطة الفلسطينية والسيطرة على الضفة الغربية.
وتابع المتحدث: "نحن في الفصائل لن تثنينا أو تردعنا هذه الأسلحة الأمريكية، وردنا على هذه الصفقة الخبيثة سيكون بمضاعفة العمل المقاوم وتطويره، والتجارب أثبتت أنه لا يمكن القفز على إرادة الشعوب في حقها في مقاومة الاحتلال، وستكون السلطة الفلسطينية هي الخاسر الأكبر في هذه المعادلة".
حماس تحذر
فتحي قرعاوي القيادي في حركة حماس قال إن "شروع الإدارة الأمريكية وإسرائيل بتزويد السلطة الفلسطينية بأسلحة قتالية، من شأنه أن يخلق صداماً بين الأجهزة الأمنية والشارع الذي بات يشكل حاضنة شعبية للمقاومة ويوفر لها الحماية".
وقال القيادي في حماس لـ"عربي بوست": "على السلطة الفلسطينية أن ترفض الانصياع لمثل هذه المخططات أو أن تقبل بها تحت أي مبرر، لأن المستفيد من هذا الوضع هي إسرائيل وحدها".
وأضاف المتحدث: "الظرف الحالي في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي يجب أن ينصب على توحيد الجهود لوقف مشروع الضم الذي أعلنه سموتريتش وتبنته حكومة الاحتلال كهدف مرحلي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إفساح المجال أمام المقاومة لأخذ دورها في هذه المرحلة".
الضفة تستنزف الجيش الإسرائيلي
يأتي الحديث عن نقل أسلحة أمريكية للسلطة الفلسطينية في ظل حالة الاستنزاف التي فرضتها المقاومة الفلسطينية على الجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من تكثيف حملات الاعتقال والاقتحامات اليومية وتتبع مصادر التمويل، وتنفيذ عمليات عسكرية بين الفينة والأخرى، والتي كانت آخرها عملية "الحديقة والبستان" في جنين، إلا أنها لم تنجح في تفكيك البنية التحتية للفصائل المسلحة.
ويواصل الجيش انتشاره الواسع في الضفة الغربية، إذ قدرت أوساط أمنية إسرائيلية أن عدد الكتائب العسكرية المنتشرة في الضفة الغربية يزيد عن 18 كتيبة عسكرية، أي ما يعادل نصف جيش المشاة الإسرائيلي.
كما شرع الجيش باستخدام الطائرات المسيرة لملاحقة المطلوبين، وهو تطور لافت يستخدم لأول مرة منذ انتفاضة الأقصى، يعكس حجم الضغط الأمني الذي تعاني منه إسرائيل.
قال اللواء المتقاعد والخبير العسكري يوسف الشرقاوي لـ"عربي بوست" إن "إسرائيل أدركت أن استمرار حالة الاشتباك في الضفة الغربية سيقوض من أدائها العملياتي جراء تعاظم التهديدات المحيطة بإسرائيل، خصوصاً في ظل توتر الحدود مع غزة ولبنان وسوريا وإمكانية اشتعالها في أية لحظة".
وأضاف المتحدث أن "هذا الإدراك دفع بأوساط عسكرية وأمنية إسرائيلية لمطالبة المستوى السياسي بتغيير النهج مع السلطة الفلسطينية، من خلال دعمها بالأسلحة والمعدات القتالية لتخفيف الضغط الممارس عليها".
وأضاف المتحدث: "جزء مما يجري في الضفة الغربية يشير إلى أننا أمام مرحلة جديدة من العمل العسكري المنظم الذي تطور بشكل لافت منذ معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، وبالتالي لن تكون إسرائيل وحدها قادرة على ضبط الأمن واستعادة الهدوء للمستوطنين، لذلك هي تحاول أن تشرك السلطة الفلسطينية بهذه المسؤولية عبر التلويح المستمر بأن أمنها وبقاءها مرتبط بإضعاف حماس والفصائل المسلحة".